إنه عالم مابعد الحرب العالمية الثانية يتغير بجنون، فهل استشعرنا ذلك !؟ ليس ترامب هو المجنون بل القوة هي المجنونة إنها تدفع العالم لتغيرات لم تكن محسوبة ترامب نفسه يحيط نفسه بمجموعة كبيرة من العلماء لكي يتماشى مع تطور القوة نفسها التي يخلقها التطور التكنولوجي الذكاء الاصطناعي وتطور الحربي الصناعات الحربية ويريد أن يحافظ على دولته في القمة وبجعل العالم الآخر مرتبط به وفق قواعد يريد صناعتها مجددا وهكذا فإنه يدفع لتغيرات متسارعة وكبيرة ستحدث في العالم .
التغيرات الكبيرة تأتي بمقتضيات جديدة وأوضاع مختلفة والدول التي لاتبني تصورا بديلا أو لا تملك استراتيجية كبرى دائما تتعقد وضعيتها سوءا ، لكن الأسوا من ذلك أن موقعها سيتراجع والفرص التي كانت متاحة لها ستختفي لأن القواعد الأساسية تغيرت ستتطلب وقتا أكثر لكي تلتحق بالنظام الجديد إنها ستبقى من دون أن تجد من يمد لها يد العون فالكل مشغول بموائمة نفسه مع النظام الحديد حتى من كنا نعتقد أنهم أقوياء ! . إن بلدنا في هذا الوضع سيرجع لوضعيته في تسعينيات القرن الماضي حيث باع مخزونه من الصيد ب 40 مليون دولار للاتحاد الأوروبي وكان يحصل فقط على 2% من معادنه وذلك بسبب تخلفه وضعفه وفقره وحاجته الماسة للعملة الصعبة لكي يوفر القوت اليومي لشعبه .إنه اليوم يملك الفرص لبناء قوة ذاتية تجعله قادر على تغيير شروط المفاوضات فعندما لأيكون بحاجة ماسة إلى استيراد كل شيء ويكون له قاعدة اقتصادية فإنه سيحافظ على كل الفرص التي أتيحت له ويتمكن من الحفاظ على قوة وأهمية موقعه الجيوسياسي لمصلحته ولتنمية اقتصاده .
نحن لسنا مستهدفين، كدولة، بجنون العظمة الذي يتخطف اترامب، لكننا مستهدفين من تغيير النظام الدولي مستهدفون ضمن المنظومة الدولية نفسها ومجموعاتنا العربية والإقليمية وضمن تغيير المفاهيم والقواعد التي كنا نتعامل معها ، وبالتالي نحن في مرمى مدافع اترامب من مسافة قريبة جدا. فهل من المناسب أن نظل ننظر إلى الحوار وتآزر وغيرها على أنها مشاريع عملاقة واستراتيجية للبلد في هذه التيارات المتأزمة التي ستؤثر على الغذاء والأسعار بشكل يفوق كلّ طاقتنا الشرائية ودخلنا …ونترك التخطيط الذي هو أساس بناء الدول ونقلها وتحضيرها لمراحل أخرى أم سنفكر في مستقبل بلدنا انطلاقا من هذه الزاوية .
إن البلد بحاجة لوضع أولويات تتعلق ببناء قاعدة اقتصاد وطنية تقوم على استيعاب كل أبنائه في العمل وتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الأمن الغذائي (الصيد والزراعة والتنمية الحيوانيّة ). هذه القطاعات الثلاثة يمكن أن تنهض بالبلد وتحرك كل عمالته، بل ستجعله يخفف من انعكاسات الهجرة وضغطها على سلة عذائه التي يأتي بها من الخارج وأن يستوعبها في تطوير البلد. ليس بالأمر أية مبالغة . فباستطاعة قطاع الصيد، في ضوء السياسات الناجحة مثل التي تنتهج المغرب، أن يوظف مليون شخص بدل 130 ألف حاليا. وبإمكان التنمية الحيوانية، عندما يتم تثمين القطاع بإنشاء مزارع للتربية الحيوانيّة وصيانة المراعي وتوسيعها واستصلاحها ونشر نقاط المياه وإنشاء مصانع للجلود والحليب ومشتقاته واللحوم، أن يضاعف من استقطاب العمالة التي تصل ل 120 ألف حاليا . كما يمكننا، عند استصلاح المساحات الزراعة التي نستغل منها حاليا 1/8 فقط وتذليل العقبات الرئيسية المتعلقة بالتخزين والنقل وتوسيع الأسواق، أن نستقطب جميع من هو في سن العمل، فأغلب ولايات البلد بها أراض زراعية شاسعة ومن الواضح حسب تجربتنا في تصدير بعض المنتجات الزراعية أن محاصيلنا بجودة عالية نتيجة أن الأرض بكر وتستغل القليل من المواد الكميائية .
