تعتبر خطبة الجمعة منصةً دينية إصلاحية يُستنار بها في توجيه المجتمع نحو الصلاح والاستقامة. ولأن رجال الدين يؤثرون تأثيرًا عميقًا في النفوس، فإنّ صلاحهم يقود إلى صلاح المجتمع بأسره. ففي خطبة الجمعة الماضية بمسجد ذي النورين بتفرغ زينة، سلط الإمام الضوء على قضايا ملحة تعاني منها الدولة، مؤكدًا أنّ بلدنا يعيش حالة من "النهب الذي لا يُتصوّر"، رغم ما حباه الله من خيرات. وأرجع ذلك إلى فساد الحكام والمسؤولين الذين خانوا الأمانة، بل وصف حال المسؤول الصالح إذا وُجد بأنّه يُعامل كـ"قوم لوط معه"، في إشارة إلى الإقصاء والسخرية التي تُمارس ضده.
إنّ واقع بلدنا اليوم يثير الكثير من التساؤلات. فمنذ مضي 64 عاما من الإستقلال لم يتغير أي شيء؛ المسؤول السيئ يظلّ في منصبه، بل وكأنّ المناصب باتت إرثًا عائليًا. حين يموت المدير، يأتي أبناؤه ليحلّوا مكانه وكأنها وصية مقدسة. حتى الوزارات باتت تُورَّث، فيُرى وزيرٌ سابق وقد وزّع مناصب مهمة على أبنائه، فلا غرابة أن نجد أحدهم مديرًا هنا وآخر هناك. هذا الوضع يدعو للتساؤل: ألا يخجل هؤلاء من أنفسهم؟ كيف يقبلون أن يتحمل المواطن نتائج إدارتهم الرديئة ثم يُجبر على تحمل أبنائهم من بعدهم؟
من جهة أخرى، تُعدّ الرشوة سرطانًا ينهش جسد الدولة. تبدأ من أصغر المسؤولين، حتى من حارس القاضي، وتمتد إلى أعلى هرم السلطة وفي ظل هذا الوضع يبقى السؤال مطروحا: أين العدالة وأين القيم التي نادت بها جميع الشرائع السماوية؟ هل نسي هؤلاء أن الله يرى ويسمع؟ ألم يتفكروا في قوله تعالى: "فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ"؟
لقد مل الموريتاني من التعيينات القائمة على المحاباة والتوريث، إلى جانب غياب التخطيط السليم والرقابة الحقيقية التي لم ولن تُصلح الدولة. المشاريع التي تُنفّذ بلا دراسة جدوى، والقرارات التي تُتخذ بمعزل عن احتياجات المواطن، تؤدي إلى إهدار الموارد وتعميق المعاناة.
في أيامنا هذه نترقب حوارا وطنيا شاملا وهو ما يعني أن هنالك نوايا صادقة من أجل خدمة الوطن ولكي تكون البداية صحيحة، هنالك بعض الأسئلة الضرورية : من هم المسؤولون عن تنظيم هذا الحوار؟ ما هي آلية التواصل مع المنظمين؟ ما هي الآلية المتبعة في إنجاح هذا الحوار؟ هل المشاركة في الحوار تعني الأحزاب أم المواطنين؟
يجب التذكير إلى أنه في الحوارات الماضية لا ينصب التركيز أبدا على الإستماع إلى المواطن العادي و بالتالي عدم إشراكه في صنع القرار وقد يكون السبب في المنظمين أو في المعايير المتبعة في السماح في الولوج إلى قاعة الحوار، لا أدري ولكن ثمة خطأ ما يجب تصحيحه وعدم إهماله.
الدعوة إلى الإصلاح ليست جديدة، لكن ما يميزها اليوم هو الحاجة إلى أسلوب حوار غير تقليدي. يجب أن يفتح النقاش حول أوضاع البلاد بصدق وشفافية، بعيدًا عن التجميل أو التستر على الأخطاء. الحوار لا يعني التنازع أو المزايدات، بل يعني التشارك في المسؤولية والعمل الجماعي لتحقيق الخير العام.
من أجل ضمان الاستقلالية وإشراك الجميع في الحوار، أقترح أن لا تنتمي لجنة التنظيم إلى أي أحزاب سياسية أو إدارة حكومية أو جهة ذات طابع قبلي أو جهوي أو عرقي. يجب أن تتكون هذه اللجنة من كتاب و مثقفين مستقلين عن أي تأثير و أن يدار الحوار بشكل منظم وعلى عدة فترات، كل فترة تركز على موضوع معين.
وفي الختام، لا بد من تذكير المسؤولين بواجبهم الديني والوطني. فالله يغفر الذنوب جميعًا لمن تاب وأصلح، فلماذا لا نبدأ بالإصلاح؟ هل تعجزون عن وضع مصالح الوطن فوق مصالحكم الشخصية؟ هل حب الدنيا يجعلكم تنسون أن الحياة فانية؟ ليتكم تدركون أنّ العمل من أجل رفعة الوطن وإقامة العدل هو الطريق الأقرب إلى مرضاة الله ومغفرته. أصلحوا حال الدولة، ألا تحبون أن يغفر الله لكم؟
محمد محمود آبيه
cheabeih@yahoo.fr