انتخابات مايو 2023 والإستحقاقات المؤجلة .. هل وفت السلطة بوعودها لجمهور السياسيين ؟

"لن نقصى أي طرف.. من لم يجد ذاته فى المشهد الإنتخابى سيجدها فى ميادين أخرى" .. "لدينا الحزب والحكومة والمناصب العليا، ندير البلد بتوازن ونعمل من أجل ضمان حضور كل الأطراف الداعمة". و "من أراد أن يظل إلى جانبنا فمكانته محفوظة، والبلد يسع الجميع دون تمييز".

كانت تلك العبارات الأكثر تداولا على ألسنة السياسيين الداعمين لرئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزوانى خلال الأسابيع المحضرة للحملات الدعائية، وأثناء أسابيع الحسم خلال الانتخابات البلدية والتشريعية.

رسائل شارك فى نقلها رئيس حزب الإنصاف الحاكم المهندس ماء العينين ولد أييه، وكبار المسؤولين فى حزبه، وتوجت بإعلان مباشر من الوزير الأول محمد ولد بلال، وعليها أكد بعض مستشارى الرئيس، وحملت صيغة الوعد والإلزام فى أكثر من مناسبة، وكانت بمثابة الجزرة التى استعملها النظام لملمة شتات حزبه، وكان عكسها بمثابة العصي التى يخاف منها أي مسؤول راغب فى التعيين والحضور .. لكن هل كانت النتائج بحجم المتوقع؟ أم خيبة بعض الأطراف فاقمها الحضور الطاغى لبعض الذين حصدوا مراكز انتخابية فى المشهد التنفيذى والإداري لاحقا؟ وهل كان أصحاب هذه الوعود ينطلقون من تفويض مسبق من صاحب القرار أم كانوا باعة وهم للجمهور فقط؟

لم يكترث بعض السياسيين بمثل لة .. هل وفت السلطة بوعودها لجمهور السياسيين؟

 هذه الوعود، وقرروا دخول العملية السياسية بغض النظر عن موقف الحزب الحاكم، ففرضوا أنفسهم كفاعلين فى المشهد لاحقا، وكانت مقاطعة "أطويل" و"كوبنى" و"أوجفت" و"ودان"، و"نواذيبو" و"ألاك" و"كيفه" و"كرو" و"تيمزين"...  ميدانا للمعارك الناجمة عن خلافات فرقاء الحزب الحاكم، ونجحت القوى الممسكة بزمام الأمور على الميدان من فرض أجندتها، بعدما أتهمت أصحاب استغلال النفوذ بتجيير قرارات الحزب لصالح الأقارب والحلفاء.

ولعل بلدية تيمزين فى الحوض الغربى كانت أبرز نموذج على استغلال النفوذ غير المدعوم بفعل على الأرض، ليجد الحزب الحاكم نفسه فى المرتبة الخامسة فى بلدية ريفية يفترض فيها تدنى مستوى الوعي ، كما كانت مقاطعة أطويل فى الحوض الغربى ذاته كاشفة عن أحقية نائبها بالطموح الذي عبر عنه، والحراك الشعبى الذي قاد، حيث انتزع المقاطعة الوليدة فى الشوط الثانى من أحد أقدم المنتخبين بالمنطقة، بينما لم يدخل مرشح الحزب الحاكم فى الخيارات المتاحة أمام الناخبين، بعدما حل فى المركز الثالث، فى صفعة أظهرت صعوبة العبث بتوازنات الريف العابرة للأحكام.

وفى ألاك سقط مرشح الحزب الحاكم ومعه سقط تهديد الوزير الأول من عقر دار حليفه فى الحكومة وغريمه فى السياسة لاحقا (محمد ولد أسويدات)، ليتمتع الأخير لاحقا بمرشحه وهو يخاطب الجموع من موقع العمدة فى آخر زيارة لرئيس الجمهورية، قبل أن يقرر الرئيس إعادة الإعتبار للوزير الذى أطاحت به إكراهات الحملة وصراع الأقران، وأعادته ثقة الشارع وحسن التحالفات الجهوية إلى الواجهة من جديد، وعبر الرئاسة الموريتانية هذه المرة (مستشار لرئيس الجمهورية).

