لا يكفي فقط، أن تتمنى بأن تستيقظ ذات صباح وتجد الجمهورية الثانية وقد ابتلعها البحر، لكي يحصل هذا الأمر، حتى وإن كانت تلك الجمهورية مترهلة،
لكي تكتب مشروعا مذهلا لجمهورية جديدة، لابد أن تتصور نفسك صاحب كشك في "نقطة ساخنة" يبيع زبائنه صرعة "كالاكسي" جديدة، يجب أن تقنعهم بمزاياها وخصالها وفضائلها الجمة، لكي تجعلهم يفكرون في التنازل عن هواتفهم القديمة، ما عدا ذلك سيكون ثرثرة ومضيعة للوقت،
أما قاعدة "الماركتنج" التي تقول إن الأرقام المتسلسلة تجعل رغبات وغرائز الناس تتوثب وترقص، فهي "هراءات" لا توجد إلا في عقول المضاربين الصغار، وسيكون من المضحك جدا أن نحاول أن نقيس عليها فنتصور أن الشعوب والأمم، قد تتنازل بسهولة عن ذاكرتها وتضعها في أقرب صندوق زبالة وتترك عمال البلدية يقومون ببقية العمل، بمجرد أن أحدهم عرض عليها جمهورية جديدة وبرقم تسلسلي أعلى من الذي سبقه،
شارل ديغول، الأب الشرعي للجمهورية الفرنسية الخامسة، هو صاحب المقولة الشهيرة: "لقد توصلت إلى قناعة مفادها أن السياسة أمر أكثر جدية من أن يترك للسياسيين"، لقد كان لدى الرجل من التجربة والحنكة والحكمة، ما يجعله يدرك بأن السياسيين يأخذون العالم دائما إلى حافة التهريج والعقم الفكري.
في مسرحية (الفيل يا ملك الزمان)، يقترح علينا الكاتب المسرحي السوري الراحل سعد الله ونوس نصا جميلا ومعبرا، تدور فصوله حول قصة ملك ظالم كان لديه فيل مدلل يعيث في المدينة فسادا، دون أن يجرؤ أحد على التذمر أو الشكوى،
لكن صبر الناس سرعان ما نفد ذات يوم، عندما داس ذلك الفيل المدلل على أحد أطفال المدينة وحول جسده الصغير إلى أشلاء متناثرة،
قرر السكان أن يخرجوا عن صمتهم وأن يشكوا للملك الضرر الذي لحق بهم من فيله ويطلبوا منه أن يخلصهم من هذا الفيل، الذي حول حياتهم إلى عذابات يومية لا تطاق.
أمضوا وقتا طويلا وهم يتدربون على ما سيقولونه للملك، لكنهم عندما دخلوا القصر ورأوا الحراس والعسكر ووقفوا بين يدي الملك وأذن لهم بالكلام، تلعثموا جميعهم وابتلعوا ألسنتهم وخانتهم الذاكرة من شدة الخوف،
في النهاية، وبعد أن كاد الملك يستشيط غضبا من صمتهم، سينطق قائد الجماعة "زكريا" ويقول للملك: "الفيل يا ملك الزمان...بحاجة إلى فيلة تؤنس وحدته وتنجب له عشرات بل مئات الفيلة!!"...
إن أية محاولة لصياغة مشروع جمهورية ثالثة، بنفس عقلية شخوص مسرحية (الفيل يا ملك الزمان) وزعيمهم "زكريا"، لن تكون صادمة فحسب بل ومقززة أيضا.