جريدة جزائرية تكتب عن آفاق منطقة التبادل الحر مع موريتانيا

تولي الجزائر أهمية بالغة لمنطقة التبادل الحر، حيث تستعد لتجسيدها على أرض الواقع في الفترة القادمة، وفقا لما أمر به رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الذي شدد خلال مجلس الوزراء الأخير على ضرورة الإطلاق الفوري لدراسة معمّقة، تحضيرا لإنشاء منطقة تبادل حر، تساهم في تنويع النشاطات الاقتصادية وخلق حيوية في المنطقة، خاصة على الحدود بين الجزائر وموريتانيا

وتأتي تعليمات رئيس الجمهورية، في وقت قررت الجزائر  استحداث 4 مناطق للتبادل الحر دفعة واحدة بولايات حدودية مع موريتانيا ومالي وتونس، وتقع المناطق المعنية بكل من ولايتي تندوف وتيمياوين (على حدود موريتانيا)، إضافة إلى تينزواتين (بالحدود المالية)، أما طالب العربي فهي على الحدود الشرقية مع تونس.

وتعول الجزائر كثيرا على إنشاء مناطق التبادل الحر مع مالي وموريتانيا وتونس من أجل تمكين العديد من المؤسسات من تصدير المواد غير الاستهلاكية المنتجة محليا، بناء على قائمة تحددها وزارة التجارة، وكذلك تصدير الفائض من الإنتاج الصناعي المحلي مع التصريح الجمركي؛ مما يسهم في تطوير الاقتصاد الوطني ويرفع جاذبية السوق الجزائرية لجلب الاستثمارات الأجنبية، ناهيك على أنها تساهم في القضاء على ظاهرة التهريب.

وتراهن الحكومة الجزائرية على المناطق الحرة الجديدة لتعزيز صادراتها خارج المحروقات، التي يتوقع بلوغها 13 مليار دولار، في رقم غير مسبوق للتجارة الخارجية، وبحسب إحصائيات رسمية قدمها الوزير الأول السابق فان حجم التبادل التجاري مع موريتانيا بلغ نحو 87.3 مليون دولار سنة 2020، (في وقت تعرف المبادلات التجارية بين البلدين وتيرة تصاعدية، خاصة بعد توقيع 26 اتفاقية قطاعية (أغلبها ذات طابع اقتصادي) خلال الدورة 19 للجنة المشتركة الكبرى الجزائرية-الموريتانية للتعاون.

انتعاش في التعاون الجزائري-الموريتاني
يعرف التعاون الجزائري-الموريتاني انتعاشا ملحوظا تترجمه جملة من الآليات المتمثلة في لجنة التشاور السياسي ولجنة المتابعة واللجنة المشتركة الكبرى للتعاون, والتي يسعى من خلالها البلدان إلى تعزيز ما تم تحقيقه لحد الآن. وضمن هذا المسعى, جاءت زيارة الدولة التي قام بها الرئيس الموريتاني, محمد ولد الشيخ الغزواني، إلى الجزائر السنة الماضية, لتعكس مدى متانة العلاقات الثنائية الراسخة, وهي الزيارة التي توجت بالتوقيع على عدة اتفاقيات ومذكرات تعاون تجسد إرادة البلدين في بناء شراكة استراتيجية شاملة.

وتعد الجزائر أحد أهم الشركاء الاقتصاديين للجمهورية الموريتانية, وهو واقع من شأنه أن يتعزز أكثر مستقبلا, استنادا إلى الأرقام التي تشير إلى ارتفاع قيمة الصادرات الجزائرية نحو موريتانيا بـ205 بالمائة خلال الثلاثي الأول من سنة 2021 مقارنة بنفس الفترة من السنة التي سبقتها.

ومن المتوقع أن يحافظ التعاون الاقتصادي بين البلدين على منحناه التصاعدي, خاصة بعد فتح خط تجاري بحري يربط بين البلدين, بأمر من رئيس الجمهورية, عبد المجيد تبون, وكذا إنجاز الطريق الرابط بين تندوف والزويرات, مما يسمح بخلق حركية اقتصادية تساهم في تنمية المناطق الحدودية بين البلدين الشقيقين.

