قراء في نقاط ضعف المعارضة الموريتانية/ المعلوم أوبك

تعد المعارضة السياسية بمثابة العمود الفقري للديمقراطية، نظرا لدورها المحوري والفعال في الحياة السياسية للدولة، فوجودها ضرورة ملحة لضمان مراقبة السلطة وللحيلولة دون طغيان الحكومة واستبدادها، ولتكريس التنوع السياسي كمظهر من مظاهر التعددية السياسية، ومحاولة القضاء عليها أو إضعافها عملية مدمرة للنظام نفسه، وخطر على مستقبل البلد السياسي.
ولعل ما تمر به المعارضة الموريتانية في الوقت الراهن من تحديات كالضعف وفقدان البوصلة والتيه والاختلال يستدعي من الدارسين والمهتمين فحص نقاط الضعف التي تعرقل فاعليتها وتعيق تحولها لمعارضة قوية ضد نظام ولد الغزواني، باعتبار أن فهم مكامن نقاط الضعف خطوة أولى لتحقيق التأثير المرجو ، وفيما يلي استعراض لنقاط ضعف المعارضة الموريتانية :

1 ــ الاختلال البنيوي : تعاني المعارضة الموريتانية الراهنة من اختلال بنيوي على صعيد الأفكار والنظم والهياكل، ففي معظمها مؤسسات وكيانات وتكتلات الشخص الواحد أو الجهة أو العرق الواحد أو الأيديولوجيا الواحدة .
2- غياب مشروع سياسي معارض جدي : فالمعارضة الموريتانية رهينة تأدية أدوارا محددة لها ، مع شكلية المشاريع السياسية لدى الطيف المعارض وعدم واقعيتها ولا أدل على ذلك من وصول قيادات وأحزاب للمعارضة لمناصب قيادية في مؤسسات دستورية كبرى ، ومؤسسات خدمية ، وحتى أعضاء في الحكومة، ولكنهم عجزوا عن تنفيذ أي مشروع غداة وصولهم زمام الحكم والسلطة التنفيذية .
3 ــ افتقاد المعارضة الموريتانية للديمقراطية داخل جدران أحزابها: فالقادة يستبدون بالرئاسة ولا يمارسون انتقال للسلطة بين كوادرها إلا على أساس الثقة والمحسوبية والمصالح الذاتية؛ ولذا فإن فاقد الشيء لا يعطيه، فمن باب أولى أن تحقق المعارضة الموريتانية أولا الديمقراطية الحقيقية داخل أحزابها ثم بعد ذلك، تطالب بالديمقراطية، وشفافية الانتخاب والتصويت والتعيين في المناصب.
4ـــ تشظي المعارضة الموريتانية وتنافرها، واستفحال الانشقاقات داخلها: مما تسبب في ضعفها، وغياب رؤية للتعامل مع الأزمات، فكل صفوف المعارضة منشقة على نفسها، وفي حالة ضعف عام نتج عنه تشتت وانقسام وإجهاد يتزايد مع مرور الوقت؛ فضلا عن الخلافات والتخوينات بين الأطراف المختلفة المشكلة للمعارضة، بل وفي داخل كل طرف، مما جعل المعارضة الموريتانية في أسوأ مراحلها كما الآن، ولم تقتصر أزمة المعارضة الموريتانية في ذلك فقط، بل تعمقت بانعدام الثقة بين أطرافها.
5ــ عجز القوى المعارضة الصاعدة عن ملء الفراغ : فلا مؤسسة زعامة المعارضة ومكتبها استطاعت أن تكون بديلا ولا حلا ، كما عجزت عن التنسيق بين مختلف الأحزاب للعمل على قضايا محددة كالبطالة وتدهور القوة الشرائية للمواطنين مما من شأنه أن يعيد للمعارضة توافقها وتحالفها ضد النظام وسياساته ، ويبني الثقة بين مكوناتها، ويعيد تدريجيا لها الثقة الشعبية.
6ــ غياب القيادة المعارضة : فإلى الآن المعارضة الموريتانية تتحرك بدون رأس، وجسدها مخدر، وبذلك حركيتها وفاعليتها متوقفة ، فلا توجد معارضة فاعلة بدون قيادة فاعلة قادرة على إدارة دفة العمل السياسي المعارض واقتناص الفرص والبحث عن بدائل.
7ــ غياب المعارضة ككيان واضح محدد له برامج وقيادات وتصورات في إدارة الحكم أو الاعتراض على السياسات المنتهجة من طرف نظام ولد الغزواني ، وتحولها لمجرد تسمية لأحزاب مؤسسة المعارضة التي لا وجود لها في الميدان ، ولا على أرض الواقع.
8ــ تململ المعارضة الراهنة وخشيتها من المعارضة الصريحة : وتبخرها تحت قبة البرلمان لضعف التمثيل نتيجة للمناخ السياسي الرديء الذي أعقب انتخابات 2023 البرلمانية والمحلية ، وتفريغ الحياة السياسية مما زاد من فرص القوى الرجعية وسيادتها على الفضاء العام وأضعف القوى المدنية وغيب الحراك السياسي والأفكار والآراء في المجال العام، وبالتالي نضبت الأفكار وتحولت مثلا فضاءات وسائل الاجتماعي لمستنقع قذر السيادة فيه للجهلة ومحدودي الرأي والعقل ،وهو أمر يعد كارثة كبرى، وعند أول منعطف سنجد أنفسنا أمام انكشاف كبير سيفتح الباب على مصراعيه أمام كل شيء محتمل آنذاك، نظرا لغياب معارَضة فعَّالة.
