الذكاء الاصطناعي: ثروة العالم الجديدة ومحطة التحول الرقمي في موريتانيا

في عالم يتحرك بسرعة الضوء نحو الثورة الصناعية الرابعة، يُنظر إلى الذكاء الاصطناعي اليوم على أنه ثروة العالم الجديدة، ومحور التنافس الحقيقي بين الأمم. فلم يعد مجرد تقنية متقدمة أو ترفًا أكاديميًا، بل أصبح لغة المستقبل، والوسيلة التي ستُعاد بها صياغة الاقتصاد والتعليم والصحة والصناعة، بل وحتى منظومة العلاقات الدولية.

الذكاء الاصطناعي.. أرقام تتحدث

تشير تقارير عالمية إلى أن حجم سوق الذكاء الاصطناعي العالمي سيصل إلى 280 مليار دولار خلال 2024، ومن المتوقع أن يتضاعف هذا الرقم ليصل إلى 4.3 تريليون دولار في غضون تسع سنوات فقط. وتُقدّر مساهمته في الاقتصاد العالمي بحوالي 15.7 تريليون دولار بحلول عام 2030، وهو ما يجعله أحد أكثر القطاعات تأثيرًا في مستقبل البشرية.

أما على صعيد التوظيف، فمن المتوقع أن يخلق الذكاء الاصطناعي 97 مليون وظيفة جديدة بحلول نهاية عام 2025، رغم التحديات التي يفرضها على بعض المهن التقليدية، مما يضع الدول أمام خيار واحد: التكيف أو التهميش.

موريتانيا تدخل السباق العالمي

في ظل هذه الطفرة المتسارعة، جاء مؤتمر نواكشوط الدولي للذكاء الاصطناعي الذي يُنظم يومي 26 و27 مايو 2025 كخطوة جادة نحو انضمام موريتانيا إلى الدول الساعية لامتلاك أدوات المستقبل. المؤتمر تنظمه وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، برعاية معالي الوزير الأول المختار ولد أجاي، وبمشاركة واسعة من وزارات ومؤسسات وطنية، وهيئات علمية ومراكز بحثية من داخل البلاد وخارجها.

منصة للتفكير والعمل

يسعى المؤتمر إلى دعم جهود إعداد استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي، تُمكّن موريتانيا من تسخير هذه التكنولوجيا في تطوير قطاعات حيوية كالتعليم والصحة والنقل والطاقة والزراعة، وتعزيز الشفافية والحوكمة الرقمية.

كما يشكل المؤتمر فرصة لتعزيز الحوار بين الأكاديميين والمبتكرين وصناع القرار والقطاع الخاص، بهدف بناء نظام بيئي متكامل يواكب التطورات العالمية، ويُعيد توجيه الجهود الوطنية نحو اقتصاد المعرفة.

من التنظير إلى التطبيق

من بين أهم ما يميز هذا الحدث الدولي، هو تركيزه على التنفيذ العملي وليس فقط الطرح النظري. فمخرجات المؤتمر من المرتقب أن تُترجم إلى خطط عمل واضحة، يتم من خلالها إدماج الذكاء الاصطناعي في السياسات العمومية، وتشجيع البحث العلمي والابتكار في الجامعات، وتكوين جيل جديد من الكفاءات الرقمية القادرة على قيادة التغيير.

محطة مفصلية في تاريخ الرقمنة

يُعد هذا المؤتمر بمثابة محطة مفصلية في مسار التحول الرقمي بموريتانيا، ولبنة أساسية في بناء مستقبل تقوده الكفاءة والتكنولوجيا والمعرفة. فالعالم لم يعد ينتظر أحدًا، ومن لا يُتقن لغة الذكاء الاصطناعي اليوم، سيكون غدًا خارج دائرة التأثير.

خـــــاتمة

لقد أصبحت الدول تُقاس اليوم بما تملكه من قدرات علمية وتقنية، لا بما تملك من موارد طبيعية. وموريتانيا، بخطواتها الحالية، تبرهن على رغبتها في الحضور الفاعل ضمن معادلة المستقبل. وإذا نجح مؤتمر نواكشوط في تحقيق أهدافه، فإنه سيكون الشرارة الأولى لانطلاقة رقمية جديدة، تضع البلاد على خارطة الذكاء الاصطناعي إقليميًا ودوليًا.

الدكتور: الشيخ باي ولد السالك أستاذ جامعي