قال القائم بالأعمال في السفارة الأمريكية بنواكشوط، جون ت. آيس، إن الولايات المتحدة الأمريكية تدعم رؤية موريتانيا في بناء مستقبل قائم على الأمن، والتنمية، والشراكة المتوازنة، مؤكدا أن بلاده تسعى إلى تعزيز التعاون الاقتصادي من خلال التجارة والاستثمار بدلا من المساعدات.
جاء ذلك خلال حفل نظمته السفارة مساء أمس بمناسبة الاحتفال بالعيد الوطني للولايات المتحدة الأمريكية، بحضور عدد من أعضاء الحكومة الموريتانية، من بينهم وزيرا الخارجية والدفاع، وشخصيات دبلوماسية واقتصادية.
وأشار القائم بالأعمال إلى أن الولايات المتحدة تعتمد، منذ بداية هذا العام، نهجا جديدا في علاقاتها الدولية، يقوم على الشراكة المتوازنة والاحترام المتبادل، معتبرا أن موريتانيا بلد شريك وصديق يحمل إمكانيات كبيرة، خصوصا من خلال طاقاته الشبابية.
واستعرض آيس نماذج شبابية موريتانية نجحت في استثمار قدراتها داخل البلاد بدلا من الهجرة غير النظامية، من بينها مؤسسو مشروع "حصادي" الزراعي، الذي تمكن، بدعم من شركة "كوسموس إنرجي"، من خلق عشرات فرص العمل في مدينة روصو.
وأشار الدبلوماسي الأمريكي إلى الشراكات القائمة بين مؤسسات أمريكية وموريتانية في مجالات الطاقة والنقل والتكنولوجيا والزراعة، مشددا على أن هذه الاستثمارات لا تهدف فقط إلى تحقيق الأرباح، بل تركز أيضا على نقل المهارات والتكنولوجيا ودعم المجتمعات المحلية.
وفي المجال الأمني، أكد آيس دعم الولايات المتحدة للجهود الموريتانية في محاربة التطرف، مبرزا دعم بلاده للجيش الموريتاني من خلال التجهيزات والتكوينات العسكرية، خصوصا في مجالات الإسعاف القتالي والتخطيط العملياتي، عبر برامج مثل "IMET"، التي تتيح للضباط الموريتانيين الدراسة في أعرق المدارس العسكرية الأمريكية.
وأوضح أن الأمن لا يقتصر على الجانب العسكري فقط، بل يشمل أيضا تعزيز التفاهم المتبادل من خلال الدبلوماسية العامة والتبادلات الثقافية، مشيدا بقيم العمل والعدالة والكرامة التي يتقاسمها الشعبان الموريتاني والأمريكي.
ودعا القائم بالأعمال الأمريكية إلى تعزيز الشراكة بين البلدين، والاحتفال بقيم الحرية والعمل المشترك، مؤكدا أن الولايات المتحدة ستظل إلى جانب موريتانيا، دعما لأمنها وتنميتها وصداقة شعبها.
نص ترجمة كلمة الدبلوماسي الأمريكي
السلام عليكم ورحمة الله.
السيد وزير الشؤون الخارجية والتعاون والموريتانيين في الخارج،
السيد وزير الدفاع وشؤون المتقاعدين وأبناء الشهداء
السيدات والسادة أعضاء الوفد الموريتاني
الأصدقاء والزملاء الأعزاء
السيدات والسادة، الضيوف الكرام
أهلا وسهلا بكم في سفارة الولايات المتحدة الأمريكية.
يسرني كثيرا أن أرى هذا العدد الكبير من الوجوه المألوفة، من أصدقاء وشركاء، وقد اجتمعوا معنا هذا المساء للاحتفال بذكرى تأسيس الولايات المتحدة الأمريكية—تلك التجربة الجريئة والمستمرة التي انطلقت قبل 249 عاما على يد قادة استثنائيين أمثال جورج واشنطن، توماس جيفرسون، جون آدامز، وبنجامين فرانكلين.
لقد أسس هؤلاء الرجال، المعروفون بـ"الآباء المؤسسين"، ليس فقط دولة جديدة، بل فكرة أيضا: حكومة تقوم على الحرية، وتقرير المصير، والحقوق الفردية—ويقودها إيمان راسخ بأن المسؤولية الفردية والعمل الجماعي يجب أن يتكاملا لحماية حرياتنا.
منذ عام 1776، ظلت أجيال من الأمريكيين تبني أمتنا بشجاعة وإصرار، واجهنا تحديات لا تعد، ومررنا بحروب، وتجاوزنا المحن، وتعاملنا مع تحولات مجتمعية عميقة.