9ـــ غياب مشروع التغيير المعارض : حتى الآن القوى المعارضة الراهنة لا تحمل مشروعا للتغيير، وتكتفي برد الفعل على ما يفعله النظام الذي أصبح الموجه لبوصلتها، فهو من يحدد المبادرات وآليات التعاطي معها.
10 ـــ غياب الحياة السياسية والحزبية : منذ نهج ما يسمونه “التهدئة” ،غابت التنافسية السياسية، وهمشت المعارضة من طرف من يتصدرها، وتحولت إلى منتظر ينتظر من نظام ولد الغزواني أن يبحث عنها وأن يستدعيها للقاءه ، متناسين أنه لا وجود لنظام حكم يبحث عن المعارضة ، بل يجب عليها أن تفرض ذاتها عن طريق العمل على التفاعل مع الشارع وليس التفاعل مع السلطة.
11ــ الاختراق : فهياكل المعارضة وأجهزتها ونخبها ومؤسساتها الحزبية مخترقة بواسطة نظام ولد الغزواني ، الذي زرع رجالاته أنفسهم في كل زاوية قد تكون مثمرة لنشوء معارضة حقيقية.
12ـ احتراق المعارضة : منذ انتهاج المعارضة “التهدئة” مع نظام الغزواني في ظل تصاعد وتأزم أوضاع الموريتانيين ، سقطت من أعين الشعب بسبب صمتها على سوء أوضاعهم، وفقدت المصداقية لدى قطاع عريض من المواطنين ، وبالتالي احترقت ولم تعد تمثل أملا لدي أي مواطن، وفقدت بذلك الفاعلية والحركة والقدرة على التأثير، بل إن رجل الشارع يسأل اليوم ما هو الفرق بين المعارضة والأغلبية ؟
13ــ ضعف تأثير المعارضة على الشارع : بسبب موتها السريري وشللها النصفي ، فلا هدف للمعارضة الراهنة على ما يبدوا سوى المشاركة في الانتخابات فقط ، بدون أن تمتلك برنامج ورؤية ومشروع لموريتانيا التي يريدون عوضا عن نظام ولد الغزواني.
14ــ انعدام امتلاك الأدوات لتحقيق الأهداف: فلأول مرة نجد في موريتانيا معارضة تفشل في أن تخلق حالة نزاع وصراع مستمر مع نظام ولد الغزواني ، بل وصل عجزها لدرجة أنها أصبحت تمدح الجمود القائم” التهدئة” والذي يضرها كمعارضة أكثر من النظام .
15ـــ غياب المعارضة برغبة من نظام ولد الغزواني :حيث يرى نظام ولد الغزواني أن تقليص دور المعارضة في عهده إنجازا سياسيا ، غافلا أنه بغياب المعارضة السياسية ـــ يعيش البلد في ظل نظام شمولي صارم بالرغم من محاولاته التمثيلية للهدوء ، لا يسمح بوجود أي نوع من أنواع المعارضة ــ نظامه أول المتضررين من ذلك ، ولا أدل على ذلك من عجزه عن العثور على منافس قوي في الانتخابات الرئاسية المرتقبة بعد شهور، مما ينبئ بانحراف المشهد السياسي عن المنافسة السياسية وضعف الديمقراطية خلال فترة حكمه.
17ــ تأثر المعارضة بمنهج ولد الغزواني الأمني: فرغم جو “التهدئة “الذي كرسه ولد الغزواني إلا أنه نجح في تسديد ضربات موجعة لها خصوصا لجسم تواصل المتصدر زعامة المعارضة والذي تركه قاعا صفصفا ، وفتته بعد أن ظل قوة سياسية عصية على الدولة العميقة وأجهزتها، ولعل الضربة الموجعة التي وجهها لأكبر قوة معارضة متمثلة في حزب تواصل مثالا صارخا على مجابهته لأي قوة معارضة قوية ومتماسكة قد تتشكل في ظل حكمه.
نقطة البداية في ظل ضعف المعارضة : تكمن في الاستيعاب العميق للواقع السياسي الراهن فبغض النظر عن الظروف الذي تواجهها المعارضة فإنها ملزمة بإدراك أن المنظومة القائمة المتحكمة في السلطة هي ذاتها المنظومة القمعية المعادية للمعارضة منذ الأزل ، حتى وإن حاولت تبديل جلدها ، وأن نظام ولد الغزواني يطمح لتأسيس معارضة على مزاجه وتحت سيطرته ، وهو بالمختصر تدمير الحياة السياسية والقضاء على كل أشكال المعارضة ، تارة بحجة التهدئة وتارة بحجة ميثاق جمهوري ، مما يتطلب من المعارضة الموريتانية نبذ الخلافات وتوحيد الصفوف في ظل الأوضاع المتردية التي تدمر حياة الموريتانيين ، والعمل على إعداد المسرح السياسي على أساس أن ولد الغزواني لن يظل في الحكم أكثر من مأموريتين بنص الدستور.