ولد عمير : هذه مسيرتي في أربعين سنة من الإعلام ..وهؤلاء هم جيل التأسيس وصناع الكلمة الحرة (مقابلة)

الحلقة الأولى:

يتحدث المرحوم محمد فال ولد عمير ولد أبي في آخر مقابلة له مع موقع الفكر عن تجربته في الإعلام، التجربة التي تمتد لقرابة أربعين سنة، قبل أن تختم وعلى غير موعد سابق برحيل مفاجئ في مستشفى القلب عن 65 سنة لا أكثر

ينتمي ولد عمير إلى نواكشوط، أو بعبارة أخرى فإنه رفيق الدولة الناشئة وصوت الحرية، وقلم من أجل الأقلام الديمقراطية، وأحد أبرز رجال الرعيل الأول من الإعلام الموريتاني.

فتح محمد فال صدره للفكر وتحدث بأسلوب مشرق عن مسارات الصحافة الموريتانية من التأسيس إلى التمييع، ومن صناعة الرأي والدفاع عن الديمقراطية والحريات إلى ما آل إليه الإعلام أخيرا من سطوة الضعف والركاكة.

رحم الله فقيد القلم وصوت الحرية ولسان الثقافة الأنيق محمد فال ولد عمير ولد ابي والحقه بالصالحين.

نص المقابلة

الفكر: حبذا لو عرفتم القارئ على شخصكم الكريم ودراستكم والوظائف التي تقلدتم

محمد فال ولد عمير: مرحبا بكم وبقراء موقعكم الكريم، وأشكركم على هذه الفرصة.

اسمي محمد فال ولد عمير ولد أبي، أنا في الحقيقة من مواليد العاصمة نواكشوط، لكن أوراقي تحمل محل ميلاد هو المذرذرة، وأنا من أهلها رسميا بكل ما يعني ذلك.

وقد ولدت سنة 1959، وعدنا إلى المذرذرة حيث درست هنالك بعض سنوات الابتدائية، قبل أن نعود إلى العاصمة مجددا، وذلك بسبب حصولي أختي الكبرى على شهادة ختم الدروس الابتدائية (كونكور)، مما فرض على الأسرة العودة إلى نواكشوط، حيث درست سنتين أخريين قبل أن أعود مجددا إلى المذرذرة حيث حصلت هنالك على شهادة الكونكور، وبعدها انتقلت إلى ثانوية لكوارب، حيث درست هنالك سنة دراسية، قبل أن أنتقل إلى العاصمة نواكشوط، حيث أكملت دراستي حتى حصلت على باكالوريا الآداب العصرية، وبعدها انتقلت إلى المدرسة العليا للتعليم، حيث أكملت سنوات التكوين الأربعة وتخرجت أستاذا لمادة التاريخ.

حولت بعدها إلى ثانوية لكوارب، ومنها إلى ثانوية لعيون، قبل أن أنال تحويلا تكريميا إلى العاصمة نواكشوط، ضمن مسار تكريمي كان يناله الأساتذة المجدون، وأعتقد أن ذلك المسار لم يعد موجودا.

ومع منتصف الثمانينيات بدأت مسارا من العمل الإعلامي، حيث بدأت من العام 1987-1988، أنشر بعض المقالات في جريدة الشعب، وكان ذلك برأي وتشجيع من الأخ الإعلامي الشيخ بكاي الذي كان يومها مدير جريدة الشعب، وكان يبحث عن الأقلام، وقد كنت يومها قد نشرت بعض المقالات في جريدة جون آفريك، ولموند.

لقد كنت في تلك الفترة منبهرا بشخصية الزعيم البوركينابي الشهير توماس سانكرا، وكتبت مقالات عن مقتله وعن آرائه ومكانته في التحرر الإفريقي ومواجهة الطغيان الاستعماري والهيمنة الغربية، وفتح عيون الأفارقة نحو حريتهم وثروتهم المسلوبة.

