غزوة بدر الكُبرَى …عز الدين بن ڭرَّاي بن أحمد يورَ

تَحلُّ اليوم ذكرَى غَزوة بدرٍ الكُبرَى التي دارَتْ أحداثُها صبيحةَ يوم الجُمعَةِ سابعِ عَشرَ رمضانَ مِنَ العامِ الثانِي لِهِجرَةِ النبي صلى الله عليه وسلم للمَدِينة. ولا يَخْفَى ما لهذه الغزوة مِن مكانَةٍ في التاريخ الإسلامِي باعتبارِ ما حصل فيها من فتحٍ ونصرٍ للمسلمين. وقد تعددت أسماء غزوة بدر الكُبرَى وتنوَّعت أوصافُها، فهي العذابُ واللِّزامُ والبطشُ والانتقامُ والفُرقانُ والنصرُ. وكما يقولون، كثرة الأسماء تدل على عِظَمِ المُسَمَّى. وَبدرٌ في الأصل اسمُ رجلٍ مِن قبيلةِ غِفار كان قد حفرَ بئرَها قديماً.

وقد ورد ذكرُ هذه الغزوة في القرآن الكريم وفي الأحاديث النبوية وفي السيرة المُشرفة، وتغنَّت بما كان فيها من النصر العامةُ والخاصةُ ولهَج به الكبير والصغير.

وقد وضعَ الوالِدُ رحمةُ اللهِ عليه نظماً طويلاً أوصلهُ لِما يناهزُ أربعمائة بيتٍ، ذَكَرَ فيهِ مَنْ حضرُوا بَدراً، وقد رتَّبه على الحروف الأولى من أسمائهم، كما وضعَ شرحاً مُستفيضاً على أوّلِ نظمه المذكور حقّقَهُ أحَدُ أفرادِ الأسرةِ في إطار رسالة تخرُّجٍ جامعيةٍ.

وقد قالَ في مقدمة هذا الشرح إنه اعتمد في نظمه لأهلِ بدرٍ على “نظمِ الوَلِيِّ الكبيرْ والعلامةِ الشَّهيرْ شَمْسِ زمانِهْ وإنسانِ عَينِ أوانِهْ الذِي لا يُدْرَكُ شَطُّ بَـحْرِهِ الزَّاخِرْ ولا يُوصَفُ ما تَحلَّى بهِ مِن المفاخِرْ : الشَّيخ مُحمد المَامِ بن البُخارِي بن حبيبِ الله بن بارِكَلَّ بن بازيْدْ بن يعقوب الشَّمشوِي تغمَّدهُ اللهُ بِرَحماتِهْ وأعادَ علينا وعلى المُسْلِمِينِ مِن بَرَكاتِهْ”، وقد أشارَ في مقدمة الشرحِ إلى أنَّ الشيخَ مُحمْد المامِ ذكرَ في نظمِهِ كُلَّ مَن قِيلَ بِحُضورِهِ بَدراً ولو على قولٍ ضعيفٍ، فزادَ لأجلِ ذلكَ بِكثيرٍ على عددِ أهل بَدرٍ المُتعارَفِ لَهُم وهوَ ثلاثُمائةٍ وثلاثةَ عَشَرَ، لِذلكَ أشارَ أنه تركَ في نظمِه بعضَ مَن ذكرَه الشيخ محمد المامِ في نظمهِ لِعِلمِهِ بالقرائنِ القطعيةِ أنه ليس مِن أهلِ بدرِ مثلَ كَعبِ بن مالِكٍ الأنصاريِّ السَّلميِّ أحَدِ الثلاثةِ الذينَ خُلِّفُوا في غزوةِ تَبُوكَ، لأنه هو نفسُه ذكرَ أنه لم يحضُرْها في سردِهِ لِقِصَّتِهم كما رواهُ عنهُ الإمامُ البخاريُّ. ونظمُ الشيخُ مُحمْد المامِ لأهل بَدرٍ هو نظمٌ طويلٌ يقول في أولهِ:

