سيدياو تغازل الدول المنسحبة.. فهل تتراجع عن انسحابها؟

في خطوة لا تخلو من خطب ود، قررت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا اليوم رفع العقوبات عن غينيا كوناكري، وجزءا من العقوبات عن مالي، بعدما قررت أمس السبت في قمتها الاستثنائية بأبوجا، رفعا جزئيا للعقوبات المفروضة من طرفها على النيجر، على خلفية الانقلابات العسكرية التي أطاحت برؤساء مدنيين منتخبين، آخرها حصل نهاية يوليو الماضي في نيامي.
ومن الواضح أن رفع العقوبات، الذي تم دون أن يتحقق أي من شروط سيدياو التي كانت تتمسك بها، كتخلي العسكريين عن السلطة، والإفراج عن الرئيس المعزول محمد بازوم في حالة النيجر مثلا، هدفه محاولة استمالة مالي وبوركينا فاسو والنيجر، للعدول عن الانسحاب الذي أعلنته من المنظمة غرب الإفريقية شهر يناير الماضي.
وينتظر أن يلي الرفع الجزئي للعقوبات الآن، رفع كلي لها لاحقا، إذا ما تفاعلت هذه البلدان مع الحوار مع المنظمة، وقررت التراجع عن الانسحاب منها.
لقد كان إعلان هذه الدول الانسحاب جماعيا من سيدياو، والخوف من أن تسلك غينيا كوناكري ذات المسار، خطوة فعالة، أرغمت المجموعة غرب الإفريقية على التراجع عن عقوباتها، وجعلت تماسكها على المحك.
كما أن الخطوة ستشكل فرصة لسيدياو لاحقا لمراجعة نهجها تجاه العقوبات التي تتخذها إزاء الانقلابات العسكرية، فالعقوبات الاقتصادية كثيرا ما يكون وقعها أكبر على شعوب المنطقة منه على العسكريين الانقلابيين، ولم يسبق لها أن أثنت عسكريين عن انقلابهم.
فضلا عن ذلك، فإن إجراءات سيدياو اتسمت إزاء انقلابات مالي وبوركينا فاسو والنيجر وغينيا كوناكري، بتباين واضح حيث تراوحت بين عقوبات مغلظة وأخرى مخففة، وهذا اعتبره البعض مؤشرا على التحكم الخارجي في قرارات المنظمة، وأن ثمة أطرافا معينة هي التي تحركها حسب قربها أو بعدها من الدولة التي حصل فيها انقلاب عسكري.
ويبقى الآن منتظرا ما إذا كانت النيجر وباقي الدول ستستقبل رسالة سيدياو بإيجابية وتنخرط في مسار جديد يبعدها عن شبح العقوبات، وتكون بذلك خطوة الانسحاب التي أعلنت عنها، تكتيكية فقط وليست استراتيجية.
أم أنها ستعتبر الأمر مجرد مكسب من مكاسب أخرى يمكن تحقيقها بخطوة الانسحاب، وتمضي قدما في عدم التراجع عن القرار، وهذا السيناريو قد يكون أكثر جماهيرية في هذه البلدان، لأن قادتها ربطوا الانسحاب بالسيادة، واتهموا سيدياو بعدم الاستقلالية في الرأي وبأنها – ضمنيا – تابعة لفرنسا، التي شكلت أصلا معاداتهم لها باعتبارها مستعمرا جديدا قديما، سببا للانقلابات.
إن انسحاب مالي والنيجر وبوركينا فاسو من سيدياو، ومن قبلها من مجموعة دول الساحل الخمس، وإعلانها تأسيس تحالف ثلاثي جديد، تعد خطوات من ضمن مشروع موسع، هدفه البقاء في السلطة لفترة أطول، ولذلك أجل عسكريو باماكا الانتخابات إلى أجل غير مسمى، وأكد نظراؤهم في واغادوغو أن الانتخابات ليست أولوية، فيما لم يحدد العسكريون بنيامي موعدا للاستحقاقات.
وبالتالي فإن أي تراجع لهؤلاء عن المضي في تحقيق التكامل الثلاثي اقتصاديا وأمنيا وسياسيا، تحت يافطة السيادة، سيفقدهم تدريجيا الثقة الشعبية، وهو ما سيكون بمثابة عامل إنذار لزوال أحكامهم، لأنه سيقود في النهاية إلى غضب شعبي، وقد يقود ذلك إلى إسقاطهم ربما عن طريق عسكريين آخرين.
ويبقى بصيص الأمل الوحيد الذي قد يبرر به قادة الدول المنسحبة قرار عودتهم لسيدياو – في حال قرروا العودة – هو أنهم عادوا من أجل “إصلاح المنظمة” وإعادتها إلى “جادة الصواب” كما أرادها المؤسسون قبل زهاء 5 عقود.
وفي كل الأحوال ومع طول الوقت – وقد بدأ يطول فعلا – ستكتشف شعوب المنطقة، أن عسكرييها الحاكمين لم يكونوا أفضل من المدنيين، وأن المختلف فقط هو الشعارات، والمسوغات، وأنه لم تحصل أي تغييرات جوهرية، تبرر الانقلابات العسكرية على الأنظمة المدنية.