لا يمكن أن يكون أي اتفاق سياسي بين المعارضة أو أطراف منها وبين النظام إلا خطوة إيجابية ينبغي الإشادة بها، في بلد عانى كثير من المغايرة والتضاد الدائم بين طرفي المشهد السياسي، وكأنهما نقيضان لا يلتقيان.
وضمن ذلك تدخل الوثيقة السياسية العامة التي اتفق عليها حزبان من المعارضة هما اتحاد قوى التقدم وتكتل القوى الديمقراطية، مع رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني.
الأكيد أن هذه الوثيقة لم تأت من فراغ تقريبا، بقدر ما كانت نتيجة حوار صامت أو صاخب في بعض الأحيان طيلة السنوات الأربع المنصرمة، وقد ظهرت بعض محطات ذلك الحوار لكن ما خفي منه كان أكبر مما اتضح بسبب عجز المعارضة عن توحيد مواقفها، وتناقض رهاناتها، وسعي بعض أطرافها إلى عرقلة أي حوار، بحجج مختلفة.
وإذا تجاوزنا أن حزب اتحاد قوى التقدم رغم تضاؤله الجماهيري هو مدرسة تقليدية للحوار والمساومة والنقاش السياسي، وأن حزب تكتل القوى الديمقراطية الآن، رغم ضعفه وهشاشته السياسية، أصبح حديقة خلفية لحزب قوى التقدم بفعل سيطرة شخصيات تاريخية من حركة اليسار الموريتاني على القرار السياسي في الحزب، إذا تجاوزنا كل ذلك، فإن الأحزاب إنما وجدت لكي تناضل وتناقش وتساوم وتفاوض، وأي حزب سياسي يختصر وجوده في الحراك الجماهيري والعمل الإعلامي هو حزب يفقد مع الزمن آلية التطوير، ويسلم قياده إلى الشغب الجماهيري.
إن المكاسب التي حققها الحزبان من الاتفاق مع النظام، ستعوض لهم وإن بشكل جزئي ما لا يمكن تعويضه من فقد الجماهير والتآكل التاريخي، لكنها ستبقيهما وإن إلى مدى طويل، في صدارة القرار والنقاش السياسي، وهي مكاسب تنقسم إلى قسمين
أما المكاسب العامة فمن أهمها الوعي بمخاطر التحولات المجتمعية التي تمر بها البلاد، ومخاطر المتغيرات الإقليمية من حولنا، وضرورة الانتقال من المشاريع الضيقة إلى المساحات المشتركة وهو ما نصت عليه الوثيقة
إضافة إلى الوعي بأن حالة الشتات السياسي لن تنتج للنظام موالاة قوية وفاعلة، ولن تمنح المعارضة موقعا مناسبا لأداء مسؤولية النقد الواعي والمسؤول والنضال الجاد.
لقد حملت الوثيقة المعلنة، ثمانية مبادئ عامة للانطلاق حول مسار أكثر توافقية، كما تضمنت أيضا 17 ملحقا لا غنى عنه من أجل الوصول إلى تنمية شاملة وعدالة اجتماعية وأمل وطني فسيح.
وإن الشروع العملي في تطبيق الممكن من هذه الملاحق في ضوء مبادئها العامة ضرورة سريعة، يحتاجها النظام أكثر مما تحتاجها المعارضة، فلديه الكثير مما يمكن أن يخسره، وليس أقلة حالة المتاركة والهدوء التي تمارسها تجاهه أغلب القوى المعارضة.
لكن هذه الوثيقة بالذات وما أثارت من نقاش وشائعات تتطلب الكثير من التوضيحات وخصوصا من السلطة.
وبشكل خاص ما يتعلق بإعادة انتخابات البرلمان والبلديات والجهوية، حيث تدور هذه الشائعة منذ أسابيع، دون أن تجد من الطرفين المعنيين بها ردا نافيا أو مثبتا.
