انتشر شعار شركة توتال إنرجي الفرنسية على إعلانات كأس الأمم الأفريقية التي تستضيفها ساحل العاج هذا العام (2024)؛ ما أثار حفيظة نشطاء البيئة والمناخ الذين اعتادوا مهاجمة شركات النفط والغاز منذ سنوات طويلة.
في هذا السياق، رصدت وحدة أبحاث الطاقة تقريرًا يتهم شركة النفط والغاز الفرنسية الكبرى بالغسل الأخضر، وتبييض سمعتها، من خلال استغلال اللاعبين والمشجعين في كأس الأمم الأفريقية التي تقام كل عامين.
وحصلت شركة توتال إنرجي على حق الرعاية الرسمية لكأس الأمم الأفريقية في يوليو/تموز 2016 لمدة 8 سنوات، شاملة دعم 10 من مسابقات الاتحاد الأفريقي لكرة القدم.
وبدأ إعلان هذه الرعاية مع بطولة كأس الأمم الأفريقية عام 2017 التي نظّمتها الغابون، و حملت اسم "توتال كأس الأمم الأفريقية"، وهو الاسم نفسه الذي يُرَوَّج في نسخة 2024 بساحل العاج.
استغلال كأس الأمم الأفريقية
عززت توتال إنرجي وجودها في كرة القدم، ليس في أفريقيا فحسب، بل في أميركا اللاتينية أيضًا، إذ تعدّ الراعي لنادي فلامنغو البرازيلي، كما رعت سابقًا بطولة كوبا أميركا.
وتركّز الشركة الفرنسية على كرة القدم الأفريقية بصورة خاصة، إذ توجد بقطاع النفط والغاز في 44 دولة في القارة السمراء، ما يمثّل أكثر من 30% من أعمالها عالميًا.
ويشكك التقرير الصادر عن منظمة السلام الأخضر" Green Peace" في رعاية شركة توتال إنرجي مسابقات كرة القدم الأفريقية، ويراها محاولة لما يسمّيه نشطاء المناخ "الغسل الأخضر" لسمعة وأموال شركات النفط والغاز.
وتعدّ منظمة السلام الأخضر واحدة من أقدم المنظمات البيئية غير الحكومية في أوروبا والعالم، إذ يرجع تاريخ تأسيسها إلى عام 1971، وتمتلك انتشارًا واسعًا في 40 دولة، مع مكتب تنسيق دولي يتخذ من مدينة أمستردام الهولندية مقرًا له، بحسب ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
وتطالب المنظمة بانسحاب الشركة الفرنسية من مشروعات التنقيب الجديدة عن النفط والغاز في أفريقيا للحفاظ على صحة الأفارقة، بدلًا من ضخ الأموال في دعم مسابقات جماهيرية.
وأشارت المنظمة إلى أن كأس الأمم الأفريقية المقامة حاليًا في ساحل العاج، قد تأجّلت لمدة 6 أشهر لأسباب متصلة بتغير المناخ، إذ اضطر المنظّمون لتأجيلها من منتصف 2023 إلى بداية 2024؛ بسبب مخاوف الطقس والفيضانات المحتملة.
مشروعات توتال إنرجي في أفريقيا
تدير توتال إنرجي مشروعين محل جدل بيئي في أوغندا، الأول يحمل اسم تيلينغا "Tilenga"، وهو أحد أكبر المشروعات الرئيسة لإنتاج النفط في البلاد، والثاني إنشاء خط أنابيب شرق أفريقيا (Eacop) لنقل النفط الخام من أوغندا إلى أوروبا عبر تنزانيا، وهو مشروع مشترك تطوّره الشركة الفرنسية مع شركة سينوك الصينية.
وتعرَّض المشروعان لانتقادات بيئية حادة متمثلة في انتهاكات الغذاء والأرض وحقوق الإنسان والمجتمعات المحلية، بحسب تقرير منظمة السلام الأخضر.
كما أعطت وزارة البيئة في جنوب أفريقيا الضوء الأخضر للشركة الفرنسية -مؤخرًا- للتنقيب عن الغاز والنفط قبالة ساحل كيب (Cape Coast).
وتمتلك توتال إنرجي -أيضًا- حصة تصل إلى 34% من حقول إيغينا (Egina) في نيجيريا، التي يبلغ إنتاجها اليومي من النفط نحو 10% من إجمالي إنتاج البلاد.
كما تدير توتال مشروع النفط البحري موهو نورد (Moho Nord) في الكونغو، بحصّة تصل إلى 53.5%، وهو أكبر مشروع لإنتاج النفط في تاريخ البلاد.
