شرحت ورقة بحثية أن وجود تنظيمات مسلحة لا تتبع للدولة أياً كان نوعها أو سبب وجودها يعتبر انتقاصاً من سيادة هذه الدولة على إقليمها، ومظهراً لخلل أو ضعف في بنيتها، ما يضعها في قائمة الدول الهشة أو الفاشلة.
الورقة البحثية التي أعدها علي الدين هلال، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، ونشرها مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، عددت التسميات لهذه التنظيمات المسلحة في المنطقة المسلحة: مثل المليشيات والتنظيمات والجماعات المسلحة، والفاعلين المسلحين أو العنيفين من غير الدول، موردة أن “جل هذه التسميات تشير إلى تنظيم مسلح تتوافر لديه عناصر القيادة والاستمرار، يعمل خارج سلطة الدولة ويستخدم العنف وسيلة لتحقيق أهدافه السياسية والأيديولوجية والاقتصادية”.
وحسب الوثيقة ذاتها فقد “ارتبطت نشأة المليشيات المسلحة بضعف أداء مؤسسات الدولة، وانكشافها وعدم قدرتها على الوفاء بمهامها الرئيسية، وتوفير الخدمات الأساسية لمواطنيها، من توظيف وتعليم وصحة”، وأشارت إلى أنه “عندما تعجز الدولة عن القيام بهذه المهام ويشعر أهالي المناطق المحرومة بالتمييز وعدم العدالة في توزيع الخدمات، ثم عدم استجابة الحكومة لمطالبهم من خلال القنوات السياسية السلمية، فإن الظروف تكون مهيأة لنشأة المليشيات المسلحة”.
أما عن مستقبل هذه المليشيات في المنطقة العربية فتوقعت الدراسة ثلاثة سيناريوهات؛ الأول في حالة الدول التي تتمتع بدرجة عالية من التكامل الاجتماعي ووجود مؤسسات قوية، حيث ليس أمام هذه المليشيات سوى سيناريو واحد هو الهزيمة.
أما في حالة الدول التي تتسم بعدم التكامل الاجتماعي، مع تعدد مكوناتها الاجتماعية المذهبية والإثنية والقبائلية المتصارعة، فأوردت الوثيقة أن “الحل يبدو أكثر صعوبة، لأن الانقسام السياسي يجد جذوره في المجتمع ذاته، ويكون على مؤسسات الدولة أن تعمل على عدم تسييس هذه الانقسامات باتباع سياسات عادلة ومنصفة تجاه سائر المواطنين في كل المحافظات والولايات، دون تمييز لفئة على حساب أخرى”.
وفي حالة الدول التي ارتبط ظهور المليشيات فيها بالاختلافات والانقسامات السياسية التي أعقبت أحداث عام 2011، فأشارت الوثيقة إلى أن استمرار هذه المليشيات يرتبط أساساً بتوازن القوى والعلاقات بين الدول المُدعمة لأحد أطراف الصراع.
وحسب الباحث ذاته فقد شهدت الدول العربية ظهور العديد من التنظيمات المسلحة، لعل أقدمها “التنظيم السري” للإخوان في مصر، وأنشطة الحزب السوري القومي الاجتماعي في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي. واستمرت الظاهرة صعوداً وهبوطاً حتى اتسع نطاقها بعد موجة الانتفاضات العربية مطلع العقد الثاني من القرن الحالي.
وتابع المصدر ذاته: “عموماً، يمكن القول إن الغالبية الساحقة من هذه الجماعات والمليشيات تستند في وجودها واستمرارها إلى دعم خارجي، بالسلاح والتدريب والمال؛ وباستثناء ذلك فإنه لا يمكن التعامل معها على أنها كتلة واحدة، إذ تختلف أسباب ظهورها وطبيعة أهدافها وحجم التأييد الاجتماعي لها. وبالطبع، لا يوجد سبب أو عامل واحد يفسر قيام هذه الجماعات، وإنما تتعدد الأسباب ويتقاطع بعضها مع بعض”.
هسبريس آمال كنين