تحاول مريم إخفاء حملها بمختلف الطرق، ليس لأنها لا تريده أو لأنه غير شرعي، بل لحمايته من أعين الحسّاد والمتربصين في مجتمع يعيش على الإيمان بهذه المعتقدات. بات خروج مريم (32 عاماً، ربة بيت) من المنزل نادراً، وإذا حدث فإنّه يتطلب الاستعانة بالملابس الفضفاضة ومرافقة إحدى قريباتها حتى لا تكون ضحية “العيّانين”.
تساعد الملابس التقليدية الفضفاضة التي ترتديها الموريتانيات، والتي يطلق عليها اسم “المَلْحَفَة”، في إخفاء بطن الحامل حتى الشهر السادس على الأقل، وهذا ما يعين مريم على مواصلة حياتها العادية في الخروج واستقبال الضيوف. لكنّها تحرص بعد دخول حملها الشهر السادس على عدم الظهور كثيراً وتكتفي بالخروج للضروريات فقط. تقول لـ”العربي الجديد”: “أحاول عندها البقاء في البيت، وحين أخرج في السيارة ليلاً مع زوجي نتوقف في ممرات الملاعب الخالية حيث نمارس رياضة المشي”.
تخشى مريم وهي أم لطفلة واحدة من الإصابة بـ “العين” مما قد يهدد حياتها وحياة جنينها. تؤكد أنّ ما تتخذه من احتياطات أثناء فترة الحمل يقيها من الإصابة بأيّ مكروه ويمنحها الراحة النفسية، وتنفي تأثير العزلة الاجتماعية التي اختارتها على حياتها.
ما تفعله مريم يكاد ينطبق على معظم نساء موريتانيا اللواتي يعملن جاهدات على إخفاء حملهن، وحصر هذه المعلومة في محيط عائلي ضيق إلى أن تتم الولادة، خشية الإصابة بالعين. هن في الأساس، يتحججن بمعتقدات “السحوة”، وهي الخجل الاجتماعي لإخفاء الحمل. فالموروث الشعبي يفرض على المرأة في موريتانيا إخفاء حملها احتراماً لمن هم أكبر منها. لكنّ الكثير من النساء يعمدن إلى استغلال المعتقدات الشعبية للبقاء في المنزل أطول فترة ممكنة في أثناء الحمل خوفاً من الإصابة بالعين.
لكن، مع تطور المجتمع، وتأخر سن الزواج والإنجاب، وإقبال النساء على سوق العمل، بدأت مشكلة إخفاء الحمل تخنق طموح الموريتانيات، وتؤثر سلباً في مستقبلهن الوظيفي وإكمال دراستهن وتقلدهن مناصب هامة.
تقول عائشة بنت الخماني، (27 عاماً، موظفة)، إنّها ترفض إخفاء حملها لأنها غير مقتنعة بما تقوم به أغلب قريباتها وصديقاتها. تعتبر إخفاء الحمل لا فائدة منه سوى سجن الحامل، وكسر طموحها، وقطع مشوارها العملي والدراسي. تضيف، وهي أم لطفلين وحامل في الشهر الرابع، أنّها ترفض الالتزام بالعادات الاجتماعية التي تفرض على المرأة الحامل التزام البيت ما إن يبدأ بطنها بالظهور خوفاً من الحسد.
وتشير إلى أنّها لم تخفِ حملها في المرتين الماضيتين وواجهت حينها معارضة قوية من محيطها العائلي، حتى من زوجها. لكنّها أصرّت على موقفها ولم تستفد من الإجازة إلاّ في الشهر الثامن، ولم تصب بأيّ أذى، وهو ما شجعها على التمسك بموقفها وحثّ صديقاتها على نبذ هذه العادات، التي تؤثر سلباً في مستقبلهن الوظيفي وحياتهن الاجتماعية.
مع ذلك، فإنّ معظم صديقاتها وزميلاتها في العمل لم يقتنعن بفكرة كشف الحمل، وما زالت غالبيتهن تفضل الاختفاء عن الأنظار في مرحلة الحمل، وأخذ إجازة للراحة والتزام البيت قبل الولادة بفترة طويلة، مما يؤثر سلباً في أدائهن الوظيفي.
يظهر تأثر الموريتانيات بهذه الطقوس في أحاديثهن وتعاملاتهن اليومية، وقد استغل المشعوذون تأثر الناس بهذه العادات للترويج للوهم والدجل وادعاء القدرة على علاج الإصابة بالعين والحسد، وإيجاد حلول ناجعة لكلّ الأمراض، التي تعاني منها الحوامل. نتيجة لذلك، ازداد الإقبال على بيوت المشعوذين الذين يبيعون “خرزة العين” أو حجاب ردّ العين.
في المقابل، يقول الباحث الاجتماعي، أحمدو ولد الزين، لـ”العربي الجديد” إنّ ظاهرة إخفاء الحمل خشية الإصابة بالعين منتشرة بكثرة في موريتانيا. تلجأ الموظفات إلى أخذ إجازة طويلة من الشهر الرابع من دون أن تكون هناك ضرورة طبية لهذه الإجازة الطويلة، بينما تبقى ربات البيوت الحوامل في المنزل أكبر مدة ممكنة خشية أن يلاحظ أحد حملهن.
ويؤكد أنّ هذه الظاهرة تؤثر نفسياً في الحامل مع حبسها في المنزل وسط العائلة، كما تؤثر في وضعية المرأة العاملة والموظفة التي لا تستفيد من الترقية الوظيفية بسبب الإجازة الطويلة.
يدعو ولد الزين إلى محاربة هذه العادة ورفع درجة الوعي بأنّ الحمل ليس حالة مرضية تستدعي المكوث في البيت والامتناع عن العمل. كذلك، يدعو النساء إلى الاهتمام بتحقيق النجاح في الحياة الشخصية والمهنية في آن واحد، خصوصاً مع تأخر سن الزواج والإنجاب.