شهدت الجلسة العلنية لتنصيب الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني أمس بقصر المؤتمرات المرابطون، كواليس وغرائب، كشفت ضعفا في التنظيم، وعجزا عن الالتزام بأبجديات لبروتوكول، كما أبانت عن استهتار بهيبة القضاء.
اتفاق المنظمين والضيوف على عدم احترام "التوقيت"
لعل من أبرز غرائبيات حفل التنصيب، هو اتفاق منظمي الحفل مع ضيوفه على عدم احترام توقيته المحدد سلفا بموجب مذكرة رسمية أرسلتها وزارة الخارجية إلى جميع السفراء وممثلي البعثات الدبلوماسية بموريتانيا، وقد حددت هذه المذكرة توقيت بداية فعاليات حفل التنصيب بالثامنة صباحا، بينما لم يبدأ الحفل فعليا إلا الواحدة زوالا، ولم يصل عدد من كبار ضيوفه إلا بعد ساعات من الوقت المحدد لبدايته، حيث وصل الرئيس السينغالي باسيرو ديوماي فاي إلى مطار نواكشوط في حدود الحادية عشرة.
"ازريكة" رئيس المجلس الدستوري!!!
لقد كانت تدخلات رئيس المجلس الدستوري جالو مامادو باتيا في عمومها على حساب اللغة العربية، حيث ألقى كلمته الرسمية بلغة المستعمر، ولم تتم ترجمتها على عكس كل مداولات المجلس وقراراته التي تمت ترجمتها، وعمد باتيا بعد ذلك إلى المزج بين الحسانية والعربية في "ازريكه" أغضبت أنصار لغة الدستور، ولم ترض المتحمسين للغة مُولْيير.
بدا رئيس المجلس الدستوري وكأنه يفتتح جلسة عادية من جلسات المجلس، رغم خرقه للمتعارف عليه في افتتاح الجلسات القضائية بعبارة "بسم الله العظيم" كما درجت عليه الهيئات القضائية بموريتانيا، واكتفى ببسم الله، لكن ليس ذلك وحده الغريب في افتتاح الجلسة بل الأكثر غرابة منه أن باتيا استدعى أمينته العامة مباشرة بعد افتتاحه الجلسة لقراءة بيان المجلس قبل أن يعود بطلب من الحضور ويفسح المجال لقراءة آيات من القرآن العظيم قبل أن يعود لبنت دشق، والمعروف أن جلسات المجلس الدستوري لا مكان فيها لتبادل الأدوار، فكان الأولى الافتتاح بالقرآن قبل بدء جلسة المجلس كما هو مسطر في برنامج الحفل الذي بقي حبرا على ورق!!!
اختيار القارئ
يبدو أن قارئ الآيات الكريمات التي افتتح بها المجلس اختارها بعناية، وبدأها بقوله تعالى: "وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلَا تَنقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا ۚ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91) وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ ۚ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ ۚ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ " فكانت محل تعليق، وسال الحبر في قراءة وجوه كبار الشخصيات في المجلس وهو يستمعون إلى التلاوة العطرة.
استحضار جدل المأمورية الثالثة
من غرائبيات حفل التنصيب إثارة رئيس المجلس الدستوري لجدل المأمورية الثالثة حين قال إنه بانتهاء حفل التنصيب سيبدأ البعض في الحديث عن المأمورية الثالثة لرئيس الجمهورية، وأنها ضرورية لإكمال مشاريعه التنموية، وسيواجه هذا الرأي بالرفض البات من طرف المعارضة.
لكن رئيس المجلس لم يضع حلا لعقدة المأمورية الثالثة وإنما اكتفى بالقول إن هنالك هيئات هي المعنية بالحسم في هذا الأمر، في إشارة إلى المجلس الدستوري، فلم تعمد باتيا إثارة الإشكالية دون حسم، ولم رد الأمر كله إلى هيئته ...الأكيد أن وراء الأكمة ما وراءها.
وكما كان افتتاح جلسة المجلس الدستوري الخاصة بالتنصيب غريبا كان اختتامها أغرب حين كرر رئيس المجلس عبارات اختتام الجلسة، وكأنه أحس أنه بحاجة للتكرير حتى يسمع عنه أو له.