لقد شيدنا بلدا، وإن لم يكن اتحادا كاملا بعد، إلا أنه يسعى باستمرار إلى تحقيق هذا الهدف.
ولم يكن هدفنا يوما فرض معتقداتنا على الآخرين، بل إلهام العالم من خلال نموذج للديمقراطية والازدهار المشترك.
السادة الوزراء، الضيوف الكرام
لكن قصتنا لا تنتهي عند هذا الحد..
الشعب الأمريكي يتسم بروح المبادرة، والنزعة النقدية، والابتكار، وكل خطوة حازمة نخطوها نحو الأمام تسهم في تحقيق الأمن وإيجاد الفرص في عالم كثيرا ما يفتقر إليهما معا.
منذ العشرين من يناير، تبنت الولايات المتحدة نهجا متجددا في علاقاتها الدولية، إذ تعمل على إعادة تعريف شراكاتها وتعزيزها على أساس التوازن والمعاملة بالمثل، نحن نبني علاقات تحمي المصالح الأمريكية، وتدعم في الوقت ذاته أصدقاءنا وحلفاءنا.
وفي هذا السياق، يحضرني الحديث عن شريكنا وصديقنا، موريتانيا.
ففي "أرض المليون شاعر"، نرى إمكانيات هائلة، وبصفتنا أمريكيين، نؤمن بأن موريتانيا قادرة على تحويل ديناميتها الديمغرافية إلى مسار للتنمية، والولايات المتحدة ملتزمة بالاستثمار في هذا المورد البشري الفريد.
خذوا على سبيل المثال شركة Nouvelle Vision، التي أسسها هارون سيدات، وهو خريج جامعة ولاية مينيسوتا ويحمل شهادة ماجستير في إدارة الأعمال من جامعة ولاية داكوتا الشمالية.
يقدم هذا الشاب تدريبات في مجال ريادة الأعمال لفائدة شباب نواكشوط، في مقاطعاتها التسع، تشمل التسويق، والتواصل، وحل المشكلات، والإرشاد الفردي، والتجربة الميدانية.
السادة الوزراء، الضيوف الكرام
في عالم مترابط، ليس مفاجئا أن يسعى بعض الشباب إلى مستقبلهم خارج حدود وطنهم، لكن المؤسف أن كثيرين منهم يسلكون طرقا محفوفة بالمخاطر. لقد استمعنا إلى قصص مؤلمة لموريتانيين خاطروا بأرواحهم، بل فقدوها، في محاولات للوصول إلى الولايات المتحدة أو إلى دول أخرى.
ومع ذلك، وبصفتها أمة مهاجرين، تظل الولايات المتحدة تتيح سبلا قانونية وآمنة للسفر والإقامة على أراضيها، سواء عبر التأشيرات السياحية أو الدراسية أو التجارية أو المهنية.
وتجسد هذه الفرص انفتاح أمريكا المستمر، ليس تجاه الزوار فحسب، بل تجاه الأفراد الموهوبين والطموحين الراغبين في التعاون والتعلم.
لكن، إلى جانب ذلك، هناك طريق آخر: الحلم الموريتاني.
نريد من شباب موريتانيا أن يدركوا قيمة إمكاناتهم، وأن يختاروا استثمارها في بلدهم، وكثيرون منهم يفعلون ذلك بالفعل.
فبالتعاون مع شريكنا Linc Media، أعددنا فيلما وثائقيا بحضور وزير الشباب السيد لولى، سلط الضوء على نماذج من شباب موريتانيا الذين اختاروا البقاء، بدلا من إنفاق 10,000 دولار على رحلة محفوفة بالمخاطر، استثمروا هذا المبلغ في مستقبلهم ومجتمعهم.
أحد هؤلاء الشباب أطلق مشروعا زراعيا باسم حصادي، وبنفس المبلغ، وبدعم من شركة Kosmos Energy الأمريكية، أطلق مبادرة زراعية في مدينة روصو، وفي غضون سنوات قليلة، تحولت فكرته إلى مشروع تجاري يوفر فرص عمل لأكثر من 100 شخص، هذا هو الرهان على موريتانيا—وهذا هو النجاح.
ذلك هو جوهر قوة الشعب، وتلك هي التنمية، وذلك هو جوهر الشراكة الأمريكية-الموريتانية حين تكون فعالة.
فكيف نحافظ على هذا الزخم؟
نحن لا نخفي رؤيتنا، حيث تسعى الولايات المتحدة اليوم إلى دعم التنمية الاقتصادية، لا من خلال المعونة، بل من خلال التبادل التجاري.