كنت مرة أقرا مقالي المنشور عن سانكرا في أحد أعداد مجلة جون آفريك الباريسية، وصادف الأمر دخول الشيخ بكاي علينا، استمع للمقال، ثم طلب مني أن الالتحاق به في جريدة الشعب، وهنالك بدأت مسارا من الكتابة الإعلامية، وجدت هنالك أيضا الدكتور الإعلام الكبير يحظيه ولد زين مد الله في عمره، وقد كان رئيس تحرير الشعب التي كانت تحمل العنوان في طبعتيها في العربية والفرنسية

كلفت في تلك الفترة بإعداد صحفة من جريدة الشعب، وقد مكنني ذلك من التعارف والصداقة مع شخصيات وأقلام مهمة، منها على سبيل الذكر والذكرى الطيبة الأديب والروائي الكبير امبارك ولد بيروك، الذي كان يعمل يومها على إصدار جريدة فرنسية اسمها mauritanie demine  أي موريتانيا الغد، وبدأت معه في إعداد هذه الجريدة، بعد أن نالت ترخيصا لتكون جريدة ثقافية.

لقد كنا في تلك الفترة بعيدين جدا من التعددية الإعلامية، مقارنة مع السنغال والمغرب، وكان الإعلام الحر في هذين البلدين يهاجم موريتانيا بين الحين والآخر، وعندما تحتج موريتانيا ترد عليها سلطات البلدين بأن الإعلام حر ولا يمكن أن  تتم محاصرته.

سأفهم لاحقا، أن السلطات كانت تريد لهذه الجريدة أن تكون ذراعا لها في مواجهة الحملات الإعلامية التي تصدر من الإعلام السنغالي والمغربي، لكنهم في النهاية أكدوا على الطبيعة الثقافية للترخيص الممنوح للجريدة، ومع ذلك ملف العدد الأول يحمل تساؤلا كبيرا: أي ديمقراطية لنا؟

فيما حمل العدد الشهري الثاني ملفا عن حقوق الإنسان، والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان، وتزامن الأمر مع اعتقال ومحاكمة البعثيين، وكتبت يومها تحقيقا عن التعذيب الذي تعرض له المعتقلون المذكورون، ولم يرق الأمر يومها لوزارة الداخلية، التي استدعتنا للمساءلة، وقد أجبت المسؤولين في وزارة الداخلية بأن مفهومي الديمقراطية وحقوق الإنسان لم يعودوا مفهومين سياسيين، بل أصبحا من صميم الحياة الثقافية، ولا شك أن هذه الإجابة لم ترق للمسؤولين.

ستواصل المجلة الشهرية عملها حتى تواجه مطبة أخرى بالغة الصعوبة، وهي المجازر التي وقعت سنة 1989-1990-1991، وراح ضحيتها مواطنون من سكان الضفة، وجنود في الجيش، وعناصر مدنيون في وظائف أخرى، وقد مكننا ضحايا تلك الجرائم من الحديث، حيث كان التعتيم يومها شديدا على ما حصل، وهنالك تدخلت وزارة الداخلية وصادرت العدد المذكور، ليكون ذلك بداية خلاف شديد بين أعضاء المجلة

لقد نسيت أن أخبرك بأن طاقم المجلة قد أضاف قلما مهما جدا، وهو الكاتب الشهير المرحوم حبيب ولد محفوظ، والمحامي الشهير لوغرمول عبدول، والكاتب الشهير إدوم ولد محمد الأمين، والكاتب والمحامي محمد الغالي.

وظل الخلاف يتفاقم بين الحين والآخر حتى انتهينا إلى القطيعة بسبب بعض الآراء والمقالات التي تختلف حولها المواقف والخلفيات السياسية، وانتقلت أنا وحبيب إلى ضفة أخرى حيث أسسنا صحيفة البيان، لقد قلت بصراحة لحبيب يومها أنني لن أشارك في أي عمل إعلامي لا تكون فيه طبعة عربية.

ومع البيان انطلق مسار نوعي وفعال من العمل الإعلامي الجاد، وعبر أقلام قوية ومؤثرة مثل محمد فال ولد سيدي ميله، والحسين ولد محنض، ومحمد الأمين ولد محمودي، وحنفي ولد الدهاه، وفاطمة بنت عبد الوهاب، أحمد ولد السيد رحمه الله، والأستاذ الكبير محمدن ولد الشدو، العميد والأديب الكبير محمد ولد الميداح.

