حسب جريدة .."زهرة شنقيط"..الموريتانية خطب مفتي موريتانيا يوم عيد الأضحى صارخا في الرئيس الموريتاني أن يتصدى.."للمد الشيعي"..في موريتانيا، وأن يواجه إيران القائمة على التشيع في بلاده، وقد اخترت هذه التصريحات لتكون مدخل لفكرة طالما أكررها دوما:
أولا: أكثر فئة معزولة عن الواقع الآن هي فئة.."المشايخ"..فلا ثورة الاتصالات تعنيهم، ولا عصر الصورة يفهموه، ولم يشاركوا في التواصل الاجتماعي، ولا لديهم معلومات عن أي صراع سياسي في المنطقة، وأغلب معلوماتهم مستقاه من (ذوي المذهب) تقليداً ونزولاً لآبائهم وأجدادهم الذين نقلوا المذهب حسب (الثقة) وليس حسب (الكفاءة).
ثانياً: طبقاً لعُزلة المشايخ فلو سلمنا أن هناك تشيع حقيقي في موريتانيا -وقد لاحظه المفتي أو مساعديه -فلا يعني أن دولة ما تقف ورائه ، رغم عدم نفي إمكانية ذلك، ولكن الشيوخ أصبحت لديهم قاعدة مشهورة (تشيع يبقى إيران السبب) وكأنه لا يوجد أكثر من 70 مليون شيعي عربي يتحدثون اللغة العربية ولديهم ثقافة عربية وحاضرين بقوة في المجتمع العربي، ويتواصلون مع الموريتانيين في الإنترنت، ولا يقرأ لهم مواطن شنقيطي واحد..
ثالثا: ليس دفاعاً عن إيران ولكن يوجد سؤال مشروع، لو إيران مهتمة بنشر المذهب الشيعي فلماذا لا تنشره بين (سنة إيران) وعددهم ما بين 10 إلى 20 مليون سني؟!...والمَثَل العربي يقول.."الجار أولى بالشُفعة"..هؤلاء أشقائهم في الوطن ونفس المصلحة فطبيعي أن يكونوا هم الأولى (بخير التشيع) كما يزعمون، والمنطق يقول هم الأقرب..
رابعاً: الذي يغري السني في المذهب الشيعي-أو العكس- يعني أن مذهب السنة-أو الشيعة- نفسه ضعيف وعليه إشكالات كبيرة أجبرت هذا المواطن على ترك مذهبه، فلو كان العدد فردي ما اهتم أحد، ولكن المفتي يقول (ظاهرة التشيع) في بلاده، أي العدد كبير، والسؤال المشروع: هل المذهب السني ضعيف، وما هي نقاط ضعفه؟!
خامساً: بعض الشيوخ اعترفوا أن مذاهبهم بحاجة لتجديد؟..فما هي الخطوات التي اتخذوها؟..وما النقاط التي تحتاج مراجعة؟..هل سأل مفتي موريتانيا نفسه ماذا قدم لمذهب السنة كي يوافق العقل والقرآن والعصر الذي يعيش فيه؟
سادساً: أن أي تحذير من انتشار التشيع أو التسنن في المجتمع الإسلامي هو بالأصل عن (نزعة تكفيرية) فلو اعتقد الشيعي أن السني مسلما وسينجو في الآخرة ما همه أن يتسنن فلان وعلان، والعكس صحيح، أي لو اعتقد السني أن الشيعي مسلم وسينجو في الآخرة ما همه أن يتشيع فلان وعلان...ولذلك يوجد سؤال مشروع هل الإسلام دين أم مذهب ضمن مجموعة مذاهب؟
سابعاً: تصريحات مفتي موريتانيا ستضع أي شيعي موريتاني (موضع الشبهة) باعتباره (عميل إيراني) وهذا يعني أن المفتي زرع الفتنة في مجتمعه دون أن يدري، وبالمناسبة: هذا حال معظم الدول الإسلامية التي بها فتنة طائفية الآن ، فشيعة العراق واليمن وسوريا ولبنان والبحرين والسعودية اتهموا أولا بالعمالة لإيران، ومن ثم رُفِع عليهم السلاح ، لذلك سادت فيها القلاقل وأصبح نسيجها الاجتماعي على المحك..
الكويت وعُمان استثناء من ذلك، فالسلطة هناك رشيدة نوعاً ما، وتعطي للنسيج الاجتماعي الداخلي الأولوية القصوى.
ثامناً: لا مفر من قبول الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يدعو لاحترام حرية التدين والانتقال الفكري، واحترام كذلك حرية التعبير، هذا ما سيُجبَر إليه العرب والمسلمين حتما.. لكن للأسف بعد ملايين الضحايا يكتشفوا بعدها أنهم كانوا أغبياء..!
تاسعاً: الشئ المشترك الذي يجمع مذهبي السنة والشيعة هما اثنين (القرآن وحب آل البيت) فلماذا لا يجتمع الطرفان على هذا الشئ وتُعقد الندوات والمؤتمرات في محاولة لتأصيل هذا المشترك الديني؟..في تقديري أن ملف (الصحابة) يظل عقدة بين المذهبين، وفي التراث حل لهذه المعضلة..أن يجري تعريف الصحابي من جديد وفق قواعد قرآنية وعقلية، هذا سيُقرب المسافات أكثر وتذوب الفوارق بالتدريج..
عاشراً: يجب مواجهة الغلاة من كلا المذهبين، فمتطرفي الشيعة لا يقلون سوءا وحماقة عن متطرفي السنة، والشيعي الذي يريد لمذهبه الخير يجب عليه أن يكف ويدعو للبر وحُسن اللسان وصونه عن أي تعرض لصحابي أو لعائشة، هذه موروثات 1400 سنة والتعرض لها صدمة عند المجتمع السني، وللإنصاف فهناك فتاوى شيعية تُحرم ذلك في إيران والعراق..يجب على منصفي السنة استغلالها ونشرها ليعم السلام أو على الأقل يُحجّموا الحرب المذهبية التي تحدث الآن في شبه الجزيرة العربية والهلال الخصيب..
حادي عشر: أكثر من مرة قلت وأكرر أن أي فتنة مذهبية بين السنة والشيعة سيتضرر منها العرب حصرا، إيران محصنة جيدا من الداخل ولديها جيش قوي ، أي لا إيران ولا أمريكا ولا إسرائيل يتضرروا من صراع الديوك الآن بين العرب..بل يستفيدوا بنفوذ أوسع وحضور أنشط في الوجدان..
ثاني عشر: تصريحات المفتي جعلت لإيران نفوذ حقيقي في موريتانيا، حتى لو من باب النفي أو من باب التصدي فنفوذ إيران حضر طبقا لقواعد النفي إثبات، والانشغال ضعف، فلا الرجل قدم أدلة على كلامه ولا القانون الدولي يمنع حرية التدين أو الانتقال من مذهب لآخر..حتى من كان له ميل للشيعة في موريتانيا ووجد هذا التهديد دون أي أدلة مقنعة سيُعزز على الفور قناعاته أنه اتخذ القرار السليم..
ثالث عشر: سبق للسودان أن فعلت نفس الأمر والسؤال المشروع: إذا كانت إيران تنشر التشيع في الخليج والعراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين ومصر وموريتانيا والسودان والسنغال والأردن والصومال وجيبوتي وغانا ونيجيريا واريتريا وقطاع غزة..فأي دولة هذه التي نجحت في كل ذلك؟؟..أكيد نحن نتحدث عن.."سوبر مان إيران"..وليست دولة عادية..
رابع عشر: هذه الدعوات التي أطلقها مفتي موريتانيا في الحقيقة تخدم إيران ولا تضرها بشئ، لكن سيتضرر منها المجتمع الموريتاني نفسه باعتباره يُشرعن مواجهة مع شيعة الداخل، وسيبدأ الهجوم كالعادة من السلفيين..وربما يخدم ذلك التيار الجهادي في موريتانيا باعتبار أن السنة في خطر..!
خامس عشر والأخير: لماذا لا يطلق الشيعة مصطلح مماثل أي يحذروا مثلاً من .."المد السني"..؟!..لماذا لا يتهموا السعودية بنشر السنة؟!
وقد تابعت مؤتمر جروزني مؤخرا ولمست من شيعة العرب (ارتياح لنتائج المؤتمر) وبعضهم كان يمدح في المذهب السني بمدح بعض جوانبه، والمثقف يعلم أن مدح المتدين لجوانب في دين آخر هي تمثل في الأخير.."مشتركات"..وعلى العرب الآن أن يبنوا على هذه المشتركات قبل أن تنسفهم ليست فقط الحرب المذهبية..بل عصر التكنولوجيا الذي صار فيه المذهب من مخلفات الماضي..بل الدين برمته أحيانا..
سامح عسكر
للقراءة من المصدر اضغط هنا :
https://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2016/09/20/416665.html