تعرف على عبد الله البرغوثي.. قصة كفاح “أمير الظل” الأسير مدة 5 آلاف عام

5200 عام و67 حكما بالسجن المؤبد. هذا الرقم الخيالي الداعي للسخرية يمثل جملة أحكام عقابية لشخص واحد فقط هو عبد الله البرغوثي، الأسير القيادي في كتائب عز الدين القسام، الذي حصل على ألقاب عدة إضافة إلى لقب صاحب أطول حكم بالسجن في زنزانات الاحتلال، فهو كما سمى نفسه “أمير الظل”، والمهندس، وذو العقلين، وهو الشيخ كما سماه مقاتلو القسام الذين دربهم.

خطّ عبد الله البرغوثي مسيرة المقاومة في أربع دول، أولها الكويت ثم كوريا الجنوبية ثم الأردن وآخرها فلسطين، وكانت محطته الأخيرة السجن الذي حُكم عليه أن يعيش فيه حيّا أكثر من خمسة آلاف عام.

“لم أعد كويتيا كما كنت أظن، بل فلسطيني”
يروي عبد الله البرغوثي في مذكراته التي تحمل عنوان “أمير الظل، مهندس على الطريق” أنه ظل يردد “وطني الكويت سلمت للمجد، وعلى جبينك طالع السعد” من النشيد الوطني، طيلة أعوام من طفولته التي قضاها في الكويت، لكن اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى نفض عنه الانتماء لغير فلسطين، وأوقدت حبا لوطنه الأصلي، ورغبة في الانتقام من المحتل الإسرائيلي، خاصة بعد أن استشهد عمه وابن عمه.

يقول البرغوثي: من هم؟ لم أرهم ولم أكلمهم ولم أكن أعلم أي شيء عنهم. سألت وسألت، وجاءني الجواب، قالوا لي إن محمود ھو ابن عمي الكبير، وقالوا إن إسماعيل هو أصغر أعمامي. ببساطة لقد ألقوا الحجارة على قوات الاحتلال الصهيوني التي كانت تعيث خرابا، فتلقيا الرصاص واستشهدا.

قالوا لي، اعلم أنك من ھناك، من فلسطين، من قرية اسمها بيت ريم، وهكذا لم أعد كويتيا كما كنت أظن، بل فلسطيني، ومنذ ذلك الوقت أصبحت أردد أنشودة أخرى تتحدث عني وعن فلسطين، كانت تلك الأنشودة تقول: “محمد جمجوم وفؤاد حجازي، جازي علیھم يا شعبي جازي”.

“إن تعلمتها وأتقنتها فستكون قادرا على قتل من يهاجمك”
ظلت فكرة الانتقام ترافق عبد الله البرغوثي حتى قادته إلى الانضمام إلى نادٍ لرياضة الجودو بالكويت، وكان مدربه يدعى منير سميك، وهو فلسطيني أيضا. تابع البرغوثي تدريبه بانتظام بعد أن سكنه هاجس أنه لن يستطيع مقاومة الاحتلال إذا لم يكن قوي البنية، وبعد سنوات من التدريب قال له المدرب: سوف أدربك اليوم على الحركة الأخيرة، فإن تعلمتها وأتقنتها فسوف تكون قادرا على قتل من يهاجمك.

لم يفهم البرغوثي معنى كلامه، فسأله: كيف تعلمني حركة قاتلة، وتريد مني أن أتقنها ولا أستعملها في المشاجرات ولا حتى في المباريات داخل النادي؟

حينها أجابه مدربه: ألست فلسطينيا؟ ألا تريد تحرير بلادك؟ إذا استعملها ضد كل من احتلوا وطنك، هناك في فلسطين، استعمل ما تعلمته هنا.

لم يكتفِ عبد الله البرغوثي بالتدرب على الرياضة القتالية، بل قادته كلمات مدربه منير سميك إلى صحراء الكويت، فبدأ التدرب على السلاح، مستغلا شغفه بالأجهزة الكهربائية والميكانيكا، لكن حرب الخليج الثانية أجبرت عائلته على العودة إلى الأردن، وكانت عمان محطة ستدفعه إلى قرار الهجرة بعد أن أنهى دراسته الثانوية في اختصاص الميكانيكا في مدرسة مهنية هناك، ولم يكن أبوه قادرا على تعليمه في الجامعة.