بَيْتاً لِكُلٍّ منهمُ بَنَيْتُ
يَحُفُّهُ مِنَ الجِنَانِ بَيْتُ

وقد أشار الوالدُ رحمة الله عليه في مقدمة الشرح أيضاً أنَّ جُلَّ اعتمادِهِ في شرحِه لِنظمِهِ لأهلِ بَدرٍ كانَ على شرحِ العلامةِ الوَرِعِ “زَيْنِ العابدينَ” عَلَماَ وصِفَةً ابن مُحِمَّذِنْ بن اجَّمَدْ الذي وضعَهُ على نظمِ الشيخِ مُحمْد المامِ السَّابقِ ذِكْرُهُ، وأضاف في الكلامِ على العلامةِ زَينْ : (( وكانَ زَيْنْ هذا آيَةً مِن آياتِ اللهِ في العِلْمِ والوَرَعِ، ومِن وَرَعِهِ رَفضُهُ لِسُكْنَى آبارِ إيڭِيدي الطويلةِ تَورُّعاً عن ذلكَ الماءِ الذي رُبَّما نُزِعَ على دوابِّ الغيرِ ورُبّما حُمِلَ عليها، فسكَنَ السَّاحِلَ الذي مِياهُهُ قريبةٌ تُنْزَعُ علَى الأيْدِي حتَّى تُوفِيَ رَحِمَهُ اللهُ تعالَى. وقد برَّزَ زَيْنْ هذا فِي كُلِّ الفُنونِ وبالأخَصِّ في عِلمِ الأصُولِ والسِّيرَةِ وما يتعلَّقُ بالقُرآنِ، ولهُ تصانيفُ مُفيدةٌ وأنظامٌ عديدةٌ. تُوفِي زَيْنْ هذا عامَ ثمانٍ وخَمسينَ وثلاثمائة وألفٍ عن إحدَى وثمانِينَ سنةً، قال ابنُه المختارُ الأديبُ الذي تُوفِيَ بعدَهُ بِقليل مُؤرِّخاً لِوَفاتِه ورامِزاً لِقَدْرِ عُمْرهِ  :

فِي حَنْشَسٍ زَيْنٌ غَدَا بِرَمْسِهِ
وَثَلْمَةٌ فِي الدِّينِ مَوتُ جِنْسِهِ

“أُفٍّ” لِدَهْرٍ عُمْرُهُ فيهِ انْقَضَى
وَوَاجِبٌ عندَ انْقِضائِهِ الرِّضَا ))

ونظمُ الوالِد لأهلِ بدر موجودٌ بِخطِّه وبِخُطوٍطٍ أخرَى ومتوفرٌ بالإنشادِ الجَميلِ لقارئِ الإذاعةِ الوطنية الأخ مُحمدْ لَغْظَفْ بن محمدْ سِيدِي حفظه الله ورعاه، وسأقتصر منهُ في هذه الرمضانية على مُقدمته التي مَهَّدَ فيها للنظمِ كما أنه أفردَ فيها رسولَ الله صلى الله عليه وسلم والعشرةَ المشهود لهم بالجنة بالذكر، قبل الدخولِ في ترتيب بقيةِ أهل بدر على الحروف. وجديرٌ بالإشارةِ أنَّ سيدناَ ذا النُّورَينِ عُثمانَ بنَ عفَّان رضي الله عنهُ تَخَلَّفَ عن بدرٍ لأنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلَّم خلَّفَهُ على ابنتِهِ رُقيةَ يُمَرِّضُها فجاءَ زيدُ بنُ حارِثَةَ بشيراً بِما وَقَعَ مِنَ الفتحِ والنَّصرِ بِبَدْرٍ، فصادَفَ عُثمانَ قائماً على قَبرِها، وأقْسَمَ له النَّبيُّ صلَّى الله عليهِ وسلَّم في الأجْرِ والمَغْنَمِ، فَهُوَ كَمَنْ شَهِدَها بِلا فَرقٍ، وهذه مُقدّمَةُ النظم :

دُونَكَ نَظْماً حَوْلَ أهْلِ بَدْرِ
يَدُورُ ساطِعاً سُطُوعَ البَدْرِ

يا حَبَّذَا القومُ الذِينَ حازُوا
مَراتِباً فِي الفَضْلِ لا تُحَازُ

نالُوا عِنَايَةٍ مِنَ الرَّحمانِ
قادَتْهُمُ لِلْأمْنِ والأمانِ

قدْ بذَلُوا نُفُوسَهُمْ لِلَّهِ
والنَّاسُ بَيْنَ الكُفْرِ والمَلَاهِي

وَنَصَرُوا الإسْلامَ والإسلامُ
فِي غُرْبَةٍ حفَّ بِها الظَّلامُ

قابَلَهَمْ مِنْ رَبِّهِمْ رِضْوانُ
وَجَنَّةٌ خازِنُها “رِضوانُ”

