شكل خطاب فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، بمناسبة الذكرى الرابعة والستين لعيد الاستقلال الوطني المجيد، الزاخر بالمعاني، الطافح بالعبر، والحكم البالغة، واثق الخطى، في مطلع مأمورية رئاسية جديدة لفخامته، حدثا مهما. وذلك بعد أن حاز ثقة الشعب الموريتاني، من خلال انتخابات طبعتها الشفافية، والسلاسة على نحو أكد نضج تجربتنا الديمقراطية، وتشبث مواطنينا بدولة القانون والمؤسسات، باعتبارها ترياقا، للطامحين لغد أفضل.
حيث استشعر فخامته أحاسيس، ومشاعر أبناء وطننا الحبيب، مدركا ثقل المسؤولية ومقدرا لها حق قدرها، مراعيا حجم الآمال، والطموحات المشروعة لكل فرد منهم في الظفر بعيش كريم، واطمئنان على حاضره ومستقبله.
كما أن عزم فخامته على مواصلة مسيرة البناء والتطور، التي جسدتها الإنجازات الشاهدة خلال المأمورية الأولى، مكنت من إرساء دعائم جسر العبور الآمن ببلدنا إلى مستقبل أفضل من خلال ما تم تحقيقه من إنجازات لمس المواطن أثرها الإيجابي في حياته اليومية على مختلف الأصعدة، أمنا واستقرارا، وصونا للوحدة الوطنية، وتهدئة للحياة السياسية، ومكافحة للفقر والغبن والإقصاء، ودعما للفئات الهشة، وتحسينا للنفاذ إلى الخدمات الأساسية، وتأسيسا لمدرسة جمهورية، وتعزيزا للبنى التحتية، وعملا على تنويع الاقتصاد، ودعما للقطاعات الإنتاجية، وتأسيسا لتنمية مستدامة. إن كل ما سلف ذكره لهو أصدق دليل على عمق عملية الإصلاح، وسعي فخامته الحثيث إلى بناء دولة قوية، متطورة ينعم فيها كل المواطنين بأعلى مستويات الأمن والرفاهية. تعزيزا لهذه المكتسبات، وتأسيسا عليها رسخت دعائم الدولة التي نطمح لها جميعا، دولة القانون والأمن والتنمية.
وقد بادر فخامة رئيس الجمهورية إلى الإسراع في تنفيذ برنامجه الانتخابي "طموحي للوطن"، الذي زكاه الشعب الموريتاني، ليقينه بأنه ليس مجرد وثيقة انتخابية دعائية، بل عهد لن يدخر فخامته جهدا وفاء بما تضمن من التزامات.
ولاهتمام فخامته -البالغ- بتوفير سبل العيش الكريم للمواطنين، وتحسين ظروفهم ماديا ومعنويا تمت زيادات معتبرة في رواتب وعلاوات بعض العمال، وتعويضات المتقاعدين، ومضاعفة رواتب عمال الصحة خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
وزيدت علاوة الخطر، واستفاد عمال التعليم من زيادات معتبرة، وصلت علاوات التأطير والطبشور والبعد منها إلى الضعف، فضلا عن استفادة أساتذة التعليم العالي من زيادات قيمة، ورفعت رواتب كل الموظفين ب 20.000 أوقية قديمة، كما تمت مضاعفة تعويضات المتقاعدين.
وانسجاما مع مشروع المدرسة الجمهورية، ودعما للمنظومة التعليمية، وعيا من فخامته بدقة ظروف المدرس وحرصا على تحسينها، جاء الخطاب مستحدثا صندوقا خاصا بتمويل برنامجٍ دعم سكن المعلمين والأساتذة، خصصت له كل المنازل التي تم تشيدها في إطار "برنامج داري" والبالغ عددها 2508 منزلا، زاد غلافها المالي على 22 مليار أوقية قديمة.
ولدعم هذا الصندوق، أصدر فخامة رئيس الجمهورية تعليماته السامية للحكومة بالشروع الفوري في تحديد آليات تسيير وشروط الاستفادة منه بالشراكة مع ممثلي المدرسين. وخصصت علاوة شهرية قيمتها 20.000 أوقية قديمة لمدرسي السنة السادسة من التعليم الأساسي، يستفيد منها خلال العام الدراسي 2024-2025 أكثر من 4000 مدرس، بعد إطلاق إصلاح تربوي عميق، وتعزيز مشروع المدرسة الجمهورية، والتوسع في تشييد البنى التحتية التعليمية واكتتاب، وتكوين المدرسين، وتوفير الدعامات التربوية، مما أوصل معدل التمدرس الابتدائي الصافي إلى 81%، ونسبة الاستبقاء إلى 83 %، ورفع نسبة النجاح في الباكالوريا إلى ما يربو على 39 %، يضاف إلى ذلك ما تم إحرازه من مضاعفة الطاقة الاستيعابية بمؤسسات التعليم العالي والمهني، وتنويعِ عروض التكوين، مع العمل على مواءمته مع متطلبات سوق العمل. وتم تعزيز منظومتنا الصحية بتوفير الأدوية وتحسين جودتها والتوسع في اكتتاب الكوادر الطبية بمختلف فئاتهم، وتحسين ظروف عملهم وبناء وتجهيز البنى التحتية الصحية من مستشفيات، ومراكز ونقاط صحية، وهو ما مكن من إيصال نسبة النفاذ للخدمات الصحية لما يناهز 80% سنة 2024.
وبالتوازي مع ذلك بذلت جهود كبيرة في إنشاء وتجهيز نقاط المياه بمختلف الولايات، ومد مئات الكيلومترات من الأنابيب، ووضع آلاف التوصيلات بشبكات المياه وتقوية، وتوسيعِ شبكات التوزيع، وهو ما أوصل نسبة الولوجِ إلى الماء الصالح للشرب إلى 78% سنة 2024. وزادت المساحات المزروعة بنسبة 33 %، ليرتفع بذلك إجمالي الإنتاج الزراعي للموسم الزراعي 2023-2024 بنسبة 71 %، ووصلت مساهمة الزراعة في الناتج الداخلي الخام إلى 5.2 % لسنة 2023، كما مكن التوجه الاستراتيجي المرتكز على استغلال الموارد الوطنية لإنتاج طاقة مستدامة، نظيفة وقادرة على تلبية الاحتياجات المتزايدة للمواطنين من رفع نسبة الولوج للكهرباء إلى 57%، ونسبة الطاقات النظيفة في مزيجنا الطاقوي الإجمالي إلى 48 % سنة 2023.
أما على مستوى البنى التحتية، فقد زاد طول شبكتنا الطرقية بما يناهز 3000 كيلومتر، ما بين تشييد جديد وإعادة تأهيل، مكنت هي الأخرى من تحسين الربط بين المقاطعات وعواصم ولاياتها، فضلا عن إنشاء شبكات حضرية ساعدت في تحسين واجهة مدننا، وانسيابية حركة المرور داخلها، وتوسعت البنية التحتية الرقمية بإنجاز 1700 كيلومتر من الألياف البصرية، وبإتمام مشروع الربط الحدودي.
ونتيجة لنجاعة سياسات بلادنا الاقتصادية والنقدية وصلت نسبة النمو إلى 6.5 % سنة 2023 وارتفع ناتجنا الداخلي الخام للفرد إلى ما يناهز 2400 دولار سنة 2023 وتم التغلب على مشكلة الدين العام، الذي انخفضت نسبته إلى الناتج الداخلي الخام لتصل 40 % سنة 2023، مما شكل دعامة قوية لسياستنا التشغيلية، التي مكنت من خلق ما يربو على 125.000 فرصة عمل مباشرة، و268000 فرصة عمل غير مباشرة.
ومن الواضح أن التحسن الجلي في نمط حكامتنا السياسية، مرده حرص فخامة رئيس الجمهورية الدائم على ترسيخ مبدأ الفصل بين السلطات، وتعزيز وتقوية كل منها، حيث تم العمل على عصرنة قطاع القضاء، وتطوير بناه التحتية، وتحسين ظروف العاملين به. وقد أطلق مسار تشاوري، لإصلاح العدالة، أسفر عن وثيقة وطنية، لإصلاحها وتطويرها، كما كان لهذا التحسن كبير أثر في نجاعة ما بذل من جهود على مدى المأمورية الأولى لتقوية وحدتنا الوطنية، ولحمتنا الاجتماعية، فتمت مكافحة الفقر، والهشاشة، والغبن، والتهميش، من خلال بناء شبكة أمان اجتماعي واسعة، استفاد جل مواطنينا الأكثر فقرا، وهشاشة، من برامجها، وتدخلاتها المتنوعة، وتعززت شبكة الأمان، هذه، بما تم إحرازه في مجال النفاذ إلى التأمين الصحي الشامل، بعد أن استحدث صندوق وطني للتضامن الصحي، وفر الاستفادة من التأمين الصحي بتكلفة رمزية لما يناهز 200 ألف متعفف، يضاف إلى ذلك ما بذل من جهود كبيرة في سبيل إصلاح الإدارة، بتقريب خدماتها من المواطن، وتمكينه من إجراء معاملاته، واستيفاء حقوقه، بكرامة وسلاسة.
وبما أن باب الحوار ظل مشرعا منذ تولي فخامة رئيس الجمهورية مقاليد الحكم في البلاد، مع تمسكه بمبدأ الانفتاح، والتهدئة السياسية والتشاور والنقاش واليد الممدودة على الدوام، لكافة مكونات الطيف السياسي، لقناعته الراسخة بأن ذلك هو النهج القويم في تدبير الشأن العام، فقد أعطى فخامته تعليماته السامية في هذه الذكرى المجيدة بأن يتم في الأشهر المقبلة، الاتصال بمختلف الأطراف السياسية، من مولاة ومعارضة، للتشاور حول أنسب السبل للتحضير الجيد لحوار يطال كافة القضايا الكبرى، خصوصا ما يتعلق منها بتعزيز وحدتنا الوطنية، وانسجامنا المجتمعي، وترسيخِ نظامنا الديمقراطي.
وليس من نافلة القول أن ما تم إنجازه لم يكن ليتحقق، لولا الإرادة الصادقة من لدن القائمين على الشأن العام لمحاربة الفساد، والرشوة، وسوء التسيير، مع الحرص على أن يتم ذلك، على نحو مؤسسي نزيه، بعيدا كل البعد عن تصفية الحسابات.
فأعيدت للمال العام حرمته، حيث لا تنمية، ولا إنصاف مع الفساد.
كما أن التنفيذ الناجع والفعال، لاستراتيجية بلادنا الأمنية المندمجة، مكن من صون أمننا، واستقرارنا، على الرغم مما فشا في محيطينا الإقليمي والدولي، من نزاعات، تقوض الاستقرار، وتعيق التنمية، بمختلف أبعادها، وتهدد كيانات الدول في الصميم.
فلنركب سفينة وطننا ولنبحر بها بسلام، فذلك أولى وأبقى، فقد حبانا الله بقيادة، رشيدة، همها بناء وطن يحقق لنا شروط الأمن والرفاهية، ويذكي فينا بواعث الفخر بالانتماء إليه.
المهنــدس/ الحضرمي محمد انــــداه
رئيس فــرع حــزب الإنصاف بگرو