يقول البرغوثي في مذكراته: قمت بالاستدانة من أحد أقاربي مبلغا من المال، ووعدته أن أعید المبلغ خلال عام واحد، وقمت بافتتاح كاراج خاص قبل أن أكمل عامي الثامن عشر.

فشل عبد الله البرغوثي في مشروعه وفي تسديد دينه، واتخذ قرار السفر إلى كوريا الجنوبية خلال لحظات، حين استعان به صديق له لملء استمارة التأشيرة إلى هناك، ولم يكن يعلم أن سفره إلى الشق الآخر من الأرض سيكون ذخيرة له بعد سنوات.

أيام كوريا.. قطع الأشجار صباحا وتفجير العبوات الناسفة مساء
قاد الفقر عبد الله البرغوثي للسفر إلى بلد لا يفقه ثقافته، ولم يكن يملك فلسا واحد عندما حطت الطائرة في العاصمة سيول، حتى أنه لم يملك ثمن تذكرة القطار أو الحافلة التي ستحمله إلى العنوان الذي أعطاه إياه صديقه.

غلاف كتاب “أمير الظل، مهندس على الطريق” لعبد الله البرغوثي
يقول البرغوثي: بقیت طوال ثلاثة أیام وليلتين أسير في النهار، وأنام في الليل، دون أكل. وكنت أشرب من میاه الحدائق العامة حتى وصلت إلى العنوان، وصلت متعبا غارقا بمیاه الأمطار. ولم یكن سوى عنوان مصنع لقص الأشجار في أحد الغابات. عملت طول 45 يوما وأنا لا أملك المال لشراء الطعام، فقد كنت أتناول وجبة تُقدم في المصنع، ووجبة أخرى تُقدَم في ساعة الظهر، وھي وجبة خفیفة جدا. عملت بصمت وأتقنت ما أعمل.

كان ذلك في العام 1991، حينها لم يكن عبد الله البرغوثي قد تجاوز 19 عاما، وبعد أشهر في مصنع الخشب، انتقل للعمل في مصنع للميكانيكا، ودرس بالتوازي مع عمله في معهد للهندسة وتخصص في الإلكتروميكانيك.

يقول البرغوثي: لم أكن أملك قلبا أبدا، بل كنت أملك عقلین اثنين، عقل یتقن جمع المال، وعقل آخر مُنصبّ على تحدي القانون، فقد أصبحت قرصان كمبيوتر وقرصان شبكات الاتصالات، ولكن الأهم هو ذلك العقل الذي خصصته لفلسطين، فلقد تعلمت صنع المتفجرات والعبوات الناسفة، تعلمت ذلك من مصادره الأصلية، من المواقع العسكرية الموجودة في شبكة الإنترنت، فتعلمت الكثير وحوّلت تلك المعرفة إلى خبرة عملية، فكنت أمضي عطلة نهاية الأسبوع في كوريا هناك في الغابات، أفجر عبوة وأجرب مادة حارقة جديدة، وهنا استطعت أن أدمج ما بين صناعة المواد المتفجرة وصناعة المواد الإلكترونية اللازمة لتفجير تلك المواد، فأصبحت خبيرا من ناحيتين، فأنا من يصنع الأدوات الإلكترونية، وأنا من يصنع المواد المتفجرة الخاصة بها.

لم يكتف عبد الله البرغوثي بتعلم صناعة المتفجرات والعبوات الناسفة وتجربتها فعليا، بل بدأ بالتردد على النوادي المختصة في تعلم الرمي بالرصاص والقنص، مع أن كلفتها كانت مرتفعة، وحينها أكمل البرغوثي حلقة متكاملة من التدريب بين رياضة القتال والقنص وصناعة العبوات المتفجرة.

