أعلن حزب تواصل، بعد طول انتظار، ترشيح رئيسه امادي ولد سيدي المختار في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهو قرار ينطوي على تحديات جمة، وربما تكون قد دفعت إليه إكراهات سياسية، ومرحلة حرجة يمر بها أكبر أحزاب المعارضة.
وإلى عهد قريب لم يكن الحديث عن مفاهيم مثل الانضباط الحزبي في تواصل، وحلوله في المركز الثالث أحرى الرابع في أي انتخابات.. مطروحة.
لكن سفينة التغيير الذي حصل في البلد قبل خمس سنوات جرت بما لا يشتهيه قطب رحى القوى الوطنية الرافضة لسيرك الأنظمة المتعاقبة منذ 20 عاما..
تاريخ منتصر
استطاع حزب تواصل، المنبثق عن التيار الإسلامي الموريتاني، بعد حصوله على الترخيص الرسمي سنة 2007، إزاحة أغلب القوى السياسية التقليدية.. وتربع على عرش المعارضة.. واستحوذ - تقريبا - على تمثيلها الرسمي.. وكان المشارك شبه الوحيد للنظام في بلديات الداخل، وبعض بلديات نواكشوط، فضلا عن تمثيل معتبر في البرلمان، وهو ما أدخل الحزب والتيار في منطقة راحة أمنية وسياسية، وفتح مصراعيه أمام أخلاط وطنية أيديولوجية وتقليدية.. فكسب بذلك انتفاخا شعبيا، وتمددا يرى بعض المراقبين أنه أفقده عنصر القوة الصلبة فيه، وأخضعه لمنطق "الأغلبية الشعبوية".. ما أظهر فتورا في العلاقات بين مكوناته.. زادها تفاحشا انتهاء مأموريتي رجل تواصل المحنك وقائده التاريخي محمد جميل منصور.. إضافة إلى تسلم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، المتدين الهادئ، للسلطة.
نذر التشرذم
في خضم إعادة تموضع الساحة السياسية سنة 2019 ومع ترشح الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني، شهد حزب تواصل هجرة منسقة قادها أعضاء فاعلون في الحزب، سياسيا وماليا أطلقوا على أنفسهم اسم "تيار راشدون"، بقيادة الإمام والداعية الشهير عمر الفتح.. لكنها لم تكن سوى رأس جبل الجليد.. حيث تبعتها انسحابات معلنة وغير معلنة، وتجميد للعضوية من قبل أغلب قادة الصف الأول في الحزب، ورغم ذلك يؤكد الحزب على إرثه المؤسسي وأعرافه التي لا تلقي بالا للمنسحبين، زرافات ووحدانا.
دخل الحزب أول اختبار له في الانتخابات البرلمانية والمحلية السابقة، ورغم محافظته على كتلة برلمانية وعدة عمد وعشرات المستشارين.. إلا أنه مُني بهزيمة ساحقة أدت إلى تسليمه جميع معاقله في نواكشوط، بما فيها البلدية الأكبر ديمغرافيا التي أدارها الحزب منذ زهاء عقدين في مقاطعة عرفات، كما خسر تواصل أغلب نواب دوائر الداخل.
الرئاسة.. تحدٍّ أم اختبار؟
في ظل غياب القادة السياسيين التاريخيين لتيار تواصل، وشبه إجماع من الطبقة السياسية على صعوبة وجود منافسة جادة مع الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني، قرر حزب تواصل الدفع برئيسه للمنصب الأعلى في الجمهورية، حاسما بذلك الجدل حول خيار الحزب في الاستحقاق من دعم خارجي، أو ترشيح داخلي.. أو مقاطعة!
وبحسب مراقبين، فإن ترشيح الحزب لن يكون فاعلا في النتائج رغم دوره المتوقع من الناحيتين السياسية والإعلامية، فالمرشح زعيم المعارضة الرسمي.. والحزب أكبر أحزاب المعارضة، وأكثرها مصداقية، ويتمتع بحضور إعلامي مؤثر في الإعلامين؛ القديم والجديد.. وهي أمور ستمنح الحيوية المطلوبة لأي حملة انتخابية على مستوى رئاسة الجمهورية.. غير أن الحزب في قرارة نفسه لا يمني نفسه بالفوز بالرئاسة!
يعتقد المحللون أن حزب تواصل اضطُر لإعلان رئيسه مرشحا للرئاسة لأسباب عدة، لعل أبرزها.. الحفاظ على تماسك الحزب، وطمأنة القاعدة الأيديولوجية، فضلا عن غياب مرشح معارض مقنع يمكن أن يلتف الجميع حوله للمنافسة الجادة على منصب الرئاسة.. كما لا يستبعد البعض أن يكون الترشح بالون اختبار لمعرفة قدرة الحزب على السير في اتجاه عدم الاكتراث بكل المنسحبين، أم أن نتائج الانتخابات قد تضطره للتراجع خطوة إلى الوراء وإعادة تأسيسه من جديد؟
أخيرا.. يخوض تواصل ثاني حملة رئاسية له (منه وإليه) غير أن 2009 التي رشح فيها رئيسه الأسبق محمد جميل منصور لا تشبه 2024 في شيء.. فـ"عقول تواصل المدبرة" قد آذنته بانصرام.. والطبقة السياسية المعارضة في حالة تخلّق جديد لم يتبيّن جِيله بعد، وتفتقر للتجربة، والرمزية والخطاب المقنع.. وهي تنافس رئيس جمهورية استطاع خلال خمس سنوات أن يرسي تهدئة سياسية، وحوارا وطنيا جامعا فتّ في عضد المعارضة، وعلى رأسها تواصل، وأظهر حاجتها الشديدة لتغيير الآلية، وتجربة النضال السلمي الديمقراطي، بعيدا عن هراوات الشرطة ومخافر التحقيق ولافتات المظلومية.
نقلا عن وكالة الوئام الوطني للأنباء