وامتدادا لما سبق ذكره، يشهد التعاون الثنائي في شقه الخاص بمجال الطاقة والمناجم, هو الآخر, ديناميكية إيجابية. فعلاوة على التعاون في مجال الكهرباء والمحادثات القائمة بين شركات البلدين والتي توجت شهر جويلية من سنة 2021 بالتوقيع على مذكرة تفاهم بين سونلغاز والشركة الموريتانية للكهرباء، تجري محادثات حثيثة بين البلدين في قطاع المحروقات والغاز لتطوير مشاريع مشتركة بين الجانبين.

وتوصف آفاق التعاون المتاحة في مجالات الطاقة والمناجم بالمتنوعة والواعدة, حيث أكد وزير الطاقة والمناجم، محمد عرقاب, خلال زيارة العمل التي أداها إلى موريتانيا في جوان المنصرم, الاستعداد التام للطرف الجزائري لإقامة شراكة استراتيجية من شأنها فتح آفاق جديدة على الصعيد الإقليمي من خلال توسيع نشاط المؤسسات الجزائرية إلى البلدان الإفريقية المجاورة ولعب دور فعال في ضمان التزود بالطاقة.

وعلى صعيد مماثل, أبدى مجمع سوناطراك الذي يمتلك خبرة في بناء محطات تحلية مياه البحر، استعداده للتعاون مع الطرف الموريتاني فيما يتصل بالتكنولوجيا أو التكوين أو متابعة المشاريع، ولا يتوقف التعاون بين الجزائر وموريتانيا عند ما سبق ذكره بل يتعداه إلى المشروع الاستراتيجي لوصل الألياف البصرية المحورية العابرة للصحراء, الرامي إلى تطوير الاقتصاد الرقمي الإقليمي والذي يجمع بلدانا أخرى هي التشاد والنيجر ونيجيريا ومالي.

وقال الخبير الاقتصادي هواري تيغرسي أن استحداث مناطق التبادل الحر مهم جدا لحركة الاقتصاد الوطني، خصوصا وان الجزائر تخطط منذ مدة لاقتحام السوق الإفريقية عبر فتح ممرات ومناطق للتبادل الحر، مشيرا في اتصال مع “الاتحاد” إلى أن المنشات القاعدية التي تحاول الحكومة انجازها مهمة لتطوير المنظومة الاقتصادية بصفة عامة، خصوصا في ولايات الجنوب التي تتوفر على تنوع إنتاجي وفير في قطاع الفلاحة وقطاعات أخرى مثل المناجم وعدة قطاعات.

وأضاف تيغرسي بان استحداث منطقة تبادل حر  من شأنها أن تساهم في التقليل من ارتفاع تكاليف النقل وتساهم في رفع المبادلات التجارية، كاشفا بأنها قاربت 16 بالمائة بين الدول الإفريقية على عكس دول أسيا وأوربا التي تفوق ما نسبته 60 بالمئة، مؤكدا بأنه وللاستفادة من كامل مميزات منطقة التجارة الحرة، لا بد من ضبط النصوص القانونية والتنظيمية، خاصة المتعلقة بالجمارك وتذليل العراقيل الإدارية، إلى جانب أهمية تسيير الملف وفقا لأسس اقتصادية، بدل التسيير البيروقراطي، مع ضرورة رقمنة المعاملات وتأهيل قطاع البنوك والضرائب، مشددا على ضرورة عدم إغفال آليات تطوير البعد التسويقي للمنتج المحلي، كالاهتمام بالتعليب، بوصفه اليوم تحديّا عالميا في التبادلات الدولية، والاعتماد على دراسة الأسواق بوضع خطط لاقتحامها وإشراك المختصين، مع تفعيل دور الدبلوماسية الاقتصادية على مستوى السفارات والقنصليات بالخارج.

وفي السياق، ثمن تيغرسي مساعي الحكومة لتفعيل الطريق العابر للصحراء، مؤكدا بأن الطريق الرابط بين النيجر ونيجريا يمكن من خلاله الولوج إلى إفريقيا، مشيرا إلى أن هذه الأخيرة لديها إمكانيات خاموية غير مستغلة، مشددا على ضرورة تحرير الطاقات الإفريقية وتخفيض التكاليف للتبادلات التجارية، مجددا تأكيده على ضرورة الحرص على الاستفادة من المنتجات الإفريقية،، حيث قال” يجب تحرير الاستثمار الإفريقي في المراحل القادمة، خصوصا وأن موقع الجزائر الاستراتيجي يحفزها لان تكون ممرا مهما مع دول افريقية، يسمح بانتقال السلع والخدمات إضافة إلى توريد السلع الخام وتشجيع التجارة البينية.

 

 

المصدر: جريدة الاتحاد الجزائرية