خبير قانوني: ما يجري في غزة لم يشهده العالم من الحرب العالمية الثانية

قال المحامي والأستاذ الجامعي المبرز محمد محمود ولد محمد صالح إن حجم انتهاكات القانون الدولي الإنساني الواقع في قطاع غزة لم يشهده العالم منذ الحرب العالمية الثانية، مردفا أن الجرائم المرتكبة فيه يمكن وصفها بأنها إبادة جماعية (أي "جريمة الجرائم") بمعنى المادة: 6 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

وذكر ولد محمد صالح في مقال له تحت عنوان: "الحرب على غزة أو غرق سفينة القانون الدولي"، أن عمليات القصف العشوائي الذي اتسم بعنف وكثافة غير مسبوقين منذ نهاية الحرب العالمية الثانية خلفت حتى الآن أكثر من 23.000 من القتلى وأكثر من 57.000 من الجرحى، أكثر من 70% منهم من النساء والأطفال. يضاف إلى ذلك آثار الحصار على القطاع كله المحروم اليوم من الماء والكهرباء والغذاء والدواء.

وأضاف ولد محمد صالح أن ذلك ينضاف إلى "التهجير القسري لمليونين من سكان غزة "يساقون مثل الماشية بأوامر القوات الإسرائيلية من جزء من غزة إلى آخر، ثم إلى جزء ثالث. وكمؤشر على حجم الدمار، فإن حوالي 80% من المباني لم تعد صالحة للسكن".

 

ورأى ولد محمد صالح أنه بعد أن أُطلق على قطاع غزة اسم "السجن المفتوح"، أصبحت غزة الآن تمثل "الجحيم على الأرض" (المصطلح الذي استخدمته الأمم المتحدة) بالنسبة للسكان المدنيين الذين تَحلُمُ إسرائيل بطردهم إلى سيناء المصرية، من منظور "الحل النهائي".

 

واعتبر ولد محمد صالح أنه لا يحتاج المرء إلى أن يكون رجل قانون ليرى بأم عينه أن هذه الحرب التي تقام تكرارا على غزة، هي بلا شك اليوم الأكثر تدميراً، تشبه سابقاتها عموما ولكن مع مستوى أعلى من الفظائع الرهيبة، ويتم تنفيذها في انتهاك متواز لقواعد القانون الإنساني الدولي - الذي يصنف الهجمات ضد المدنيين على أنها جرائم حرب، وعندما تكون منهجية وشاملة، تصنف بأنها جرائم ضد الإنسانية - كما تشكل خرقا للقانون الدولي لحقوق الإنسان الذي يفرض على الدول أن تحترم، في جميع الظروف بعض ما يسمى اصطلاحا بالحقوق غير القابلة للانتقاص منها.

 

ورأى ولد محمد صالح أنه رغم كل ما عرفته هذه الحرب، فإن ذلك لم يمنع الولايات المتحدة من استخدام حق النقض ضد قرار في مجلس الأمن يأمر بوقف إطلاق النار، وبالتالي دفن مبدأ "مسؤولية الحماية" المجمع عليه والذي اعتمدته الأمم المتحدة في عام 1995.

 

وشدد ولد محمد صالح على أن التباين الحاصل في تعاطي الدول الغربية مع هذا الصراع وتعاطيها مع النزاع الروسي الأوكراني لافت للنظر. فبالنسبة لهذا النزاع الأخير، تعرضت اتحادية روسيا بسرعة فائقة لسلسلة من العقوبات، كل منها أقسى من أختها، من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي. بل إن المدعي العام لدى المحكمة الجنائية الدولية ذهب إلى حد إصدار مذكرة اعتقال بحق الرئيس بوتين على الرغم من أن أياً من البلدين [روسيا وأوكرانيا] لم يصادق على نظام روما الأساسي.

 

وأضاف ولد محمد صالح أنه في حالة المجازر التي تعرض لها السكان المدنيون الفلسطينيون، فإن الأكثر شجاعة هم أولئك الذين يجرؤون على التذكير بأن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها لا بد أن "يحترم القانون الإنساني الدولي" أو يدعون إلى هدنة إنسانية. مشيرا إلى أن فعل "يُدِينُ"، كما لاحظت آن سيسيل ـ روبر  (Anne Cécile -Robert)، محظور في اللغة الدبلوماسية، فيما يتعلق بإسرائيل. أما المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، فهو لا يبدي أي حماس لإجراء مجرد بداية تحقيق على الرغم من المعلومات المثيرة للقلق التي قدمت له من قبل أكثر من 150 من المنظمات غير الحكومية والجمعيات حول جرائم خطيرة للغاية ارتكبت على أراضي دولة فلسطين التي هي طرف في نظام روما الأساسي.

 

وشدد ولد محمد صالح على أنه من الضروري أن يجري تحقيق حول الجرائم التي لا يمكن أن تبقى دون عقاب، والتي ارتكبت منذ 7 أكتوبر 2023، ومحاكمة مرتكبيها والمتواطئين معهم أمام المحكمة الجنائية الدولية، أو - حتى لو بدا ذلك أمرا غير مرجح - محاكمتهم أمام محكمة جنائية دولية خاصة لهذا الغرض. ويجب بداهة أن يتمكن الفلسطينيون - بعد ما عانوه من محن ونكبات ومظالم كبري - من ممارسة حقهم في العيش في دولة مستقلة داخل حدود معترف بها دوليا وفقا لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بهذا الشأن.

 

ورأى ولد محمد أن ذلك لن يكون ممكنا إلا إذا حدث تغيير حقيقي في موقف الغرب تجاه إسرائيل التي يجب أن تخضع لنفس القواعد التي تُطَبّقُ على دول العالم حتى لا تستفيد بعد الآن من "عدم المساءلة" بسبب ما يعانيه الغرب من شعور بالذنب لا يعقل أن يدفع الفلسطينيون ثمنه ومقابله، لكونهم لا دخل لهم فيه أصلا وهم ضحيته اليوم.