لقد كنا مصنفين دائما بأننا معارضة، فكل من يكتب حرفا ناقدا، هو في حساب الداخلية معارض

ولقد حاولنا رفع سقف الحرية عاليا، وكان من شعاراتنا الشهيرة في الجريدة " عدو الشعب هو حكومته"، ويعود هذا الشعار إلى مصفوفة من الشعارات والمقولات السياسية التي رفعتها ثورة الشباب اليساري في فرنسا سنة 1968، كنا حينها متهمين بأننا من بقايا" الثمانية والستيينين" رغم أنه لم تربطنا بهم أي علاقة، لكن شهوة التصنيف كانت غالبة على النخبة والعوام، خصوصا أن حقل التصنيف يمنح الناس راحة من التفكير والتعامل مع الرأي أو النص، فيكفي أن تصنف شخصا أو قلما ضمن فئة أخرى، لتتخذ منه الموقف الموالي أو المعارض دون التعاطي مع الفكرة.

ولأن آراءنا التحررية لم تعجب شركاءنا الآخرين، وهم أيضا سياسيون لا يمكن أن يتحملوا ضريبة النفس المعارض الذي كنا نكتب به، فخرجنا من الجريدة وبقيت للإعلاميين الكبيرين يحيى ولد البشير  مد الله في عمره وغالي ولد عبد الحميد رحمه الله الذي كان يومها أيضا رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، ودون شك لا بد أن نذكر بكل تقدير وإكبار حجم العون والاحتضان الذي عاملنا به الرجلان الكريمان، لكن سقف الحرية والأفق الذي كنا نريد أن تصل إليه الصحافة، كان فوق ما يمكن أن تسمح به مواقعهما السياسية

ولا أنسى هنا أن أذكر أن بعض رجال الأعمال كان داعما له بقوة وبكرم، دون أن يطلب منا في أي وقت تغيير خطنا التحريري أو يتدخل في بعض تفاصيل العمل، مثل المرحوم سيدي محمد ولد العباس، ولم يطلب منا ولم يتدخل لنا في أي شيئ سوى مرة واحدة، عندما اتهمه أحد كتاب القلم بأنه أساء إلى الرئيس المختار ولد داداه، وحينها طلب مني المرحوم سيدي محمد نشر مقال كتبه في الإشادة بالمختار ولد داداه، وبنظامه وعرض بعض تفاصيل علاقته الشخصية بالمختار، وقد كان الأمر يومها مجازفة، خصوصا من رجل أعمال كبير، فلم يكن مدح المختار رحمه الله تعالى مستساغا لدى النظام الحاكم يومها.

كما كان هنالك شباب من رجال الأعمال المقاولين الشباب، داعمين دون أن يطلبوا خدمة شخصية، ومن هؤلاء أحمد باب ولد اعزيزي ومحمد يحيى ولد الغلاوي، وقد مكننا ذلك من المحافظة على خط تحريرنا المستقل، ولم يكن دعمهما لنا مشروطا بأي موقف أو خدمة.

لقد انتشرت القلم بشكل كبير، واستمرت واستقرت إلى حد الآن كأهم صوت إعلامي في البلد، وحسب علمي فإنه لم تعد هنالك صحافة مكتوبة سوى القلم أو جريدتا الشعب وأويرزون الرسميتان.

في المرحلة لاحقة سأغادر أنا لأسباب شخصية جريدة القلم، وبشكل خاص فانني لم أجد نفسي في الصحافة المناضلة، بقدر ما كنت أرى نفسي إعلامي قيم.

كنت أرى أن حجم علاقاتي الواسعة والكبيرة، وقيمي الكبيرة لا يمكنني من السكوت أو التعايش مع قيم أخرى بدأت يومها تظهر في الساحة الإعلامية، وهكذا أخذت مسافة من القلم، ثم أسست بعد ذلك جريدة المنبر بالعربية ونسختها الفرنسية لا تريبين.

