الوزير الأسبق محمد فال ولد بلال يكتب : " ما أكرهني بك ياشيخ ، و ما أحلى لبن نعاجك !"

كان شيخ القرية موجودا وحاضرا بقوة في كل مكان. وهو الآمر والناهي بلا منازع. له "نعاج" حلوب تدر عليه بما تيسر من لبن رائب و وزبدة وجبنة. استقرت القرية تحت إمامته و بدنت النعاج رغم ما كان من جدب المراح وفقر الساكنة عموما.

 

وذات يوم، قرر الشيخ مغادرة المِنبر، فأعلن للجمهور نيته الخروج، ولكن أحدا لم يصدق قوله. أنكر الجميع قرار الشيخ. وتعالت الأصوات من كل مكان ما بين رافِض ومعترِض ومستهجِن. واجتاح القرية ضجيج و صراخ واحتجاجات غير مسبوقة. وارتفع ثُغاء النعاج و صياحها حزنا لفراق الشيخ وتشبثا ببقائه. ألم يكن أفضل من كل علف الدنيا ومائها و قثائها وفومها وعدسها و بصلها؟ بكى الجميع واشتكى وصلى وسجد وركع طلبا للتمديد والبقاء، لكن الشيخ رفض.

 

وما إن خرج حتى انتفضت جماعة من وجهاء القرية وقرروا محاسبته على أفعاله مدة إمامته. وهذا أمر محمود ومفيد، ولكن محاسبة الشيخ وضعت المصلين والناس أجمعين أمام مسألة عصية على الفهم عندما بدا وكأنه كان يُصلي منفردا.

 

أفضت المحاكمة إلى سجن الإمام وحده ومصادرة ممتلكاته. تخلى عنه الجميع. لم يعد يذكره ذاكر ولا يزوره زائر من أتباعه ومريديه. كان الأمر ليكون عاديا لولا أن القرية عادت من حينها إلى سابق عهدها. وظهرت النعاج بكامل ضرعها لتدر لبنا رائبا وزبدة وجبنة.
ولسان حال القرية يقول المثَل الشعبي: "ما اكرهني بيك يا شيخ، و ما احلى عندي لبن انعاجك"!

 

محمد فال ولد بلّال