كنت مديرا للديوان
(1/4)
(الترشيح وتشكيل الأطقم ) …
مساء الأربعاء الثاني والعشرين من شهر مايو المنصرم وإثر مداولة للمكتب السياسي وبمقترح من رئيس حزب تواصل تمت تَسْمِيّتي مديرا لديوان المرشح الرآسي حمادي سيد المختار أحمد عبدي، أُبْلغتُ بالأمر وأنا داخلُُ لقاعة الاجتماعات في الحزب، تلقيتُ تهاني الزملاء وملاحظاتهم وتعليقاتهم ...
لم أكُ في الحقيقة في البدء راغبا في الأمر ولا متحمسا له، لا تواضعا مني ولا زهدا فربي لم يرزقني ما رزق معظم أهل تواصل من الزهد وحب العمل بعيدا عن الأضواء ونكران الذات، بل إنني في أحايين كثيرة أجدني أكثر ميلا لقول نبيِّ الله يوسف عليه السلام مني لمنهج ومدرسة تواصل التي عليها تربوا وبها يعملون، غير أني ببساطة كنت أدرك أن عمل الديوان يحتاج تفرغا كاملا ويحتاج سفرا غير قاصد خارج العاصمة وكلا الأمرين صعب عليّ في تلك الفترة، على أني لم أكثر المحاجَجَة ورضيت بما قرر أخوتي وبدأت أفكر في ترتيب الأمور ووضع خطة العمل المناسبة لتأدية عملي على أتم وجه وأنا أدعوا الله الذي يعلم أني لم أسْع لهذ المنصب ولم أرغب فيه أن يعينني عليه ويوفقني فيه ...
كان الناس في تواصل يعيشون أجواء فرح مشوب بالحذر والترقب والخوف فقد بثّ الترشيح في قلوبهم أملا كان مفقودا وراحة بال كانت غائبة ، بيدَ أن الأجواء العامة كانت ملبدة بغيوم الخوف والحذر، فحمادي آخر المترشحين، والموارد المالية والبشرية تكاد تكون معدومة، والشائعات والتثبيطات تملآن أو تملؤ ما بين السماء والأرض ، والتشكيك في قدرة الحزب على النهوض من كبوة الانسحابات تسد الأفق، على أن اختيار المهندس حمدي إبراهيم قبل يومين لإدارة الحملة بعث بأمل جديد آخر لأهل تواصل ومحبيه ...
لم يكُ قبول إدارة حملة رئاسياتٍ لحزبٍ تحيطه الشائعات ويتربص به القريب قبل البعيد ولا يمتلك موارد مالية كافية بالنزهة ولا الأمر السهل، لكن من يعرف شخصية المهندس حمدي يفهم ويستوعب أن ذلك ليس بالأمر الغريب عليه فالرجل الخمسيني الإيجابي الصموت الأنيق طبعت جبال الحوض الشامخات الراسيات وأجواء طقسها الصعبة سلوكه بطابع الجد والصرامة فصيّرته قادرا على التعامل مع كل الظروف الصعبة وغير المتوقعة ، وفي مدارس لعيون الابتدائية كما الثانوية عايش الفتى يومها عن قرب كل طبقات وجهات الوطن فتعلم أن يعمل بيسر وسهولة في بيئات متنوعة متعددة مختلطة … لقد اختار الرجل طاقمه بعناية فائقة كما يفعل لاعب شطرنج فقد للتو فرسه وقلعته ومجنونه ويريد الدفع ببعض الجنود لمقدّم المعركة لتحويلهم ملكات في لعبة تحتاج حذرا وحنكة وصبرا وذكاء وخبرة...
لقد كان نواب الرجل الثلاثْ : الحسن ول محمد وآمنة انيانك والمهندس أمباله تكملة وقيمة مضافة أنضجت المشهد ورفعت أسهم الإدارة الجديدة وأمّنتْ للمهندس المحارب ظهره وأعطته رأيا على رأي ونشاطا فوق نشاط ، فول محمد مثلا علمته الحياة على مدى قرابة العقدين من الزمان وهو يقود أكبر بلديات العاصمة نواكشوط أن يستل نفسه وفريقه من الصعاب والمشاكل تماما كما كان يفعل وهو طفل صغير برجليه حين تغوصان في رمال آمشتيل وانويزن الوعرة الصعبة حيث تربى هنالك في مرابع الأهل ، دون أن تُجرح له ساق أو تَتَهتّك له قدم، أما ول أمباله فقد علمته سهول "اتنيبه" الفسيحة الواضحة المعالم أن يكون واضحا في طرحه ثم علمته أجواء مدينة دورتموند الألمانية حيث عاش ردحا من الزمن يختلف إلى الدرس هناك أن يكون قويا في مواقفه وبين سهول تمبدغه وهضاب دورتموند الساحرة وطّنَ الفتى نفسه على الوضوح في الطرح والقوة في الرأي ، وإلى أقصى الجنوب على ضفاف النهر وفي سهول شَمَامة الخصبة حيت رأت الرئيسة آمنة النور لأول مرة وعاشت ترخي جدائلها بين خمائل الزرع وأغصان الشجر ترى بأم عينيها أبواها وهما يرميان الحبَّ فيُصيِّره فالق الحب والنوى سنابل في كل سنبلة مائة حبة، فآمنت أنه ببذل الجهد وربط الصلة برب الأرض والسماء تتغير الأمور وتتبدل الأحوال فإذا الأرض التي كانت خاشعة هامدة قد اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ...
خلال أقل من أسبوع وتحديدا مساء الثلاثاء الثامن والعشرين من شهر مايو جمع المهندس حمدي فريقه مؤذنا ببدء مرحلة لا هزل فيها ولا مراء، لقد أوضح المهمة ببساطة للجميع ... علينا عمل فريق عمليات انتخابية متميز لا ينتظر CENI ولا يحتاجها بل يسبقها ويغلبها ... سنحمي أصواتنا بأنفسنا، علينا عمل فريق إعلامي متميز يَبُزُّ كل الفرق الإعلامية لبقية المترشحين ...يجب أن نستوعب كل المبادرات وكل الداعمين من خارج الحزب وأن نكون جاهزين للتعامل معهم ... علينا تنسيق عمل الداخل وسنقسمه لثلاث منسقيات ... الشمال ، الجنوب ، الشرق، بالإضافة للعاصمة نواكشوط ... إننا نعول على دور النساء والشباب ... ولن ننسى أهل الخارج، يجب أن يشارك الجميع في الحملة وفي نجاحها … ثم سكت قليلا وساد صمت مهيب القاعة حتى قال الناس ليته تكلم .. ليته تكلم، ثم رفع رأسه قليلا وقال : وقبل ذلك كله وبعده علينا جمع الموارد المالية الكافيه لكل هذ الجهد الجهيد ، يجب أن نكون قدوة للجميع وأن نقود عملية تبرع كبيرة وغير مسبوقة بأموالنا
، بسياراتنا ، بأوقاتنا ، بكل ما تحتاجه الحملة منا ..
كانت علامات التصميم والبِشرِ والجد بادية على وجوه جميع أفراد الإدارة الذين حضروا ... لذا قرر المهندس حمدي أنه سيُبْحرُ بعد لحظات بسفينة الإدارة بعد أن اكتمل الطاقم وأزفت ساعة البدء ... بحسب المعلومات التي توفرت لديه لم تكن أحوال الطقس بأحسن أوضاعها ، وليس الوقت بأفضل الأوقات للإبحار لكن الرجل الذي درس علوم البحار وتخصص في تقنيات الملاحة البحرية بالأكاديمية البحرية بمدينة سوسه التونسية قبل حين من الزمان يعتقد أنه قادر اليوم على الإبحار بسفينة الحملة نحو بر الأمان ، وأن التقنيات التي تعلم في المدرجات الجامعية حان وقت تطبيقها على أرض الواقع في تذليل الصعاب التي تعترضه اليوم ….
ألقى نظرة أخيرة فاحصة ثاقبة متوكلة ولوح بيسراه التي تحمل ساعة الكترونية راقية وهو يقول بصوت عال : بسم الله ... بسم الله مجراها ومرساها إن ربي على كل شيء قدير ... إن ربي على كل شيء قدير ...
وتحركت السفينة ....
يتبع بإذن الله ....