وقد بدأت هذه التحولات في ظل إدارة الرئيس ترامب، وهي تهدف إلى مواءمة مقاربتنا مع رؤية موريتانيا لعلاقة أكثر توازنا، لا نسعى إلى تغذية الاعتماد، بل إلى الاستثمار في الازدهار المشترك، ولهذا أصبحت الدبلوماسية الاقتصادية ركيزة أساسية في انخراطنا الخارجي.
ترى الشركات الأمريكية في موريتانيا فرصا حقيقية في مجالات الطاقة، والنقل، والتكنولوجيا الرقمية، والزراعة، وغيرها.
وعندما تستثمر هذه الشركات، فإنها لا تكتفي بالعائد المالي، بل تسهم في نقل المهارات، وتوفير التكنولوجيا المتقدمة، وتدريب الكفاءات، ودعم المجتمعات المحلية، وهي تحترم قوانين الجمهورية، وتستثمر في رأس المال البشري.
هذا ليس شعارا دعائيا—بل هو جوهر النموذج الاقتصادي الأمريكي.
خذوا على سبيل المثال شركة Kosmos Energy، وهي شركة أمريكية تساهم في تطوير احتياطات الغاز الطبيعي المسال في المياه الإقليمية الموريتانية، لكنها في الوقت نفسه تستثمر في الشباب، من خلال تنظيم مسابقات لريادة الأعمال وبرامج للإرشاد والتوجيه، وهذا ما نطلق عليه اسم "الأثر الملموس".
ويمكننا أيضا الإشارة إلى مجلس الأعمال الموريتاني–الأمريكي، الذي يضم العديد من الأعضاء ثنائيي الجنسية، ويجمعهم شغف مشترك بالتنمية.
يسهم هذا المجلس في تنشيط قطاعات حيوية مثل خدمات التموين، والصيد، والبناء، وهذه المبادرات ليست مجرد معاملات اقتصادية، بل تحولات حقيقية.
السادة الوزراء، الضيوف الكرام
تتجاوز شراكتنا حدود التجارة والاستثمار.
فروابطنا الدبلوماسية وتعاوننا الأمني يساهمان في تعزيز سلامة المواطنين الأمريكيين والموريتانيين على حد سواء.
لقد أعلنت موريتانيا بكل وضوح أنها لا تتسامح مع وجود التطرف على أراضيها، والولايات المتحدة تدعم هذا الالتزام دعما كاملا، فقد قدمنا تدريبا ومعدات لدعم القوات المسلحة الموريتانية—بدءا من وحدة الجمالة في أشميم، وصولا إلى القوات الجوية في أطار، وقدمنا كذلك تدريبات عملية في مجالات من بينها الرعاية الطبية القتالية والتخطيط التكتيكي.
ومن خلال برنامج التعليم والتدريب العسكري الدولي (IMET)، أتحنا الفرصة لضباط موريتانيين موهوبين للدراسة في مؤسسات عسكرية أمريكية مرموقة، ويعود هؤلاء الضباط وهم يحملون معهم مهارات قيادية وعلاقات مهنية طويلة الأمد.
هذا هو نموذج الأمن المشترك الحقيقي—وقائي، وتعاوني، ويستند إلى الثقة المتبادلة.
لكن الأمن لا يقتصر على الجانب العسكري.
بل يتجسد أيضا في العلاقات الإنسانية.
ولهذا السبب، نستثمر في الدبلوماسية العامة—أي في تواصل صادق وفعال يقرب بين قيمنا ويعزز أواصر المودة بين شعبينا.
وخلال زياراتي المتعددة داخل موريتانيا—من نواذيبو إلى النعمة إلى شنقيط—تأثرت بعمق بحفاوة الاستقبال الموريتانية، كما لمست مدى حضور القيم المشتركة بيننا: الجدارة، واحترام القانون، وكرامة العمل.
هذه القيم هي جوهر الحلم الأمريكي—ولكنها أيضا جزء من الحلم الموريتاني—وتمنح الأمل لشعوب كثيرة حول العالم.
رسالتنا واضحة وقوية: الولايات المتحدة تقف إلى جانب موريتانيا—من أجل أمنها، وتنميتها، وصداقة شعبيهما.
السادة الوزراء، الضيوف الكرام،
دعونا نحتفل هذا المساء، لا بذكرى مرور 249 عاما على استقلال الولايات المتحدة فحسب، بل بقوة الشراكة التي تجمعنا.
دعونا نرفع كؤوسنا احتفاء بوعد الأمم الحرة عندما تعمل معا في إطار الاحترام المتبادل، والغاية المشتركة، والثقة المتبادلة في الإمكانات.
شكرا لكم جميعا.
عيد استقلال سعيد، يا أمريكا!
شكرا جزيلا.
ت: التيار