ثُمَّ الصلاةُ مَعْ سلامٍ نامِ
علَى الشَّفِيعِ سَيِّدِ الأنامِ

وآلِهِ وَصَحْبِهِ والمُـنْـتَهِجْ
مِنْهاجَهُمْ مِنْ كُلِّ حِبْرٍ مُبْـتَهِجْ

وبَعدُ فالمقصُودُ نظمٌ لامِعُ
فِي أهْلِ بَدْرٍ يَـشْـتَهِيهِ السَّامِعُ

آثَرْتُ سَهْلَ القَوْلِ في ألفاظِهِ
لِيَسْهُلَ النَّظمُ على حُفَّاظِهِ

ومَا بَسَطْتُ القَوْلَ فِي المَناقِبِ
مَخافَةً مِن مَلَلِ المُراقِبِ

بَلْ جِئتُ بالأسماءِ للتَّبَرُّكِ
بِهِمْ لَدَى السُّكُونِ والتَّحَرُّكِ

والقَوْمُ حَسْبُهُمْ مِنَ المَناقبِ
قَولُ النَّبِيِّ الهاشِمِيِّ العَاقِبِ

حاكٍ عَنٍ اللهِ : اعْمَلُوا ما شِئتُمُ
يا أهْلَ بَدْرٍ قد غَفَرْتُ لَكُمُ

بَعْدَ اطِّلاعِهِ عَليهِمْ جلَّا
رَضِيَ عَنْهُمُ الإلهُ كُلَّا

وإنْ أرَدْتَ الفَوْزَ فِي الدَّارَيْنِ
وَكَشْفَ ما يَعْلُو الحِجَا مِنْ رَيْنِ

فاسْتَفْتِحَنْ بِذِكْرِ طهَ الفاتِحِ
تَظْفَرْ مِنَ الخَيْرَاتِ بِالمَفَاتِحِ

شَمْسِ الوُجُودِ دُرَّةِ الأكْوانِ
عليهِ صَلِّ عَدَدَ الثَّوَانِي

يا رَبَّنَا وَسَلِّمَنْ تَسْلِيماَ
وَلْتَقِنَا عَذابَكَ الأَلِيمَا

يا رَبِّ بِالعَتِيقِ ثَانِي اثْـنَيْنِ
وبِأبِي حَفْصٍ وَذِي النُّورَيْنِ

وبِأبِي الحَسَنِ والحُسَينِ
أزِلْ عَنِ القُلُوبِ كُلَّ رَيْنِ

رَبِّ بِطَلْحَةَ سِراجِ تَيْمِ
وبِالحَوارِيِّ أبِيِّ الضَّيْمِ

اغْفِرْ لَنَا الذَّنُوبَ واكْشِفِ الكُرَبْ
وَهَبْ لَنَا مَا نَـبْـتَغِي مِنَ الأرَبْ

أَمِّنْ بِسَعْدٍ وَسَعِيدٍ خَوْفِي
وَعَابِدِ الرَّحْمَانِ نَجْلِ عَوْفِ

وبأبي عُبَيْدَةَ الأمِينِ
أَمِينِ هَذِي الأمَّةِ الثَّمِينِ

ثَبِّتْ لَنَا يا رَبَّـنَا الإيمَانا
وَهَبْ لنا مِن نَزْعِهِ إيمَانَا

ومما يُناسبُ ذِكره هنا أن غزوةَ بدرٍ حضرها ثلاثُمائةٍ وثلاثةَ عَشَرَ مِن المسلمين كما تقدمَ،  ثلاثةٌ وثمانون مِنهُمْ مِنَ المُهاجرينَ، وواحدٌ وسِتُّونَ من الأوْس، ومائةُ وسبعونَ مِن الخَزرَجِ، وقد أشارَ إلى ذلك بأسلوب بديع، استخدمَ فيه حِسابَ الجُمَلِ، فضيلةُ القاضي محمذن “سَيْلُومْ بن محنض بابَ بن المزرُوفْ الدَّيمانِيُّ أطال الله بقاءه، في نظمه المُتَفَرِّد “قُرَّةُ العَيْنَين في غزوات سيِّدِ الكَونَينْ”، فقال :

وأهل بَدْرٍ عَدُّهُمْ “يَسُدُّ”
بابَ المَخُوفِ والعِدَى يَصُدُّ

فَبِالمُهاجِرينَ سَيْلُ الغَيِّ ” جَفْ”
وارْتَجَّ طَوْدُ البَغْيِ مِنهُمْ وَرَجَفْ

والأوْسُ مَن حَضَرَ مِنهُمُ “نَجَحْ”
وَبِهِمُ الرُّشْدُ علَى الغَيِّ رَجَحْ

وَسَجَّل الخَزْرَجَ إذْ جَاؤُوا “قَلَمْ”
نَصْرٍ وَزَالَتْ بِهِمُ دُهْمُ الظُّلَمْ

اللهم يا ناصرَ نبيِّكَ يومَ الفُرقانْ انصُر الإسلام والمسلمين في كل مكانْ.

تقبل الله صيامنا وصيامكم وقيامنا وقيامكم وضاعف لنا ولكم الأجر.

عز الدين بن ڭرَّاي بن أحمد يورَ