فى ولاته أختارت  عدة أطراف وازنة السير فى ركاب حزب الإنصاف الحاكم، وبالفعل أنقذت المشهد بعد أن كاد حزب الإصلاح أن يقلب طاولة اللعبة السياسية على كل الفاعلين المحليين، عبر مرشحه الحالم بفرض التغيير، رغم ضيق ذات اليد والإقالة من المناصب الحكومية خلال العشرية الماضية.

لكن انضباط الأطراف المذكورة لم تحصد منه سوى التهميش أو هكذا تقول معطيات الواقع بعد حوالي سبعة أشهر من إعلان النتائج.

ولم تراجع الأطراف المحلية واقع اللعبة السياسية ببلدية الباطن الوليدة (أكبر بلدية بمقاطعة ولاته)، رغم النتائج التى أظهرت ضعف المنظومة التقليدية، وصعود نجم بعض النخب الشبابية، حيث حل أحد الأطباء الشباب فى المركز الثانى بفارق ضئيل عن مرشح الحزب الحاكم، المدعوم من مجمل قبائل البلدية وفاعليها، وأفتك حزب تواصل المعارض نسبة مقدرة من أصوات الناخبين لأول مرة بمناطق آوكار، مستفيدا من الانقسام الإجتماعى بالمنطقة وتجاهل مكون كبير من قبل السلطة الحاكمة فى موريتانيا.

وفى أنبيكه بولاية تكانت أختار عمدة البلدية وحلفه السير جنب الحائط كما يقال، والقبول بالعرض الذى قدمه وفد الحزب الحاكم، وتحمل المسؤولية وإلغاء عصى المنافسة الجدية، وأعلن العمدة أحمد ولد أحمد بده لجم طموح أنصاره وداعميه، وقرر عدم الترشح من خارج الحزب الحاكم، وأنتهى به المطاف فى مزرعته ينتظر وعدا من أصحاب القرار، تختفى ملامحه مع قرب اختفاء بعض مطلقيه من واجهة المشهد التنفيذى، وانشغال البعض الآخر بأولويات وطنية ليس من بينها إنصاف ولد أحمد بده وداعميه،أو لبرفسير يعقوب ولد محمد أسغير ومجموعة الشباب المحيطة به.

 

 

وفى مقاطعة الطينطان قبلت بعض المجموعات القبلية لعبة الحزب الحاكم، ورضت بالتغييب للمرة الثانية من واجهة  المقاطعة لصالح خيارات حزب الإنصاف الحاكم، وجلست تنتظر نتائج موقفها ، دون الاهتمام بجاذبية الخطاب الذي قاده بعض الرافضين لهذا القرار، وخصوصا وزير الداخلية الأسبق محمد غالى ولد أشريف أحمد الذى قرر ساعتها خوض تجربة سياسية جديدة عبر بوابة حزب الإصلاح ، فى محاولة للثورة على التوازنات التى يحاول الحزب الحاكم تثبيتها بالمقاطعة منذ 2018.

نماذج من بين عشرات المواقف التى أفرزتها الإنتخابات الأخيرة، فهل كانت فيها السلطة وفية مع الذين انساقوا لخيار التهدئة والتسليم بالأمر الواقع؟ أم الخيار الأسلم هو ماذهب إليه بعض أصحاب الشعبية والنفوذ من فرض أنفسهم فى المشهد، والتعاطى لاحقا مع صانع القرار، وعدم القبول بالاستضعاف والخروج من المشهد لصالح هذه الجهة المحلية أو تلك، لمجرد أنها تموقع فى الوقت الصواب داخل الجهاز السياسى الحاكم بموريتانيا.

نقلا عنه زهرة شنقيط