إن الطاقات المالية للبلد لا تركز على سياسية وأهداف محددة نتيجة لانعدام استراتيجية كبرى يتم تنسيق وتعبئة جميع الخطط والبرامج لخدمتها في خط ناظم واحد ،بل إن طاقات البلد مهدورة في توجهات متضاربة وكثيرة وغير منسجمة، وكذلك التمويلات والديون من الدول الشقيقة وصناديق التمويل والبنك الدولي: مؤسسة الارهاب الاقتصادي العالمية التي يذهب ثلث تمويلاتها في الدراسات وثلث في خدمة الديون وثلث في مشاريع هي من تختارها في الغالب وفق سياستها المعدة مسبقا كي تظل الدول في وضعية الاستدانة، لأن المشاريع التي تفرضها لا تدخل في تطوير الاقتصاد الحقيقي : الصناعة والزراعة ولا في تطوير البلد ولا في الصحة ولا تستفيد منها الدولة في توجهاتها العميقة، بل تظل تفرض توجيه تمويلاتها إلى مشاريع دائما وهمية مثل تقوية الأداء ودعم التوازن المالي ومشاريع عديدة من هذا النوع عكس ما نحن بحاجته حاليا وهو التوجه نحو بناء قاعدة اقتصاد استراتيجية .إن هذه الاستراتيجية ستدعم الصناعات والاقتصاد لأنها قطاعات أساسية وحقيقية .مساحتنا الزراعية صارت مخصصة لزراعة البطيخ في حين نواجه نقصا في الخضروات وفي الدواجن وفي اللحوم وفي البيض وفي الزيوت وفي الألبان الكثير من المستثمرين جاءنا يحمل الخبرة والمال من أجل ذلك الهدف كما يعني ان ارضنا صالحة لذلك .كبرى الشركات الاجنبية العاملة في البلد والتي تستهلك كميات كبيرة من هذه المواد تستوردها من الخارج إننا نملك المواد الأساسية لتطوير كل تلك القطاعات وصناعاتها بل هناك تجارب ناجحة في المجال متاحة لنا وهناك مشاريع جاهزة وتصلح لبلدنا .
إن التوجه الوطني الذي سيمكننا من حماية الوطن والمواطن، هو خلق وظيفة ودخل ومأكل لكل شخص، وأخذه من حالة الفراغ هذه التي تسببها البطالة والتي تفضي لهذه الهرطقات في الفضاء الإلكتروني لأن الناس لا تملك عمل . إن هذا متاح لبلد من أربعة ملايين شخص. وهذا يتضمن سياسية محاربة الفقر والتهميش، ومحاربة انعكاسات الرق، والغياب في النمو الاقتصادي الذي ارتبط به. بالإضافة للتمييز الايجابي من خلال مضاعفة الفرص وتقليل الشروط وتوفير الدعم الأولي للشرائح التي عانت من التهميش .
لو كان الأمر بيدي، لوجهت ميزانية تآزر لتنمية الزراعة في البلد من خلال تأسيس البنية الأساسية للزراعة بمبلغ 40 مليار بالتداول بين الولايات كل سنة توجه لولاية معينة أو توزيعها بين الولايات في هذه المشاريع سيتحقق أكثر من طموح تآزر بالنسبة لمحاربة الفقر وتوسيع فرص النفاذ إلى العمل ،و لوجهت كل أموال والدخول الجديدة للبلد في تنمية وترقية قطاع الثروة الحيوانيّة، فهي الطامة الكبرى حيث تعيش مواشينا 9 إلى 10 أشهر من السنة وبعضها يبقى الزمن كله بين أرض مالي والسينغال، وأكثر من ثلثين من الماشية يعيش في مالي المضطربة والتي تشهد علاقتنا معها تذبذبا وعدم فهم للأهداف النهائية لحكومة مالي التي تعمل وفق أجندة خارجية بين دول عظمى، كما أن علاقتنا بالسينغال جيدة لكنها تظل علاقة بين دول لها مصالح متشابكة ومتأثرة بالوضع الدولي، وبالتالي لابد من نظرة عميقة للبحث عن تصور عام يكون بديلا عن هذه الحالة . إننا لن نتمكن في لحظة واحدة من استيعاب مواشينا خلال أزمة طارئة مع أي واحدة من هذه الدول وستتحول هذه الثروة إلى نقمة و أما بالنسبة للصيد فلا يحتاج سوى لرفع يد النافذين والدولة العميقة عنه . وما لم تتم إزاحتهم عن حماية المستنزفين الأجانب للقطاع الذين يلجونه من خلال الشراكة الصورية أي النظام الوطني للسفن ، وأكل كل ريعه دون أي تثمين، أي نقله خاما للخارج، وإجراء الصناعات الأساسية والتحويلية له خارج البلد ودعم اقتصاديات البلدان الأخرى على حساب بلدنا ، وحمايتهم من الخضوع للرقابة، وعدم تنفيذ دفتر الالتزامات، إن القطاع لن يتطور أبدا ولن يخرج من هذه الحالة التي تنزل بها للقاع كل سنة وتلتهم التراث الوطني منه . فحاجة قطاع الصيد هي فقط تنفيذ القوانين، فهو يملك تمويلا ذاتيا وليس بحاجة لتمويلات عندما يتم اخضاع الجميع للقانون .
. كما أننا لن نتمكن من البقاء أمام هذه التغيرات المدفوعة بالتحديات التي تواجهنا بقوة
أعتقد أن هذه فرصة للتفكير في المستقبل وتوجيه الأموال والاتفاقات والديون وتوجهات الدولة لتنمية هذه القطاعات. إنها عملية سهلة، وقد لا تؤثر على ميزانية البلد والمشاريع الأخرى لكنها أيضا تعد مظهرا من مظاهر الوعي بالوضع الدولي وحسابه .
إننا بحاجة أن نعتمد على أنفسنا وعلى عمل جاد نحن من نصنعه ، لا على هدايا من أي أحد وهو ما يعني تركيز الجهود على إنجاز أمورنا بثقة ذاتية ثابتة وعزم قوي ،يكفينا فقط روح القيادة المقتنعة بذلك ..
الإعلامي والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار