كما يرحل الأبطال، بل كأسمى من نقرأ عن سير الصحابة وتاريخ العظماء وسير أعلام النبلاء، رحل أبو إبراهيم يحيى السنوار، بعد أن احتضن الراية ورفع اللواء" إنما يرفع اللواء النجوم"، وقاد الجهاد، وكتب بدمه صحفات الخلود المطرز بلهب المقاومة وعطر النجيع الطاهر.
كان القائد يؤدي دوره الجهادي، يجوس خلال الديار، يحمل بندقيته التي غنمها جنوده الأبرار، يسير كالأسد الهصور، حتى أثخنته الجراح، صابرًا محتسِبًا مقبلا غير مدبر، كان زئيره يهز قلوب الضباع الرعاديد، تحداهم برصاصه، حتى استنزف جعبته، ثم ترقى شهيدا حميدا، يحمل أ الدين المصطفى الذي جعله يحمل القلب الحي والضمير اليقظ، وأجمل فكر ويدافع عن أعدل قضية، وخصومه الذين يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ، وبضدها تعرف الأشياء.
لا شيئ في حياة السنوار غير العظمة والفداء والنضال، والفكر والإرادة والمجد والبطولة.. كان دوره أساسيا في بناء الوعي الفكري والتربوي لحركة حماس، و العنصر الأكثر فعالية خلال نهاية الثمانينيات في بناء مساجد غزة، ذا قدرة بارعة على رفع منائره وبسط صحونها، ورفع نداء العزة والكرامة من أبواقها، ونشر عبقها التربوي في المجتمع، فلقد كان من بين ثلة قليلة ارتبطت بالشيخ أحمد ياسين، وقبست من سيرته وسمته، وكساها رغم ضعف جسده من قوة إيمانه ثوبا لا يبلى وعقيدة لا تفنى
بين "الشوك والقرنفل" عاش الرجل، يخضد كل حين بإصرار وعزيمة أي عقبة تعترض البناء، ويفوح بين الخافقين عطر جهاده، وزكي سيرته، وباهر أعماله، وناضر سمته، ووهاج عزيمته وثوريته.
للسنوار مع الموت أكثر من موعد، يأتي إليه حاسر الوجه، عاري الصدر، صلب الأشاجع، قوي الساعد، يدك بقبضته المخاوف.
كان الرعب يجتاح قلوب المحققين معه، من الصهاينة الذين تزيغ أبصارهم وتطيش أفئدتهم من صوته واسمه وصورته.
أنت قد علمتنا بسمة المؤمن في وجه الردى..
أراد الكيان الصهيوني منذ سنة أن ينال من السنوار، ولعل الله أراد أن يرفعه شهيدا مجيدا، وأن تكون خاتمته سمط الدهر، وأنشودة الأيام، وأغاريد الجنان الخالدة، إن شاء الله تعالى.
فلما ارتقى شهيدا.. علمت يهود وزعيم العصابة قاتل الأطفال: ".. أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ".
رحمك الله فقد كتبت في سفر الخلود أن حماس ليست مخترقة، وأنك لست مختبئا كما زعم القوم البهت، فأنت في الصدارة " الثبات في الصفوف والمضاء والفناء"
برحيل السنوار، تضاف لؤلؤة جهادية إلى عقد من الأقمار والأنوار الأبرار، الذين سلكوا درب الشهادة إن شاء الله، ولسان حالهم "وعجلت إليك رب لترضى"
تمنوا الشهادة فنالوها.. كأسمى ما تكون، ولم يموتوا حتف الأنوف متخمين بداء الملوك وأمراض الزعماء الذين يأكل الجبن أمعاءهم، وتقتات الخيانة من أرواحهم "قعدت دون ما يكرمهم هم همم تستغل خلف ودونا، سنة الله في الذين خلوا من قبل قدكان شؤمهم مسنونا
فسلام عليك أبا إبراهيم في الخالدين، ورحمة الله ورضوانه على روحك الطاهرة المرفرفة في أعلى الجنان، إن شاء الله- نتمنى أن تكون في أجوافِ طيرٍ خُضرٍ تسرحُ في الجنَّةِ حيث شاءت ثم تأوي إلى قناديلَ معلَّقةٍ تحت العرشِ.
ولا نامت أعين الجبناء..
فقد أودى الكمال ألا فليفرح الجذلا من لايموت ومن لاينقضي "أجلا"
موقع الفكر