تزوج عبد الله البرغوثي خلال إقامته في كوريا الجنوبية من طالبة كورية، لكنه لم يلبث أن رُحّل مكبلا إلى عمان بعد أن شارك في مظاهرات في جامعة سيول، احتجاجا على اغتصاب جنود أمريكيين لفتاة كورية، حينها رمى البرغوثي قنبلة مولوتوف على الشرطة خلال المواجهات مع الطلبة المحتجين واعتقل، لكن أُطلق سراحه بتدخل من السفير اليمني هناك، ورُحّل إلى عمّان، وحجزت السلطات الكورية أمواله في البنك، وعاد فقيرا إلى الأردن، مثلما غادرها.

“لقد أقسمت أن أحرر فلسطين كل فلسطين”
بعد عودته إلى الأردن وطلاقه زوجته الكورية، دخل عبد الله البرغوثي في حالة من الحزن، وتزامن طلاقه مع اتفاقية أوسلو التي كان ضدها، وكانت زيارته للقدس قبل التوجه لملاقاة عروس فلسطينية من قريته بيت ريم بتوصية من أمه، قد نفخت فيه حلم الجهاد من جديد.

يستحضر البرغوثي في مذكراته لحظة وطأت قدماه القدس، ويقول: لقد مررنا على مخبز يصنع الكعك المقدسي، فاشترينا وأكلنا ونحن نعبر أزقة القدس… لقد أقسمت أن أحرر فلسطين كل فلسطين، أقسم أن أجرد الصهاينة منها، وأقسم أن أجرد أشباه رجال أوسلو منها، وكررت ذلك مخاطبا البحر.

والدة عبد الله البرغوثي أمام شهاداته
بعد زواجه من ابنة قرية أبيه، عاد عبد الله البرغوثي إلى الأردن، ورعى تجارته هناك، ثم ترك عمان مرة أخرى للعمل في مصنع للفولاذ في القدس. في تلك المرة، كان الأمر محسوما وهو تنفيذ القسم الذي ألقاه أمام البحر.

وهو ما يؤكده بقوله: حين عدت هذه المرة إلى فلسطين، لم يكن هدفي جمع المال، فقد كنت أملك ما يكفي أضعاف الأضعاف لصرفه بقية حياتي، لكنني دخلت فلسطين لأنني أقسمت على أن أعمل على تحريرها من المغتصبين الصهاينة، ومن فاسدي سلطة أوسلو. كيف؟ لا أعلم. كل ما أعلمه هو أنني حملت بداخلي الأمل والإخلاص على تحقيق هدفي، فحولت أملي وحلمي إلى واقع ملموس، كرست لأجله كل طاقاتي وإمكاناتي.

اختراق شركات الاتصال.. خطوة أولى في سبيل الانتقام
سافر عبد الله البرغوثي إلى فلسطين، وكان هدوء حذر يغطى المنطقة في ظل اتفاقية أوسلو ومخرجاتها، وكان التنسيق الأمني بين قوات الاحتلال وجهاز الأمن الوقائي التابع للسلطة الفلسطينية في أعلى مستوياته، وزاد اعتقالُ رفاق له في حركة حماس عزمَه على تحقيق قسمه.

قبل دخوله لفلسطين، جهّز عبد الله البرغوثي نفسه جيدا، فأدخل ما يمكن أن يساعده في مخططه في الانتقام من المحتل، وكانت ذخيرته الأولى التي تمكن من إدخالها هي أجهزة إلكترونية ولاسلكية وأدوات كهربائية ومواد يمكنه استعماله للتفجير، دسّها في الأجهزة الإلكترونية، وعبر بها عبر بوابات التفتيش الأمني بنجاح.

استقر البرغوثي أولا في القدس للعمل في مصنع، واستطاع بعدها شراء عدد من أجهزة الحاسوب، وبدأت خطوته الأولى التي تعلمها في كوريا الجنوبية باقتحام مواقع رسمية، كان يتجول بين بياناتها السرية بحرية كبيرة.

يقول البرغوثي: لم يكن قصدي التخريب، بل كان قصدي وهدفي أن أعرف الآخر، أعرف عدوي وأعرف قدراته. لم أكتفِ بذلك، بل خلال مدة قصيرة استطعت اقتحام شبكة الاتصالات الخلوية الصهيونية، شركة “سيلكم” وشركة “موتورولا” وشركة “أورانج”، وهي شركات عاملة في الكيان الصهيوني المعادي، أما عند سلطة الفساد والإفساد فكان هناك شركة واحدة هي شركة جوال، فاقتحمتها هي الأخرى.

مكنني الاقتحام من السيطرة على المكالمات الواردة والصادرة بشكل كامل، أما المهم فكان سيطرتي على استراق السمع من تلك الأجهزة وهي في حالة سكون، أي أن أستمع لما يجري من حديث في المكان الذي توجد به تلك الأجهزة. بعد ذلك بدأت بإعداد الأدوات الإلكترونية والمواد الكيميائية اللازمة لصناعة العبوات المتفجرة والناسفة بمختلف أنواعها.

“لم أعد أمير الظل بل تاجرا يهمه جمع المال”
ظل عبد الله البرغوثي أشهرا وهو يُعِد لمعركته الأولى، وكتم نيته وطمس كل ما يمكن أن يُحيل إلى الشك به، فواصل عمله بمصنع الفولاذ في القدس، وكان يُعد عدته لحربه بصناعة المتفجرات، وبالتجول بين مدن فلسطينية في الأراضي المحتلة، مستعينا بجواز سفره الأجنبي وإتقانه اللغة الإنجليزية، وكانت غايته في ذلك استطلاع الطرق التي تربط بين مدن فلسطين المحتلة.

عبد الله البرغوثي في واحدة من محاكماته لدى الاحتلال
لم يكتفِ عبد الله عزام بعمله في مصنع الفولاذ بالقدس، بل افتتح متاجر بيع أجهزة إلكترونية في قرى عدة بفلسطين، وتوسعت تجارته لتشمل الميكانيكا والعقارات، وانغمس بذلك في تجارته الجديدة، وبدا أن نار القسم قد بدأت تخفت.

ويصف عبد الله البرغوثي نفسه في تلك الفترة بشيء من تأنيب الضمير، قائلا: لم أعد أمير الظل بل تاجرا يهمه جمع المال. المال الذي لم أكن بحاجة إليه أصلا. لم أعد مهندسا على الطريق، بل مجرد مهندس يسخر نفسه لإنجاح مشاريعه.

في 28 سبتمبر/ أيلول عام 2000، اقتحم رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك “أرييل شارون” المسجد الأقصى، فكانت تلك شرارة الانتفاضة الثانية، وهي شرارة أشعلت نار المقاومة من جديد في صدر البرغوثي.

تحقيق القَسم.. غارة تطلق رحلة الانتقام من الاحتلال
كان عبد الله قد عزم على الاستعانة بابن عمه بلال للبدء في تحقيق القَسَم الذي قطعه على نفسه، كان أول شخص يثق به قبل قراره إجراء تجارب لتفخيخ هاتف جوال، حيث نجح في تفخيخ هاتف نقال ربطه بظهر حمار كان أبناء القرية يسمونه “شارون”، وفجّر البرغوثي الهاتف وتيقن من استعداده لتنفيذ تجاربه في ميدان الاحتلال.

بدأ البرغوثي بتكوين خلايا كتائب عز الدين القسام في جامعة بيرزيت حيث يدرس ابن عمه، واستأجر في سبيل ذلك شققا، لتكون مركز العمليات وملتقى لعناصر الخلايا، واستعان بلوحات سيارات إسرائيلية للتمكن من التنقل بحرية.

كان ابن عم عبد الله البرغوثي وسيطا من أجل تنظيم لقاء يجمعه بقيادات في كتائب عز الدين القسام في الضفة الغربية، وكان أول لقاء مع القيادي أيمن حلاوة، وبدأ بتدريب عسكري لأبناء القرى المحيطة بنابلس.

في 31 يوليو/تموز سنة 2001، استهدف الطيران الإسرائيلي مكتب القيادي في حماس جمال سليم، وسقط ضحية ذلك الاستهداف صحبة القيادي جمال منصور وصحفيين وطفلين كانوا في نفس المبنى، فكانت تلك إشارة البداية.

يقول البرغوثي في مذكراته: لقد تعالت أصوات الحناجر المشیعة لجثامين الشهداء بالثأر والانتقام من العدو، وكانت تلك الحناجر تطالب كتائب عز الدین القسام بالعمليات الاستشهادية.

الشهيدان جمال سليم وجمال منصور
ويعترف البرغوثي أنه كان يخير عمليات المواجهة المسلحة وضرب الكمائن وزرع الألغام والعبوات الناسفة، غير أنه لم يستطع رد طلب أيمن حلاوة باختيار من يقوم بعملية استشهادية، للانتقام من غارة جيش الاحتلال في ذلك العام، وتولى عبد الله البرغوثي التخطيط لتلك العملية.

قيثارة مفخخة.. بداية عمليات الألحان الناسفة
لم يكن تخطيط عبد الله البرغوثي لعمليته الانتقامية عاديا، بل أثار استغراب وغضب ابن عمه وصديقه بلال، فقد طلب منه جلب ست علب من الجعة، ولم يسرّ له عن حاجته بها، وقضى عبد الله البرغوثي ليلته في تجهيز الذخيرة، ودس مواد متفجرة في إحدى العلب التي زرعتها أحلام التميمي -وهي إحدى مقاتلات كتاب عز الدين القسام- في مركز تجاري بأحد شوارع القدس، وكانت الغاية هي اختبار ردة فعل الجيش الإسرائيلي.

وبعد يومين خطّط عبد الله البرغوثي لتجهيز الفدائي الذي سيفجر نفسه. يقول في مذكراته “أمير الظل، مهندس على الطريق”: عاد بلال إلى شقتي فأخبرني بما فعله، وطلبت منه أن يذھب إلى أحد المحلات التجارية لبیع الآلات الموسيقية لیشتري لي قیثارة، حددت له مكان المحل ومكان القيثارة ولونھا وطلبت منه أن یشتري لھا بیتا من الجلد، سألني لماذا قيثارة؟ ماذا تريد أن تفعل بها؟

قلت: أريد أن أعزف عليها فأنا أشعر بالملل. بلال، رغم أنه عنصر قسامي منضبط، إلا أنه كان يُجن من أجوبتي، فهي أجوبة غير مفهومة بالنسبة إليه. تريد قيثارة لتعزف عليها وهناك استشهادي ينتظرنا بالبيت الآخر على أحر من الجمر؟

قضى عبد الله البرغوثي ليلته بتفخيخ القيثارة، وكانت بديلا عن الحزام الناسف الذي ولى زمنه، وحلت محله الألحان الناسفة حسب قوله، وفي اليوم الموالي وصل الاستشهادي الذي سيفجر نفسه إلى مطعم “سبارو” بالقدس، ودخل دون أن يثير الشك حوله، وفجر نفسه وأدت تلك العملية إلى مقتل 15 شخصا وجرح 126 آخرين.

كانت تلك العملية فاتحة لعمليات أخرى، مثل عملية مقهى “مومنت” التي أدت إلى مقتل 11 مستوطنا وجرح 59 آخرين في مارس/ آذار 2002، وعملية “ريشون لتسيون” في جنوب تل أبيب التي تسببت بمقتل 15 إسرائيليا وجرح 60 شخصا، وعملية الجامعة العبرية يوم 31 يوليو/ تموز 2002 التي خلفت 9 قتلى و100 جريح، بعد أن زرع عامل في الدهان عبوة ناسفة داخل الجامعة.

ومنذ عملية “سبارو”، أصبح عبد الله البرغوثي طريدة الأمن الفلسطيني وجيش الاحتلال، ليصبح أمير الظلام الذي يتنقل بهويات مزورة.

كابوس الاحتلال.. ملاحقة أمير الظل المنتقم لرفاق الكفاح
بعد تتالي العمليات التي خطط لها عبد الله البرغوثي، أصبح تحت مجهر جهاز الأمن الوقائي، واعتقل مع ابن عمه بلال، وبدأ رفاقه يسقطون واحدا تلو الآخر بين المعتقلات وصواريخ الاحتلال، وكان عليه أن يواصل المقاومة وحده بعد إطلاق سراحه، فقد اغتيل محمود أبو هنود وأيمن حلاوة القائدان في كتائب عز الدين القسام في أواخر العام 2001.

زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي “أرييل شارون” للمسجد الأقصى
كانت العمليات الثلاث التي خطط لها عبد الله البرغوثي، والتي استهدفت شارعا في القدس به نواد ليلية، في بداية ومنتصف العام 2002، عمليات انتقامية لاغتيال رفاق البرغوثي، ومنذ ذلك الحين أصبح عبد الله البرغوثي الطريدة الأولى لجيش الاحتلال، فكان هدفا لفوهة بندقية أحد جنود الجيش الإسرائيلي التي استقرت في فخذه وكادت تودي بحياته.

قاد عبد الله البرغوثي برنامجا لتدريب شبان فلسطينيين على صناعة العبوات الناسفة وتفكيك السلاح والقنابل اليدوية واستعمالها، وبدأ ينظم المتدربين في شكل خلايا تولت استهداف الجيش المحتل بالعبوات الناسفة في القدس.

بدأت ملامح أمير الظلام تتضح لجيش الاحتلال الإسرائيلي بعد أن أصبح كابوسا لا بد من أن ينتهي، وجنّد الموساد عملاء له لتتبع آثار المهندس الذي كان يتجول مع زوجته وأطفاله الثلاثة بهويات مزورة ويتنقل من شقة إلى أخرى.

وفي صباح يوم 5 مارس/ آذار سنة 2003، قاده مرض ابنته الكبرى إلى أحد المستشفيات، ولم يكن يعلم أن الطريق إلى المستشفى سيقوده هذه المرة إلى قبره الذي سيأويه حيا.

يقول البرغوثي في مذكراته: توجهت إلى المشفى صباحا، وكان علي أيضا مراجعة طبيب العيون، وكنت صحبة تالا ابنتي فقط، لأن المرافقين الذين كانوا يعملون معي أصبحوا مطلوبين للعدو. لم یكن الطبیب المعالج قد حضر على موعده المحدد، وقیل لي إنه سوف يحضر خلال ساعة، ولأنه كان لي موعد مسبق مع صاحب مكتب تأجیر الشقق، فلقد اضطررت إلى أخذ ابنتي معي، وما إن وصلت إلى موقف سیارات بلدية البيرة، ونزلت من السيارة حاملا ابنتي، حتى هاجمني كلبان بوليسيان فرميت ابنتي داخل السيارة وأغلقتها عليها، وقبل أن أتخلص من الكلبين، كانت مجموعة من قوات الاحتلال تحيط بي، وكبلوني وعصبوني واقتادوني إلى معسكر تحقيق عوفر.

“من أنت يا أمير الظل؟”
استمر التحقيق مع عبد الله البرغوثي قرابة 5 أشهر، وتعرض لكل أنواع التعذيب، وصدر حكم عليه بـ67 مؤبدا و5200 عام بالسجن، وظل في زنزانة انفرادية طيلة تسعة أعوام، ولم يستطع رؤية والديه سنين عددا، حتى سمحت له قوات الاحتلال بالخروج من السجن الانفرادي مؤقتا، قبل أن يعود إليه في العام 2015، بعد تصريح له من زنزانته لإحدى الإذاعات المحلية الفلسطينية، دعا فيه كتائب عز الدين القسام إلى عدم التسرع بصفقة تبادل الأسرى.

عبد الله البرغوثي المحكوم عليه بالسجن 67 مؤبدا و5200 عام
في إحدى رسائلها لوالدها الأسير، كتبت لينا عبد الله البرغوثي التي لم تعش معه سوى ثلاث سنوات فقط قبل أسره، “من أنت يا أمير الظل؟ من أنت؟ قالوا عنك جبار قوي لا ترحم، وأنك تملك عقلين لا عقلا واحدا مثل البشر”، كانت تلك رسالة شوق وبحث عن ملامح أب مجهول قطع الأمل بلقاء عائلته، قضى أكثر من عشرين سنة في السجن في انتظار أن يكمل محكومية بـ 5180 سنة الباقية.