الحوار الساري أي نوع من الحوارات ؟

يثير الحوار الذي أطلقه الرئيس غزواني على نحو أقل زخما من تدشين جسر دار النعيم في حفل باهت حضرته عشرين شخصية تقريبا يثير تساؤلات عديدة مرتبطة بالأساس بطريقة الإعلان نفسه هل هذا هو الحوار الذي يعلق عليه الشعب الأمل في تمهيد الطريق للمستقبل الغامض؟
لقد شاهدنا بالفعل وليمة أقل من فاخرة وإعلانا أقل زخما وخطابا أقل عمقا بالنسبة للآمال المعلقة على الحوار .إنها انطلاقة تحدد نمطا أضعف حماسا وتأهبا لحدث من هذا المستوى .
وهكذا يكون من الإجباري طرح تساؤلات عن طبيعة هذا الحوار في ضوء السياق السياسي المختلف كما ذكر الرئيس في خطابه بالمناسبة أنه أي الحوار بعيد زمنيا من أي استحقاق ومع ذلك ظل الاطار الزمني للحوار وطريقة الانطلاقة لا يعكسان نفس الأهمية أيضا .
إذن مرة أخرى ماهو هذا الحوار ؟
لم يحسم لنا صاحب المبادرة الأمر بشأن الإجابة على هذا السؤال أهو حوار سياسي أم حوار وطني أي هل هو من وحي حاجتنا الوطنية أم من وحي حاجتنا السياسية ؟
الحاجة الوطنية تقود لعمل أوسع من الحوار مثل المنتديات التي تقوم على تأهيل المؤسسات وبناء الثقة فيها .
أما الحوار السياسي فهو الحوار الذي يرطب الجو السياسي بين النظام والمعارضة بين استحقاقين ،وعادة ما تدعو له المعارضة المهزومة كل مرة عقب الانتخابات لتصرف النظر عن هزيمتها وقد صار جزءا من مقتضيات اللعبة السياسية يقوم على أهداف تكتيكية توافقية تعتمد على حالة الظرف وتنتهي بمخرجات فولكلورية. ولدينا الكثير من أشكال هذه الحوارات ومن دون جدوى أي لم نحقق بها أي توافق سياسي ولا ثقة في المؤسسات
أما الحوار الوطني فهو عبارة عن وضع إطار استراتيجي يُدخل إصلاحات جوهرية على جميع الإشكالات السياسية في المجتمع يشارك فيها الطيف الوطني بروح انفتاح واستعداد وحماس لبناء الثقة في العملية السياسية ومخرجاتها وفي مصداقية واستقلالية ووطنية المؤسسات المرتبطة والقائمة على تسيير العملية السياسية ويجعل الجميع راضيا عن مشاركته في صناعة المستقبل ومرتاحا للنتائج والمخرجات ويعطي للعملية سياسيا طابعا من الراحة والاسترخاء بدل الشطط والتأزم .
لقد انطلق الحوار دون أن يحدد لنا صاحبه أي الحوارين هو المستهدف بهذا الحدث ،ومع ذلك فقد انطلق الحوار وهو يحمل مجموعة من الاختلالات التي لا تحيلنا بالضرورة لعمق الأهداف . ذلك أولا أن الجهة المنظمة لم تقدم بنية أو إطارا نظريا للحوار يحدد الأهداف العليا وفق المشاكل والتحديات كما تحس بها الدولة انطلاقا من معلوماتها المتراكمة عن الاقتصاد والسياسية والأمن والمجتمع والتحديات الكبرى والعقبات الأساسية والأولويات وما تثيره الأوضاع نفسها وما تثيره النخبة الوطنية من مخاوف على مستقبل البلد التي تمثل كلها مجتمعة حزمة المشاكل التي يجب أن تحدد الأهداف الوطنية التي يتعين الحوار الوطني بشأنها وتحميله مسؤولية كسبها .