على الجانب الآخر، تمتلك الشركة الفرنسية حصة تصل إلى 30% في مشروع النفط البحري كاومبو في أنغولا (Kaombo)، والذي أُطلِقَ في يوليو/تموز 2018.
حجم إنتاج النفط خلال مباراة كرة قدم
ليست كرة القدم مجرد نشاط بدني، بل هي نشاط متجاوز للاختلافات الثقافية والحواجز اللغوية، إلى جانب كونها مصدرًا للترفيه؛ ما يجعلها من الأنشطة المعززة للتآلف والتعارف والوحدة والسلام.
وتحاول شركة توتال إنرجي استغلال الأحداث الرياضية التي يترقّبها الملايين، لتبيض سمعتها وممارسة الغسل الأخضر، عبر تحويل الانتباه بعيدًا عن الأضرار البيئية التي تتسبب فيها للأفارقة والعالم، بحسب منظمة السلام الأخضر.
وما زالت الشركة الفرنسية مستمرة في ضخ استثمارات ضخمة بمشروعات التنقيب عن النفط والغاز، إذ ما يزال 90% من إنفاقها يستهدف ذلك.
وتحقق توتال إنرجي 6 ملايين دولار من استثماراتها في الوقود الأحفوري كل 90 دقيقة، أي ما يعادل وقت كل مباراة قدم يشاهدها الجمهور على مدار شوطين.
كما تنتج صناعة الوقود الأحفوري العالمية كميات من النفط تعادل ملعب كرة قدم، كل 3 ساعات و37 دقيقة، بحسب بيانات رصدتها وحدة أبحاث الطاقة من تقرير المنظمة البيئية.
وتطالب المنظمة بالتوقف عن استغلال صور اللاعبين في عمليات الترويج لشركات النفط والغاز المستمرة بأعمالها الملوثة للبيئة والمهددة لحياة المجتمعات المحلية.
كما تدعو المنظمة مسؤولي الاتحاد الأفريقي لكرة القدم إلى إبعاد شركات النفط والغاز عن رعاية الأحداث والمناسبات الرياضية، حتى لا يفقد الجمهور الثقة في نزاهة القائمين على اللعبة مع الوقت.
انتهاكات توتال إنرجي البيئية
تواجه توتال إنرجي وغيرها من شركات النفط والغاز سلسلة من الدعاوى القضائية المرفوعة من المنظمات البيئية منذ سنوات، لإسهامها في تفاقم أزمة المناخ، ورفض تحمّل المسؤولية عن ذلك.
وتواجه الشركة الفرنسية اتهامات بتجاهل المجتمعات المحلية في أفريقيا، والإضرار بمصادر المياه والهواء والغذاء وسبل العيش للشعوب الأفريقية التي تعاني من الفقر والحرمان.
كما تواجه اتهامات التهوين من التسربات النفطية لمشروعاتها وتأثيرها في المياه بأكثر من دولة، آخرها نيجيريا، إذ أدى تسرب نفطي من أحد حقول النفط التابعة لتوتال إنرجي في إقليم دلتا النيجر إلى تعريض مصادر المياه المحيطة بالحقل والمجتمعات المحلية للخطر.
وحاولت توتال إنرجي التقليل من خطر التسرب بوصفه طفيفًا، وهو ما يُناقَش مع تقييم الوكالة الوطنية لكشف التسربات النفطية "NOSDRA" الذي أكد أن التسرب لم يكن طفيفًا، ما يشير إلى افتقار الشركة للشفافية واستخفافها بحياة البشر، بحسب منظمة السلام الأخضر.
ولم تكن مشروعات الشركة الفرنسية في أفريقيا مدعومة باللوائح البيئية المتراخية فحسب، بل بمعايير حقوق الإنسان الضعيفة -أيضًا-، وهو ما ظهر في مشروعاتها في أوغندا وتنزانيا.
واشتكت بعض المجتمعات المحلية المتضررة من مشروع خط أنابيب شرق أفريقيا، لعدم حصولها على التعويض الكافي نظير التهجير عن أراضيها الواقعة في إطار المشروع، بينما اشتكى آخرون من عدم حصولهم على تعويضات من أساسه.
كما واجهت توتال إنرجي اتهامات بتجاهلها تحذيرات المجتمعات المحلية بشأن وجود سلسلة من المقابر الواقعة على طول خط أنابيب الممتد من أوغندا إلى تنزانيا، حسب التقرير.
نقلا عن منصة الطاقة