بين يدي ضيف موريتانيا المؤرخ المغربي الدكتور حسن أوريد /بقلم عبدالحميد الرباني

في ظل عصر العولمة الجارف وتصدر الغوغاء للمشهد وبسط هيمنة التفاهة على كل أرجاء الحياة قادتني مساء أمس لحظة من لحظات الشغف العارم لمجالسة العقلاء لأن أتوجه مزهوا إلى موعد لقاء فكري وصف بالمفتوح مع أحد أكابر أساطين الفكر والثقافة والسياسة في عالمنا العربي والإسلامي من أمثال الكاتب والأديب والروائي ورجل الدولة الدكتور والمؤرخ المغربي حسن أوريد الذي أدهش الحاضرين في لقاء ممتع جمع في تناغم ملفت بين الفكر والسياسة حيث استطاع برؤيته الواضحة وفكره العميق وقراءته المتبصرة أن يستخلص عبر الماضي ويدقق مفاهيم الحاضر ويستشرف آمال وآلام المستقبل.

كنت -وأنا في الطريق إلى اللقاء- أحدث نفسي بلوم أنني ربما تأخرت بدقائق عن الموعد المعلن مما لم يتح لي فرصة وجود مكان يمكنني من خلاله الاستماع المباشر وعن قرب لأحد كبار المثقفين العرب ممن يشعر المرء وهو يستمع إليه أنه ممن يفكرون خارج الصندوق ويقرأون بتأمل ما خلف السطور لكن المفاجئة (حتى لا أقول الصدمة) أتت حين لاحظت وجود بعض المقاعد الشاغرة التي سيضطر المصورون لاحقا لمحاولة إعادة توازن الحاضرين بها لإخراج صورة تعطي انطباعا مغايرا لما في الواقع ولا أخفيكم أنني قد انتابني حرج شديد وأنا أقارن بين ذلك المشهد ومشهد آخر أشد إيلاما حين تخيلت في نفسي ما ذا لو كان الإعلان يتضمن حفلة لأحد كبار الفنانين أو نجوم الملاعب أو مشاهير السوشيل ميديا وكيف سيكون ازدحام الحاضرين لها ومستوى تفاعل الصفحات العامة والخاصة معها؟!

صدقوني لا شيء يحز في النفس أكثر من أن يحل ببلادك كنز من كنوز المعرفة وتكون بين ظهرانيك جوهرة من جواهر الفكر والعقلانية والأدب ممن تتطلع الكثير من النخب العربية -بل وحتى الغربية- لمجالستهم واستثمار فرص لقائهم ومع ذلك يقضي أياما بلياليها وهو يتنقل في عاصمتك الموسومة من طرف اليونيسكو بعاصمة الثقافة الإسلامية دون أن تسمع له ركزا أو ترى به احتفاء من قِبل حملة مشعل الوعي وذوي الاختصاص.

ملاحظة أخرى جديرة بالذكر رغم أنني كنت قد لاحظتها من قبل وما ازددت البارحة إلا إيمانا ويقينا بها وهي أن مثقفي المغاربة وساستهم وأئمتهم وأصحاب الشأن فيهم من أشد الناس تواضعا وعفوية وأكثرهم هضما للذات وبساطة للنفس وهو ما تجلى للحاضرين على هامش اللقاء من خلال مسلكيات قد يعتبرها البعض خروجا عن المألوف وما هي إلا نتاج لما يتمتع به القوم من نمط للتربية القائمة على التصالح مع الذات!