الاختلال الثاني أن الحوار ليس عملية وطنية حسب الانطلاقة بل عملية حزبية والواضح حسب التجربة الانتخابية الوطنية أن الأحزاب لا تحرك الشارع الانتخابي ولاتملك شعبية قائمة على البرامج أي أن قوتها مرتبطة بالمال والبعد الاجتماعي والقبلي وهكذا لاتمثل الشرعية الوطنية للعملية التوافقية فلا يوجد أي خطاب حزبي بنيوي يملك شعبية في البلد بما في ذلك حزب الشعب الذي وصل في تحويرته المتتالية إلى حزب الإنصاف وبالتالي لا يمكن الاقتصار عليها في عملية وطنية بهذا الحجم وحوار يراد منه تأمين وحراسة المستقبل .
وهكذا ومن حيث المضمون لم يتم لحد الآن بناء محددات فكرية ولا نظرية لهذا الحوار من طرف الجهة المنظمة .
أما من حيث الشكل فقد تم اختيار منسق للحوار من بين أكبر الشخصيات الوطنية دراية بالساحة وتوازنا سياسيا وقدرة على إدارة الحوار لكنه أيضا شخصية من جيل الستينات التي رافقت نشأة الدولة حيث إثارة نفس القضايا التي ستكون أساسية في الحوار وشارك في معالجتها من موقعين موقع السلطة وموقع المعارضة فقد كان المنسق ضمن مجموعة سياسية وازنة كبيرة وتحملت مسؤوليات كبيرة في الدولة وظلت متماسكة إلي اليوم منها المرحوم محمد فاضل ولد الداه وبباها ولد أحمد يوره وعلي إبرا والداه ولد عبد الجليل وغيرهم. لم يساعد دور هذه المجموعة الأنظمة التي عملت في كنفها في حسم هذه القضايا كما أن دورهم في المعارضة لم يساعد على تطوير أية رؤية بشأن هذه القضايا وبالتالي يطرح السؤال عن ما هو الجديد في طبيعة الاختيار نفسه ، خاصة أنه جاء عقب فشل ذريع في إدارة الحوار السابق من طرف نفس المجموعة التي تحافظ دائما على روح الفريق .
فهل نتوقع من المنسق أن يمضي على فشلين لمجموعته الأول بشأن الحوار السابق والثاني بشأن مخرجات العملية السياسية الماضية التي كان يسيرها واحد من جماعته جماعة الأربعاء عبر اللجنة المستقلة للانتخابات. إنه في الواقع تقاعد محرج للجماعة ، خاصة إذا كان هذا الحوار في شكله الحالي لا يتوقع منه كسب الرهان نتيجة لضعف المنطلقات . ينضاف إلى ذلك المعضل الأهم وهو البون الزمني الشاسع بينه وبين من يملك المستقبل وسيحدده الشباب الذي يتجاوز 70% من الشعب الموريتاني وأغلبية الناخبين والذي شب عن الطوق ويملك رؤية مغايرة ومختلفة وقد طورها بعيدا عن هذه السياقات الفكرية والعملية والذي وجد نفسه خارج هذا الحوار ليس فقط بتعيين منسق لا يملك أي نفاذ إليه لكن بالانطباع بأنهم مقصيين من عملية تخصهم بالدرجة الأولى أكثر ممن ولى ظهره للمستقبل فهل على المنسق أن يبدأ بتسيير الفشل أولا من خلال السياقات المتعارضة للصياغة العامة لهذا الحوار ؟.
أما الشق الثاني المتعلق بالشكل فهو اختزال الحوار في الأحزاب السياسية التي حضرت دعوة الإعلان لوحدها وهي بالتالي أصبحت الإطار الوظيفي لهذا الحوار فهي قسمان أيضا أحزاب المعارضة أحزاب ضعيفة وانشطارية وتعيش انشقاقات ولم تستطع أن تطور رؤية داخلية فيما يتعلق بها لتحافظ بها على قوتها وتماسكها داخليا ولا أن تحصل بها على ثقة الشعب في البرلمانيات ولا رؤية تجمعها مع بعضها حول أهداف وطنية عليا أو تخلق خطوط توافق حول القضايا الأساسية والمصيرية للبلد ولم تطور رؤية للوطن. هذا بالنسبة للشرعية الجماهيرية والسياسية أما بالنسبة للإطار الفكري فإن أغلبها تأسس على مشكل التعايش وترأس الكثير من الحوارات وطرح قضية الانتخابات ومنذ تلك اللحظة لم يستطع أن يحقق تقدما في تلك القضايا لا على مستوى المخرجات ولا على مستوى المكاسب الذاتية ولا الوطنية فإلى حد الآن مازلنا بحاجة لحوار لحسم نفس المشاكل بما فيها مشكلة شفافية الانتخابات وهكذا تكون المعارضة لا تحمل شرعية الطيف الوطني المعارض ولا تجلياته الفكرية والمطالبية .
أما الطرف الحزبي الثاني فهو أحزاب الأغلبية وهي أحزاب نفعية في الغالب الأعم وهي حاشية للحزب الحاكم تملك برامج مسحوبة من الوراقات للاستجابة للإجراءات القانونية وتبيع الترشيحات ولا تملك أي استقلالية ولا أي رؤية للبلد ولا تدير أي شراكة سياسية واقعية صحيح أن هناك استثناءات لكنها ضئيلة على نحو لا يمكن التعويل عليه في تغيير مسار الحوار عكسا لرغبة الرئيس .
اما الطرف الثالث في الجانب الشكلي للحوار فهو الواجهة الحكومية لتنسيق هذه الحوار وهي وزارة الداخلية في العادة وقد راكمت من الفشل في الحوارات السابقة ما يكفي للتجهم فهي تعمل في ضوء انعدام التصور والشطط وقصور الرؤية وبالتالي ليست طرفا بعول عليه في الإضافة الايجابية .
وهكذا تبقى المسألة رهينة لما يريده غزواني الذي لم يكشف سوى عن أمور إجرائية بحته ، وبصفة عامة ليس العسكر هو الملهم بالأفكار الديمقراطية وهذه مشكلة حقيقة في كنف التقييم السابق للحالة العامة للأحزاب ومحيط هذه العملية لكن عاملين مهمين سيعملان بجد في تطوير العملية الأول مرتبط بالخوف على المستقبل في ضوء عدم القدرة على تثبيت أو ضمان وريث يختلف عن طريقة عزيز غزواني إنها عبرة لمن يعتبر والثاني مرتبط بحجم التفاعل مع العملية الحوارية نفسها ودرجة انفتاحها على الطيف الوطني الذي يقع خارج اللعبة حاليا من مبادرات شبابية وتنظيمات اجتماعية وسيطة ومراكز دراسات وأبحاث سياسية واستراتيجية من خارج الأحزاب ويبقى معضلة الحوار الحقيقة أيضا النائب بيرام لسببين موضوعي وغير موضوعي فموضوعي لأنه حصد المركز الثاني في الانتخابات الرئاسية للمرة الثالثة على التوالي ويسيطر على عقول الكثير من هذا الشعب بما في ذلك الغوغاء الذين يقعون رهن إشارته وهم مستعدون لحرق كل شيء من منطق مكافحة الظلم واستعادة الحق المسلوب كما يصور هو لهم بعيدا عن اي موضوعية أما الأسباب غير الموضوعية لأنه يبني نتيجة حتمية على نتيجته الانتخابية بأنه إجباريا هو الرئيس المقبل فقط لأنه ظل الثاني في الانتخابات وأن أي نقاش أو حوار لن يقر بذلك فلا أهمية له بالنسبة له ولضمان ذلك يجب أن تنتقل مفاتيح اللعبة إلى يده أو أغلبها لأنه هو الوحيد صاحب الشرعية السياسية الوطنية والأكثر شرعية على الأقل. إننا بين هذا وذاك نفقد البوصلة الحقيقية التي توجه الأمور حسب مصلحة البلد والشعب الذي يواجه تحدي الفناء .
من صفحة الإعلامي والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار