يرى غالبية المستهلكين في العالم العربي السلع المستوردة من الخارج أفضل من تلك المحلية مبدئيا، في ظاهرة سمتها مجتمعات عربية "عقدة الخواجة".
وعملت شركات غربية عديدة على ربط المستهلك في الأسواق غير المصنعة بعلامتها التجارية عن طريق تقديم منتجاتها بجودة عالية وبفئة سعرية عالية خلال عشرات السنين، وهذا ما جعل علامتها التجارية تمثل في عقل المستهلكين رمزا للجودة العالية.
"المستورد أفضل"
تقول ياسمين إبراهيم، ربة منزل مصرية، إنها تفضل السلع المستوردة لأنها تكون أجود من السلع المحلية في التصنيع ولو كانت أعلى سعرا بنسبة معقولة لأنها في النهاية تستخدم لفترة أطول من السلع المحلية وبالتالي تكون في نهاية المطاف أرخص.
وتضيف أن السلع المحلية تكون أعلى سعرا من تلك المستوردة في كثير من الأحيان.
وبلغ عجز الميزان التجاري لمصر 36.9 مليار دولار العام الماضي انخفاضا من 48 مليار دولار في 2022، وفق ما ذكر وزير التجارة والصناعة، أحمد سمير في بيان صدر في وقت سابق من العام الحالي.
ولم يختلف الحال في المغرب كثيرا؛ إذ بلغ العجز في الميزان التجاري 286.4 مليار درهم (28.77 مليار دولار) خلال عام 2023، مقابل 308.8 مليار درهم (31 مليار دولار)، خلال عام 2022، وفق بيانات مكتب الصرف (حكومي).
ويقول أمين عام اتحاد الغرف التجارية العربية، الدكتور خالد حنفي إن ثمة طلبا عربيا كبيرا على السلع المستوردة نتيجة عدم توفر قدر معتبر من السلع من إنتاج عربي.
ويضيف في حديث للجزيرة نت أن الدول العربية تنقسم إلى مجموعات :
دول المستوردة الصافية التي لا تنتج.
دول دخلت مجالات الإنتاج إلى درجة أن السوق المحلية صارت تستوعب نسبة كبيرة من منتجاتها بل وبدأت في التصدير إلى أسواق خارجية.
دول عربية ما زالت تبحث عن هوية إنتاجية.
ويلفت حنفي إلى أن ثمة مستهلكين عرب يفضلون شراء المنتجات المحلية إذا كانت بقدر جودة المنتجات الأجنبية، في مقابل مستهلكين آخرين يقبلون على السلع المستوردة ذات العلامات التجارية الشهيرة بغرض التباهي والتظاهر وإثبات الثراء أو التظاهر به.
من جهته يقول الخبير الاقتصادي شريف فهمي في تعليق للجزيرة نت إن "المستهلك العربي يرى في الغالب أن السلع المستوردة هي أجود من تلك المحلية، في حال كانت تصنع محليا، وفي بعض الأحيان يميل المزاج الاستهلاكي لدى نسبة معتبرة من الشرائح العليا لا سيما في دول مجلس التعاون الخليجي إلى السلع ذات العلامات التجارية لتصنيع السلع الفاخرة".
وأشار شريف فهمي إلى أن ثمة عوامل تزيد الاستيراد في دول عربية مقارنة بدول عربية أخرى، وهذا يعود للأسباب الآتية :
التعريفات الجمركية : يؤدي انخفاض التعريفات الجمركية إلى زيادة الاستيراد من الخارج مع ميل المزاج العربي إلى السلع المستوردة وضعف المنافسة من المنتج المحلي في حالة الدول العربية المنتجة، أو عدم وجود منافسة أساسا في حالة الدول غير المنتجة.
القوة الشرائية : تزداد القوة الشرائية للعملات الخليجية على سبيل المثال فيزيد الاستيراد من الخارج مقارنة مع دول مثل مصر وتونس والجزائر والسودان، وغيرها.
بالإضافة إلى ذلك يؤدي ارتفاع مستوى الدخول إلى إحداث فارق في الاستهلاك والتفضيلات المحلية فالسلع الفارهة لا تباع إلا لذوي الدخول العليا في الغالب.
إلا أن فهمي يرى أن مصنعي المنتجات في العالم العربي صاروا يهتمون بجودة ما ينتجون بعد اتفاقات التجارة الحرة بين بلدان العالم العربية ليجدوا طريقهم في بعض المجالات إلى منافسة السلع الأجنبية الفاخرة.
توطين الصناعة
لا يمكن القول إن دولة عربية وصلت إلى توطين كامل للصناعات، وفق قول أمين عام اتحاد الغرف التجارية العربية خالد حنفي الذي يؤكّد أن ثمة نجاحات في مناطق متفرقة من العالم العربي مثل نجاح المغرب في توطين صناعة السيارات بنسبة 70%.
وقال إن ثمة تطورا بالصناعات الغذائية في دول الخليج العربية، كما أن مصر اتجهت إلى الصناعات لا سيما تلك المرتبطة بالرقمنة.
وإجمالا قال حنفي إن التطور في توطين الصناعات في العام العربي ارتبط خلال الفترة الماضية بضخ الاستثمارات، وشجّعت دول عربية على التنسيق مع كتل اقتصادية؛ فمصر والسعودية والإمارات انضمت إلى تكتل بريكس، وهو ما يفتح الطريق أمام حركة تجارية أكبر.
أما شريف فهمي فيقول إن العالم العربي أصبح يسعى إلى توطين الصناعات مع تفاوت نسب النجاح إلى الآن بين بعض البلدان في تعميق المكونات المحلية في صناعات مع نجاح بلدان أخرى في مجالات مغايرة.
ويضيف أن دول مجلس التعاون الخليجي، مع سعيها إلى توطين الصناعات، لم تصل بعد إلى منافسة المنتجات المستوردة في العديد من مجالات التصنيع، في حين تزيد نسبة الصناعات المحلية في دول المغرب العربي ومصر على سبيل المثال، لافتا إلى أن العلامات التجارية الأجنبية صارت تصنّع منتجاتها في بلدان عربية مستفيدة من الحوافز الاستثمارية والأسواق التي صنعت فيها شهرة.
ويعتقد فهمي أن محاولات توطين الصناعة نجحت في مناطق بصورة متفاوتة من حيث المجالات؛ فدول مجلس التعاون الخليجي تركّز على توطين الصناعات التكنولوجية، في حين تسعى مصر إلى تلبية احتياجات سكانها (الثقل السكاني الأكبر في العالم العربي بأكثر من 106 ملايين نسمة) بالتالي تطلق حملات لجذب مصانع الشركات الأجنبية وتشجيع المنتجات المحلية التي تلقى استجابة بصور متفاوتة.
وفي دول المغرب العربي -وفق فهمي- يتفوق المغرب في جذب الاستثمارات وتوطين الصناعات بفعل سياسات التحفيز، مقابل تراجع تونس بسبب الاضطرابات السياسية والصعوبات التي تجدها الشركات الأجنبية في العمل في الجزائر.