وهذا بالجملة أهم محطات مساري في الإعلام الخاص أو الحر، وقد تدرج من مرحلة التأسيس للإعلام المقروء المؤثر، وقد كان هذا التأثير الواسع الكبير، في ظل سقف محدود للسحب، فلم نسحب في أي وقت عددا أكثر من 2000 عدد.

وقد مكن لهذا الانتشار عاملان أحدهما مادي بحت والثاني ثقافي قيمي عميق، كان العامل الأول هو تأجير باعة الجرائد خدمة قراءة الصحيفة بعشرين أوقية قديمة، بدلا من شرائها، وإذا كان هذا العامل قد سهل الانتشار بكثرة، فإنه خنق العائد المالي للصحافة، أما الثاني فهو ثقافة نشر المعلومة وتوفير مصادرها العميقة في المجتمع الموريتاني الذي لا يضن بالمعرفة أبدا، عكس ثقافة الغربيين، حيث يشتري الشخص جريدته لنفسه ويذهب بها.

أما المرحلة الثانية، فقد كان مرحلة فضح الممارسات الخاطئة في السياسة، وكان لا بد من موقف أخلاقي تجاهها، مثل التعذيب والمجازر والمعاناة التي تعرض لها إخواننا الزنوج، كما تعرضت كل الحركات السياسية للسجون والتعذيب، ففي سنة 1984 على سبيل المثال توفي عناصر من الناصريين تحت التعذيب

لكن هذه الجرائم كانت تقع خلف الزنازين والأبواب المغلقة، ولم يكن للموريتانيين أي اطلاع عليها، وقد كان دورنا حاسما في فضح هذه الانتهاكات وفي نشر أخبارها للرأي العام الوطني، هل أخطأنا في ذلك، تلك مسألة أخرى نتركها للتاريخ.

وستكون المرحلة الثالثة: مواكبة الحدث الديمقراطي الجديد في قيمها وممارستها على المشهد الموريتاني، لقد كانت السلطة يومها حائرة بين التعددية الحقيقية، أو المضايقة، فكانت الصحافة الورقية يومها المنبر الوحيد أمام القوى السياسية، وعمليا فإن الأمر من أخطاء الأحزاب السياسية التي لم تنشئ إصدارات ناطقة باسمها ومعرفة بها، وهنا ستجد الصحافة نفسها ضحية لحنق السلطة وغضبها تجاه المتنفس الذي وفرته للنخبة السياسية.

لقد كانت الصحافة ناشئة، وفشلت محاولات المأسسة، لأن أي مأسسة تقتضي القرب من السلطة، وهو ما يقتضي تلقائيا بعد القارئ، وهنا سأذكر أن عدد موريتانيا الغد الذي صودر سنة 1991، بسبب تحقيقه عن الانتهاكات ضد الزنوج، كنا قد سحبنا منه ألف نسخة وكان ثمنها 200 أوقية قديمة، وتمت مصادرته جميعا.

ولكن تمكن البعض من الحصول على النسخة الأصلية من العدد لدى المطبعة الوطنية، وتم استنساخ 10 آلاف نسخة منها وبدلا من بيعها بالمبلغ الزهيد 200 أوقية، بيعت يومها بألف أوقية قديمة.

لقد كان سيف المضايقة مسلطا على الإعلام الحر، فأنت ستعد جريدتك، وتعمل مع فريقك الإعلامي ثم تنقلها إلى المطبعة، وتسحب الكمية التي تقدر على سحبها، ثم تذهب إلى وزارة الداخلية لترى هل ستسمح لك بالصدور أم لا، وإذا قررت المصادرة، فعليك أن تخسر كل ما صرفت من وقت وجهد ذهني وبدني ومالي

أما المرحلة الرابعة فهي مرحلة التمييع، وقد بدأت من خلال إصدار كم هائل من التراخيص، وقد بدأ الأمر تلقائيا بعد خلافنا في موريتانيا الغد مع وزارة الداخلية، التي بدأت ترخيص مجلة منافسة، لكنها لم تنجح، فبدأ مسار الترخيص العشوائي، ومضايقة الإعلاميين الجادين

أذكر أنه في مؤتم صحفي في إحدى حملات الرئيس معاوية ولد الطايع، لما حاولت سؤالي على إدارة حملته سنة 1992، وقف شخص معتوه لا يتمتع بقواه العقلية، وقدم نفسه على أنه صحفي من البيان، فضحك الحضور، وكان الأمر مقصودا تماما، وعندما حاول المرحوم حبيب ولد محفوظ طرح سؤال قلت له: دعك من الأسئلة هنالك إرادة مقصودة لإهانتنا.

ولاحقا سندخل معهم سجالا مفتوحا طيلة شهر، وبعد ذلك بفترة طلب مني المسامحة بعض المشاركين في تلك السجالات وما قبلها من محاولات الإهانة.

ستأتي بعد ذلك مرحلة مهمة وهي ما بعد ولد الطايع، وهي المرحلة التي وصلنا إليها جميعا منهكين صحفيين وسياسيين وحقوقيين، وبدأت المرحلة الانتقالية، وألغيت المادة 11 التي كانت سيفا مسلطا على الصحافة والرأي الحر الموريتاني، لكنها لم تكن كافية.

ولاحقا سيتم تشكيل السلطة العليا للصحافة، كوسيلة ضبط، ثم تم تأسيس قسم في المدرسة العليا للصحافة في المدرسة الوطنية للإدارة، لكنها لم تكون غير دفعة واحدة من الصحافة.

وعمليا حصل تقدم كبير في حرية الصحافة، حيث وصلنا إلى الرتبة الثالثة والثلاثين عالميا وهو ما يؤهلنا للرتبة الأولى إفريقيا وهذا الأهم وعربيا أيضا.

موقع الفكر: تحدث تقرير منظمة مراسلون بلا حدود عن هشاشة المؤسسات الإعلامية، فما تعليقكم؟

محمد فال ولد عمير: لا شك أن هذه الحقيقة لم تأت من فراغ، فاللجنة العليا التي كلفها الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني توقف كثيرا عن نقطة الهشاشة، حيث لا توجد في موريتانيا مؤسسة إعلامية مستقلة تملك مقرا خاصا بها، وهذا أبرز مسار للهشاشة، وما يجري في المجال الإعلام هو انتشار فطري استنساخي.

وعمليا فإن المؤسسات الإعلامية غير قابلة للاستنساخ، أنت الآن في موقع الفكر مثلا تؤجر مقرا، ولديك صحفيون تدفع رواتبهم ولديك معدات ووسائل عمل، ومع ذلك ستجد مؤسستكم نفسها على قدم التساوي أو ربما في التصنيف والحظوظ لدى صندوق دعم الصحافة مع مؤسسات دونها ربما لاتؤجر مقرا ولا تملك معدات ولا يعمل بهل صحفيون.

وبشكل عام فإن إصلاح الصحافة يحتاج جدية، وينبغي أن تتم تنقية قطاع الإعلام من غير المهنيين، وأن يكون هنالك صحافي مهني يحترم القواعد والمعايير المعتمدة لدى القواعد، وخصوصا فيما يتعلق بالقيمة الإخبارية التي لا تتحمل الرأي.

يمكن أن تتذكر قبل أسابيع حالة هائلة من اللغط، حول اتفاق الهجرة، لقد سيطرت الشعبوية والاستعجال، وصناعة الخبر غير الموجود أصلا، وكان أغلب ما نشر عن الموضوع  بعيدا جدا عن الحقيقة والمهنية.

إن فكرة صناعة الخبر هي مسار إعلامي جديد، جعل منه كتاب وسيلة للابتزاز، أذكر قبل فترة أن سيدة فاعلة في المجال السياسي اتصلت بي مستفسرة ومستغربة، فاتصلت بالإعلامي الذي كتب عنها معلومات غير صحيحة، ولما سألته مستفسرا قال لي: أنا أريد أن  أرغمها لكي تتحدث لنا عن علاقتها مع الرئيس، حاولت نقاشه، فقال لي هذا فن صناعة الخبر، وهنا بدات صناعة الخبر تأخذ دورها في صناعة الوهم الإعلامي

دون شك هذا الخبر المصنوع من العدم، سيكون أكثر مقروئية مما تنشرون أنتم مثلا من تقارير نوعية بالغة الأهمية عن الثقافة والمدارس العلمية المهمة التي تمثل بعدا إعلاميا مهما وهو الدور الثقافي للإعلام وإحياء التراث، وهي مهمة عظيمة من مهام الوعي التي ينبغي أن تضطلع بها الصحافة.

إن صناعة الخبر كما أسلفت هي مشكلة، لكنها مشكلة مرحلية فقط، لأنها ستنهار أمام إصرار الإعلاميين الجادين على الجودة، وعلى التنقية من الشوائب والعقبات والممارسات التي لا تنتمي إلى مهنة الإعلام النبيلة، وهذا الجانب من إصلاح الصحافة لا يمكن أن تنجز فيه الدولة المطلوب، لأنه تغيير ذاتي " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" ورغبتنا كإعلاميين جادين في الإصلاح، ورفضنا للأجسام الدخيلة، والممارسات الشائنة هي أول  وأهم درجات الإصلاح

الفكر: قانون الصحفي المهني لا يسمح بالتعددية الوظيفية؟

محمد فال ولد عمير: القانون غير مفعل نهائيا والمراسيم التطبيقية له لم تصدر بعد، وهذه التعددية ستظل دائمة ما لم يتم الحصول على حقوق الصحفي ومنها على سبيل المثال نسبة 15% من راتبه، وكذا تخفيضات خاصة بالإقامة في الفنادق وفي وسائل النقل، وأخرى متعلقة بظروف العمل، وما دام الأمر لم يقع فإن التعددية ستظل دائمة، زد على ذلك أن البنية المؤسسية للجهة الوصية لم تستقر ولم يعرف هل ستظل وزارة الثقافة والإعلام، أم ستتحول إلى جهة أخرى؟

الفكر: توليت إدارة الوكالة الموريتانية للأنباء، وهنالك طرح سائد أن المؤسسات الإعلامية الرسمية تعمل على إرضاء النظام بدل السعي إلى إرضاء الناس عن أدائه؟

محمد فال ولد عمير: بشكل عام المؤسسات العمومية ليست على قدم السواء، والإذاعة والتلفزيون الرسمي لا يدخلان ضمن القانون المنظم للإعلام العمومي، ولو طبق قانون 2012، لكانت هاتان المؤسستان قد اتجهتا إلى المهنية في سياق الإعلام العمومي، وهنالك فرق بين الإعلام العمومي والرسمي والخاص.

أما بالنسبة للوكالة فهي الإعلام الرسمي لموريتانيا، وتختلف عن غيرها من حيث التخصص، وهنا أؤكد لك رغم هذه الرسمية أن الوكالة لم ترفض تغطية أي نشاط أو حدث لأي طرف سياسي أو مجتمع مدني

طبعا هنالك مساحات ينبغي أن يجتمع فيها الإعلام الحر والعمومي، إذا تعلق الأمر بالثوابت الدينية والوطنية ووحدة المجتمع ومصالح موريتانيا الكبرى

بالنسبة للوكالة مهمتها هي تغطية وخدمة الأحداث والأنشطة والوقائع والمواقف ذات الصفة الرسمية وفق كل الوسائط والقوالب المتاحة للوكالة.

وقد حققت الوكالة هذا الهدف، وأخص بالذكر السنوات الأربع التي قضيتها مديرا للوكالة الموريتانية للأنباء، بشكل محترف وبقدرات صحفييها المتميزين، وبالشكل الأجود من حيث القوالب الإعلامية.

وطبعا يذكر للتلفزة والإذاعة قدرتها على التغطية والإنتاج في مختلف انحاء البلاد، إضافة إلى استخدام مختلف وسائط التواصل الاجتماعي.

إن مهمة الإعلام هي الإنتاج أما التسويق فهو مهمة الذراع السياسي للسلطة، وطبعا هذا الذراع لم يواكب الإنتاج الإعلامي، وما زال يحمله مسؤولية ضعف القدرة السياسية

يتواصل

نقلا عن موقع الفكر  الذي أجرى المقابلة