كما تحتاج أيضا الشائعة المتعلقة بتعديل الدستور، وفتح المأمورية الأولى إلى سنة 2026 ردا صارما وجازما ينفيها نفيها مطلقا، باعتبارها إحدى كبريات الأخطاء السياسية التي لا يمكن لنظام يتمتع بالسواء النفسي والوعي السياسي أن يقدم عليها.
إن أهم مصلحة يحققها النظام هي بالفعل تطبيق بعض أو أكثر البنود المصرح بها في الوثيقة الأساسية للحوار السياسي، إضافة إلى زيادة مستوى الصرامة في تعامله مع الشركات والمؤسسات العاملة في المنشآت والطرق، وبعد أن يكمل مأموريتيه الشرعيتين، يمكن أن يخرج من السلطة مرفوع الجبين، مفتخرا بما حقق، مؤاخذا من الشعب بما أخفق فيه.
وفي القضايا السياسية والتنموية مناديح كثيرة عن المراحل الانتقالية أو المساس بالدستور.
الحريصون على التفاهم طرائق قددا..
منهم الحادب على بلده الذي يوجد في قلب العاصفة الزعزع التي تقتلع الأنظمة الحاكمة من جذورها كأعجاز نخل منقعر، وبالتأكيد فليست رغبتها في التوافق حبا في سواد عيون النظام بقدر ماهو إبعاد شبح الانقلابات والوثوب على السلطة بالقوة.
يدرك أصحاب هذا الطرح، أننا لسنا بدعا من غيرنا، ولا نشازا من تاريخنا، والأكيد أن هناك بعض الضباط الطامحين للسلطة ولديهم الاستعداد للمغامرة في سبيل الوصول للسلطة، ومايعيقهم هو الظرف المواتي.
والووجود الكافي، والمجتمع المرحب، وفي الماضي لم يخيب مجتمعنا الأمل فهو دائما مرحب.
وإذا وجدوا الفرصة فهم يدركون أن أول مصفق لهم هم أنصار النظام.
من هنا فكلما حصنت الجبهة الداخلية وعززت العملية الديمقراطية أبعدنا شبح الإنقلابات.
طرف ثاني يبغي مصلحة النظام، ويريد للنظام أن لايسلك سيرة أسلافه الذين دخلوا السجن بعد خروجهم من السلطة، مثلما حدث للرئيس عزيز، وكما حدث لشيعة أسلافه( أقارب معاوية، ومعاوني المرحوم سيدي).
خاصة أن هناك صفحات معارضة تتحدث عن بعض التجاوزات من قبل المحيط الاجتماعي للرئيس، وإن قلل مطلعون من جدية دعاوي تلك الصفحات.
ويرى البعض أنفاعلين من النظام في طليعة مهندسي التوافق الوطني والإجماع الذي ينبغي أن يحصل في مأمورية الرئيس الغزواني.
وما لم يستطع الفاعلون من النظام جذب بقية المعارضة إلى الحوار فسيبقى مفعولها السحري محدودا وتأثيرها منقوصا.
يعول الموريتاني على الحوار الذي يضمن له العيش الكريم، والعدالة الناجزة وتساوي الفرص في الولوج للوظائف العامة.
وفوق ذلك محاربة الفساد واسترداد المال المنهوب بشكل كامل.
صياغة مفهوم جديد للأمن الوطني يدخل في تعريفه، الأمن المائي والطاقوي والمعدني.
حفظ ثرواته من الضياع تحت مخالب الشركات متعددة الجنسية.
مراجعته استغلال ثروته الحديدية.
بناء نظام تعليمي مهني شامل وجامع ينطلق من الخصوصيات الحضارية والحاجيات الوطنية.
الكشف عن الشهادات المزورة وإبعاد أصحابها عن موقع الصدارة.
إن الإصلاح الشامل والكامل هو ما ينتظره المواطن العادي الذي حطم الساسة أمله في كل تغيير إيجابي فأصبح يصفق بشكل تائه لكل حاكم.
موقع الفكر