مــدار -محفوظ ولد السالك صحافي وباحث متخصص في الشؤون الإفريقية
منذ ميلاده مع نشأة الدولة الحديثة بعد التخلص من ربقة الاستعمار عام 1960، ظل البرلمان السنغالي يقوم بدور هام في تعزيز الديمقراطية، وتجذير العمل المؤسسي، فلم يكن يوما مجرد “غرفة” لتمرير ما تريده السلطة، وإنما كان له صوت مسموع، وأثر مشهود.
لقد حاول البرلمان السنغالي مرات نزع الثقة من الحكومة، وتعرض للحل من طرف بعض الرؤساء، لكن كل ذلك كان يتم في انسجام مع الدستور والقانون، حصني البلاد الحصينين ضد أي تغيير للسلطة خارج صناديق الاقتراع، وراسمي الحدود المحظور تجاوزها بين العسكر والسياسة.
ولم تكن الخطوة التي أقدم عليها بصيرو ديوماي فاي خامس رئيس للسنغال من حل للبرلمان، سوى محطة من تاريخ المؤسسة التي طوت 66 سنة من العمر ومازالت صامدة، تنهض بعد كل عثرة وتقارع بقوة.
وكأن التاريخ يعيد نفسه، ففي 15 فبراير 2001 حل الرئيس الأسبق عبد الله واد البرلمان المنتخب عام 1998، لأن الحزب الاشتراكي المعروف بحزب الرئيس عبدو ديوف كان يسيطر على الغرفة التشريعية، والآن وبعد أزيد من عقدين يقدم بصيرو على ذات الخطوة، لأن تحالف الرئيس السابق ماكي سال “بينو بوك ياكار” لديه أغلبية برلمانية، ما يشكل تحديا أمام نظامه.
كما أن محاولة عبدو مْبَوْ رئيس فريق “بينو بوك ياكار” البرلماني التحرك من أجل عزل حكومة عثمان سونكو والإطاحة بها، وهي الخطوة التي قطع النظام الطريق أمامها بحل البرلمان، ليست جديدة في تاريخ العلاقة بين المؤسستين التشريعية والتنفيذية في السنغال.
ففي عام 1988 تقدم البرلمان بمذكرة من أجل الإطاحة بحكومة مامادو لامين، لكنه فشل في ذلك، وكانت تلك إحدى المرات النادرة التي تصل فيها العلاقات بين المؤسستين الباب المسدود.
وفي سنة 2001، حاول موسى تين إسقاط حكومة مامي ماديور بوي، بسبب قضية عدم دفع أجور المزارعين، ولكن دون جدوى.
ثم في عامي 2012 و2013، كانت هناك محاولة للإطاحة بحكومتي عبدول مباي، وأمادو با، وفشل البرلمان في ذلك لأن الحكومتين كانتا تتمتعان بأغلبية برلمانية.
وعلى مر تاريخ البرلمان السنغالي كانت المعارضة ممثلة بقوة فيه، وشكلت انتخابات 2022 التشريعية أبرز مثال على ذلك، فقد منع تحالف حزبي “الوطنيون من أجل العمل والأخلاق والأخوة” المعروف اختصارا بـ”باستيف” برئاسة الوزير الأول الحالي عثمان سونكو، و”الحزب الديمقراطي السنغالي” برئاسة الرئيس الأسبق عبد الله واد، تحالف الأحزاب الداعمة لنظام الرئيس السابق ماكي سال من الحصول على أغلبية مطلقة.
ولولا انضمام نائب مستقل إلى تحالف النظام، لبقي ماكي سال بلا أغلبية مطلقة، وهو ما شكل إنذارا شعبيا واضحا له بعدم الترشح لولاية ثالثة خلال انتخابات 2024 الرئاسية، رغم قوله بأحقيته دستوريا في إمكانية القيام بذلك لو أراد.
لكن كان من الواضح أن الشعب لم يعد يريد بقاءه لفترة أطول، وحتى حين اختار خليفة له في السلطة، اختار السنغاليون خصميه السجينين بصيرو ديوماي فاي وعثمان سونكو.
وكثيرا ما تكون رسائل السنغاليين تجاه السلطة واضحة وقوية، يعبر عنها الشارع قبل الصندوق، فقد تظاهروا بكثرة ضد ترشح واد لولاية ثالثة عام 2012، وحين أصر على ذلك وهو المحامي وأستاذ القانون، بعد تعديله الدستور بحيث تصبح مدة الرئاسة 7 سنوات بدلا من 5 أعوام، لم يترددوا في اختيار المعارض البارز يومها ماكي سال رئيسا لهم.
وبالمقابل لم يتردد واد في الاعتراف بالهزيمة، وتهنئة خصمه، تماما كما فعل معه هو عبدو ديوف من قبل، وفعل أمادو با من بعد مع بصيرو ديوماي فاي.
تلكم هي تقاليد السنغال الديمقراطية الراسخة، عنف شعبي في الرفض في الشارع، ورضوخ رسمي لمعطيات الصناديق، وتسليم بها، والشعب دائما هو صاحب الكلمة الفصل.
فماذا عسى السنغاليون أن يفعلوا في الانتخابات البرلمانية المقررة في 17 من نوفمبر المقبل؟ هل سيمنحون أغلبية لحزب “باستيف” على غرار ما فعلوا لقياديه بصيرو الذي أوصلوه سدة الحكم؟ وهل سيبقون “بينو بوك ياكار” حاضرا بقوة داخل البرلمان؟ أم يسحبون منه كامل الثقة؟