الصوفي الشيباني: عملية الدرك ضد المخدرات تخفي من المخاطر أكثر مما تظهر من الاطمئنان

رغم أن ما تم الإعلان عن ضبطه من كميات كبيرة من حبوب الهلوسة والأدوية المحظورة والمتاجرة بالسلاح وتزوير العملات وإلقاء القبض على شبكة من الأفراد المتورطين في ذلك، يعتبر نجاحا مهما يستحق الإشادة، إلا أن السؤال الذي يتبادر للأذهان هو كيف يتشجع أفراد هذه الشبكة على الأقدام على عملية بهذا الحجم أشهرا قليلة فقط بعد ما أثير من معلومات عن حجم تجارة المخدرات في البلاد وما يرتبط بها من غسيل الأموال وتزوير العملات وتجارة الممنوعات وغيرها من الجرائم المشابهة؟ وكيف لم يؤثر التحقيق الذي أجري حينها على قدرة تلك الشبكات على الاستمرار في جرائمها وبهذا الحجم والخطورة غير المسبوقين على الأقل في ما هو معلن؟
والجواب بلسان حال أفراد تلك الشبكة هو أن سرعة إغلاق ذلك الملف دون تحديد مصادر الأموال التي ثار الجدل حولها ودون إنزال أي عقوبة بالمسئولين عن تحويلات الأموال بمبالغ هائلة من الخارج وبطرق غير قانونية، ودون اتخاذ أي إجراء بخصوص تلك الأموال، قد بعث برسالة غير مشفرة لأصحاب شبكات المتاجرة بالمحظورات ومروجي السموم بأن الإفلات من العقوبة ممكن.
ليس هذا تشكيكا في مصداقية ذلك التحقيق، وإنما هو تنبيه إلى أن مآلاته وما رتب على نتائجه من إجراءات يبدو أنه فهم  منه أصحاب شبكات الإجرام وأعداء الوطن أن تجارة المخدرات والمواد المحظورة وتبييض الأموال قد وصلت مستويات باتت معها عصية على المواجهة.
وللأسف فإن ما تم الإعلان عنه من خلال عملية الدرك وبيان النيابة العامة حتى الآن يخفي في طياته من المخاطر أكثر مما يحمل من بواعث الاطمئنان، وذلك للاعتبارات التالية:
1.أن وصول الأمور لهذا المستوى يعني أن ما تم العثور عليه هو مجرد جزء من كل وليس هو كل شيء. فالمنطق والراجح  هو أن هنالك عمليات أخرى مشابهة لم يتم ضبطها في الماضي، حيث لا يمكن أن تصل الأمور إلى هذا المستوى دفعة واحدة، بل إنه قد تكون ثمة عمليات أخرى جارية الآن ما زال أصحابها قادرون على حماية أنفسهم.
2. أن وصول هذه الكميات الكبيرة والخطيرة من المخدرات والمواد المحظورة إلى قلب العاصمة وتخزينها دون كشفها عند مداخل البلاد يطرح سؤالا كبيرا حول فعالية المراقبة الأمنية على المداخل، كما أن اكتشافه إن كان تم فعلا بفضل بلاغ من استخبارات دولة أجنبية فإن ذلك يؤكد مرة اخرى عدم جاهزية اجهزتنا الأمنية والاستخباراتية وحاجتها للمزيد من المهنية والتكوين والوسائل حتى تكون على مستوى التحديات التي تواجه البلاد.
3.أن حجم ونوعية وخطورة المواد المضبوطة تشير كلها إلى أن اصحاب الشبكات الإجرامية باتوا يشعرون بدرجة من الأمان و القدرة على تهيئة الأجواء لأنشطتهم الإجرامية، حيث أنهم لو كانوا يتوقعون مثل هذا المصير الذي آلت إليه الأمور لما أقدموا على فعلتهم بهذا الحجم وبهذا التحدي السافر للدولة ولكل أجهزتها.
4. ان حجم وخطورة المواد التي تم ضبطها يدل على أن المخدرات والأدوية المحظورة قد انشرت وتغلغلت في اوساط المجتمع واصبحت تتوفر على سوق كبيرة من الباعة والمروجين والمشترين والمستهلكين وموفري الحماية والملاذ لكل أولئك، ما يؤشر إلى حجم الخطر الذي بات يتهدد المجتمع وينذر بتدمير منظومته القيمية ومستقبل أجياله.
5.أن نمط التعامل في الفترات الماضية مع تجار المخدرات والسموم والأدوية المحظورة وغسيل الأموال وتزوير العملات وتهريبها وغير ذلك من الجرائم، هو الذي أعطى الأمان لأصحاب هذه الشبكات وجعلهم يدبرون جرائمهم وكأن لديهم مظلة من الحماية توفر لهم الأمان ما جعلهم يأمنون العقوبة.
فأي خطر يا ترى أكبر من يصل بلد ما إلى الدرجة التي يصبح معها المجرم يشعر بالأمان ولا يأبه بقوانين البلاد وأجهزتها الأمنية والقضائية؟
إن التعامل مع هذا الملف يستوجب الصرامة والحزم وإنزال العقوبة الرادعة في حق كل من يثبت ضلوعه في هذه الجرائم بغض النظر عن موقعه الوظيفي اومكانته الاجتماعية أو مركزه المالي أو الاقتصادي، وإلا فإن البلاد ستصبح ملاذا آمنا لتجار المخدرات والأدوية المحظورة وتهريب السلاح وتزوير العملات وغسيل الأموال، و حينها يوشك أن تستأسد الشبكات الإجرامية وتصبح متحكمة في بعض الأوساط الأمنية والسياسية والاقتصادية و الوظيفية وهو ما يعني لا قدر الله أن المافيا وعملاءها سيصبحون  هم أصحاب الكلمة الأولى في البلاد.