تواجه موريتانيا أكثر من خطر من خلال موجات الهجرة المتصاعدة، وبين تدفق هائل بسبب الأوضاع الأمنية في مالي، إلى تدفق أكبر بحثا عن العمل في موريتانيا إلى أمواج من الساعين إلى كسر أمواج المحيط الأطلسي باتجاه أوربا تعيش موريتانيا مخاطر أكبر من قدراتها وأكثر تأثيرا سلبيا على نسيجها المجتمعي.
اللاجئون.. محاضن إنسانية ومخاوف من الإرهاب
تحتضن موريتانيا أكثر من 300 ألف لاجئ من مالي ويتركز هؤلاء بشكل خاص في ولاية الحوض الشرقي، وخصوصا في مقاطعات باسكنو وعدل بكرو، ويتميز هؤلاء أيضا بتعددهم العرقي، وتواصل نزوحهم إلى البلاد.
وتخشى موريتانيا من أن تتحول بعض مناطقها إلى حدود للتجنيد خصوصا مع تدفق المئات من قومية الفولان التي تعتبر العنصر الأكثر تركيزا في تنظيم ماسينا المسلح المناوئ للحكومة المالية.
وخلال السنوات المنصرمة، فككت موريتانيا عناصر منتمية لهذا التنظيم أو متعاطفة معه في المدن الحدودية من الحوض الغربي، كما تواجه أيضا حالة من الترقب تجاه التنظيم المذكور الذي سبق أن وجه عدة رسائل مستفزة لموريتانيا من بينها مهاجمة مدينة انيور أثناء وجود والي الحوض الغربي ومستشار رئيس الجمهورية في المدينة لتقديم العزاء للشيخ محمدو ولد الشيخ حماه الله قبل أشهر، وإن كان البعض يقول بتحالف صامت بين ولد الشيخ حماه الله وهذه الجماعات.
المهاجرون السنغاليون ..مواطنون فوق القانون
يقيم في موريتانيا عشرات الآلاف من السنغاليين ويعملون في قطاعات مختلفة، وبشكل كبير يظهر هؤلاء مستوى عاليا من العجرفة تجاه القوانين في موريتانيا.
وتصل تحويلات السنغاليين من موريتانيا إلى أكثر من 300 مليار فرنك إفريقي سنويا، كما أنهم يتمتعون بمعاملة خاصة، حيث تمنح موريتانيا للسنغال سنويا مئات رخص الصيد المجانية، كما أنها أعادت توقيع اتفاقية جديدة مع السنغال سنة 2024 تسمح للسنغاليين بصيد أكثر من 50 ألف طن سنويا من الأسماك الموريتانية مع تفريغ 6% فقط من هذه الكميات في الشواطئ الموريتانية.
ومع مطالبة موريتانيا للأجانب بتسوية وضعيتهم القانونية في البلاد، يبدو المقيمون السنغاليون الأكثر حرصا على عدم الاستجابة لهذا المطلب، في تحد متواصل للسلطة الموريتانية.
وإلى جانب هؤلاء تمثل الجالية المالية هي الأخرى عنصرا أساسيا ومهما من الأجانب في موريتانيا، حيث يعملون في قطاع الزراعة والرعي والتنقيب والبناء، إضافة إلى عمال المنازل والمهن الحرفية.
وخلال السنوات المنصرمة، لوحظت ممارسات عنف وجرائم متصاعدة نفذها ماليون في موريتانيا.
ويمثل الماليون بشكل خاص عنصر استيطان مهم في الولايات الشرقية، حيث تمكن عدد كبير من هؤلاء من الحصول على الجنسية الموريتانية منذ الاستقلال إلى اليوم، وفي بعض الأحيان توجد أحياء كبيرة من أصول مالية في مدن من لعصابة والحوض الغربي وكيدماغا ولعيون
وعكس الجاليات الموريتانية في إفريقيا ومستوى إنتاجيتها وتأثيرها الفعلي في الاقتصاديات الإفريقية باعتبارها جاليات مهاجرة برؤوس أموال وصانعة لمستوى عال من التطور الاقتصادي في مهجرها، فإن الجاليات الأجنبية في موريتانيا وخصوصا الإفريقية هي جاليات عمالة يدوية بسيطة واستيطان عميق في القطاعات غير المصنفة، على حساب اليد العاملة الوطنية.
الأجانب وفوضى المخدرات
تربط المصالح الأمنية في موريتانيا بين تدفق الأجانب وانتشار المخدرات وخصوصا في الوسط المدرسي، وخلال عقد التسعينيات كان للأجانب الأفارقة دور أساسي في ترويج الخمور في موريتانيا، حيث كانت سيارات بعض السفارات الإفريقية تستخدم بشكل دائم لجلب الخمور من خارج البلاد، خصوصا أن أغلب هذه السيارات لا تخضع للتفتيش.
وبين الحين والآخر يعتقل عدد من الأجانب وخصوصا من دول غرب إفريقيا وهم متورطون في بيع وترويج حبوب الهلوسة.
وخلال الأِشهر المنصرمة ضبطت السلطات الأمنية شاحنة كيرة قادمة من مالي محملة بحبوب الهلوسة، وأشارت التحقيقات إلى ضلوع مالك الشاحنة وموزعين له في نواذيبو، ونواكشوط، من جنسيات مالية وغينية في هذه العمليات المريبة.
هل يمكن لموريتانيا إعادة ضبط الأمور
استطاعت موريتانيا خلال السنوات المنصرمة ضبط حالتها المدنية منهية بذلك فوضى استمرت عدة عقود، ومكنت عشرات الآلاف من الأجانب من الحصول على أوراق رسمية موريتانية وسمحت لهم بالإقامة أو الهجرة خارج البلاد.
إلا أن السلطات الموريتانية أظهرت مستوى كبيرا من التباطؤ والتراخي في معالجة ملف الهجرة، بل أصبح الأمر مصدر ثراء للمهربين الذين يظهر بينهم بين الحين والآخر رجال أمن وشخصيات يفترض أن تكون بعيدة من الإضرار بمصالح شعبها، كما أن ترحيل الأجانب إلى حيث أتوا مثل مصدر ثراء هائل لعدد من شركات النقل خلال السنوات الأخيرة، وتبدو هي المتضرر الأول من تنظيم نقل الأجانب
خطر كبير ولكن..
تظهر أحداث العنف التي مارسها مهاجرون أفارقة في عدد من دول المنطقة، وخصوصا في المغرب والجزائر وتونس وليبيا، حجم الخطر الذي يتهدد موريتانيا، حيث يمارس هؤلاء العنف والاعتصام داخل المباني السكنية وإحراق المنشآت ردا على منعهم من الاستيطان أو منعهم من العبور إلى الشواطئ باتجاه أوربا.
ويمكن ملاحظة الممراسات غير المسؤولة التي اقدم عليها رعايا ماليون أثناء ترحيلهم ضد إحدى النقاط الحدودبة الموريتانية.
وقد يبدو عملا من هذا القبيل تهديدا فعليا للأمن الموريتاني الهش، وغير القادر على مواجهة تطور الأمور في حال ما إذا خرجت عن السيطرة لا قدر الله.
يعيق موريتانيا عن الصرامة في تطبيق القانون، فضلا عن البيروقراطية الإدارية، وجود جاليات موريتانية في افريقيا حققت نجاحات معتبرة حيثما حلت، وبالتالي فتجربة أحداث 1989، التي قضت على ممتلكات الموريتانيين في السنغال، وما يحدث من النهب والسلب في هذه البلدان بسبب أو بدونه، وصعود تيارات شعبوية يمكن أن تعلق شماعة فشلها على الخارج والأجنبي، كلها أمور تجعل الدولة الموريتانية " تداري" الحكومات الإفريقية وتغض الطرف عن كثير من الأعمال المستفزة والوقائع المخالفة لصحيح القانون، وكذا الحملات الإعلامية التي لاتنقطع إلا لتستعر.
ويجب التذكير أن رئيس الحكومة السنغالية الحالي بنى خطابه الانتخابي على فرضية أن الجنوب الموريتاني داخل في حوزة السنغال الترابية.
ومع ضرورة المضي قدما في محاربة الهجرة غير الشرعية والصرامة في إلزام الأجانب باحترام قانون البلد المضيف، فلا ينبغي السير في طريق التحريض على الأجانب والمهاجرين غير الشرعيين في موريتانيا خصوصا في ظل التزامات غامضة وغير منطقية من موريتانيا بتسهيل إقامة المهاجرين وتوفير فرص للعيش الكريم ومنع أسباب الهجرة، وهو ما يعني بشكل حرفي تحول نواكشوط إلى حارس للشواطئ الأوربية، حتى وإن أكد وزيرا الخارجية والداخلية أنها لن تكون كذلك، فهي قد أصبحت بالفعل أحد الحراس في مواجهة هجرة تنتظم آلاف الوافدين من آسيا وملايين العابرين من إفريقيا.
ومع الضغط على المعابر الحدودية التي تمثل اقصر طريق إلى أوربا( الطريق الوحيد الآمن )تبدو نواكشوط الخاسر الأكبر في موضوع الهجرة، فلا الأوربي وفى بماعاهد عليه، من أموال ومزايا، إذا استثنينا يضع سيارات.. ولا دول الجوار متعاونة في حماية الحدود، ولا أجهزة الدولة متحفزة لصد الغزو القادم من الجنوب.