التصفيق المنافي لهيبة القضاء
لم تخل جلسة التنصيب من ما ينافي إن نقل يلغي هيبة القضاء، من مثل التصفيق المنافي للوقار، فجلسات الهيئات القضائية لا يصفق فيها، لكن جلسة المجلس الدستوري أمس كانت الاستثناء الذي يصحح القاعدة فقد حفلت بـ"التصفيق"، فما ذكر اسم غزواني أثناء قراءة مداولات المجلس الدستوري إلا وضجت القاعة بالمصفقين، كان ذلك حين ذكر اسمه من بين المرشحين، وأثناء ذكر النتائج.
وكما كان التصفيق في الجلسة خارجا عن المألوف كانت مصافحة الرئيس المنتخب لصاحب المراسيم خارجة عن العرف المعمول به.
النداء على الضيوف...وفوضوية الاستدعاء
بعد انتهاء جلسة المجلس الدستوري بدأ رئيس الجمهورية المنتخب في استقبال التهاني، ولتكون الفوضوية الطابع المميز للحفل لم يتم النداء في مكبر الصوت على الوفود بأسمائها ولم تحترم تراتبيتها البرتوكولية، وإنما جاءت المهنؤون تباعا غفلا من ألقابهم، ما أحدث فوضوية في تقديمهم من قبل الصحفيين الذين ينقلون الحدث حيث اختلطت عليهم أسماء الضيوف وألقابهم، كما استدعي رؤساء وفود أخفض رتبة من من سيدعون بعدهم، فاستدعي رؤساء دول بعد استدعاء وزراء وحتى نواب وزراء، من هؤلاء الرئيس السينغالي والرئيس الغامبي.
فتور مصافحة الرئيس الصحراوي وحرارة مصافحة الوزير المغربي
افتتحت التهاني بالرئيس الصحراوي إبراهيم غالي، لكن مصافحة الرئيس غزواني له كانت فاترة، فيما لم يلتقط معه أي صورة تذكارية، عكس ما كان عليه الأمر مع من أتى بعده من المهنئين، كما كانت مصافحة غزواني لعدد من الضيوف بحرارة شديدة وتبادل أطراف الحديث مع آخرين، ولعل من أكثرهم حرارة مصافحته للرئيس اتشادي ولرئيس الوزراء المغربي.
إهانة وزراء حكومة ولد بلال ...تَجَلَّـدْتُ وَالْمَحْبُوبُ “دَلَّى بـِيَ الْيَـدَا”
رغم كونهم ما زالوا وزراء بقوة القانون إلا أن منظمي الحفل تعمدوا إهانة أعضاء حكومة الوزير الأول محمد ولد بلال بإخفائهم بعيدا عن الأنظار، في ركن خلفي قصي من القاعة، بجانب فرقة الموسيقى العسكرية، لتكون نهايتهم محرقة بعد البداية "المشرقة".
إهانة الوزراء لاحقتهم إلى منازلهم فمن المؤكد أنهم سيتفرجون على حفل التنصيب، لكنهم لن يجدوا صورة منهم على شاشة التلفزيون الرسمي ما سيحرجهم أمام أبنائهم الصغار الذين قد يتساءلون بعفوية "بابا أنت امنين"...حينها لن يجد "بابا الوزير" شيئا أصدق في التعبير عن حالته من قول محمد ولد أحمد يوره:
تَجَلَّـدْتُ وَالْمَحْبُوبُ “دَلَّى بـِيَ الْيَـدَا”
وَمَا عَـادَةُ الْـمُشْتَـاقِ أَنْ يَتَجَلَّـدَا
تلك النهاية المحرقة لوزراء حكومة ولد بلال جديرة بأن يأخذ خلفاؤهم منها العبرة...
فوضوية الدعوات
الفوضوية في التنظيم كشفتها فوضوية الدعوة للحفل، والتي يقول كثيرون إن الزبونية كانت سمتها الغالبة، وكان النتيجة أن الجمهور لم يعكس أهمية الحدث، ومن بين المعلقين من تساءل عن سر حضور "فتيات البوادي" الكثيف في حفل التنصيب، بينما كان لرئيس لجنة الانتخابات السابق محمد فال ولد بلّال عتبه الشعري الكاشف حين قال:
مارت عني شيبانِي عدتْ
ذانَ گاعد يوم التنصيبْ
مانِ مَدْعيلُ، وانَ كنتْ
نحظر حتَّ مُحال انغيبْ