توترالعلاقة بين موريتانيا و فرنسا يظهر للسطح /

تحدث وزير الثقافة الناطق الرسمي بإسم الحكومة مساء الخميس بلهجة حادة عن عدم ودية بيان سبق أن نشرته السفارة الفرنسية في نواكشوط قبل أيام و تحذر فيه رعاياها من التجول في بعض مناطق نواكشوط اثر محاولة اغتصاب مواطنة فرنسية تحدث البعض عن عدم جدية روايتها لما حدث لها و حتى أنها غادرت البلد دون أن تساعد المحققين حسب مدير امن الدولة الموريتاني .

حديث الوزير جاء ليظهر للسطح خلاصة سنوات من أزمة صامتة بين باريس و نواكشوط ستكون الأسابيع و الأشهر المقبلة حبلي بالأحداث في هذا الإطار .

و تعود أولي أسباب الأزمة بين باريس و نواكشوط إلي أشهر بعد فوز رئيس الجمهورية الحالي محمد ولد عبد العزيز في انتخابات 2009 و التي دعمته فيها خلية افر انس أفريك بقوة و كان هذا الجناح ينتظر مقابلا لهذا الدعم منح بعض الامتيازات لرجال أعمال مقربين منه هذه الخلية المقربة انذاك من القصر الرئاسي تقدمت بمجموعة بولويريه و هي المجموعة الشهيرة بعلاقتها بالرئيس الفرنسي السابق نكولا ساركوزي و بخلية افرنس افريك و طلبت منحها تسيير ميناء نواكشوط أو علي الأقل صفقة مشروع توسعته لكن العرض الفرنسي لم يلقي إيجاب من حكومة نواكشوط التي منحت صفقة توسعة ميناء نواكشوط لشركة صينية .

بعد هذا الرفض الأول لطلبات باريس جاءت الأزمة الايفوارية 2010-2011 التي لم يوافق الموقف الموريتاني فيها موقف نفس الخلية و الرئيس الفرنسي السابق نكولا ساكوزي لكن رغم ذلك تواصل التنسيق الموريتاني الفرنسي و ظهر ذلك جليا في القيام بعدة عمليات عسكرية مشتركة شمال مالي حتي دون علم الحكومة المالية .

غير ان ساركوزي قرر نفض يديه نهائيا من العلاقة بنواكشوط بعد موقف الرئيس الموريتاني و رؤساء أفارقة آخرين من الأزمة الليبية سنة 2011.

بعد فوز فرانسوا هولاند سنة 2012 حاولت الحكومة الفرنسية الجديدة مدفوعة بدعم امريكي قوي لحكومة نواكشوط و وصفها الدائم لهذه الحكومة بأنها شريك جدي ضد الإرهاب بمحاولة إعادة الدفء لهذه العلاقة خاصة مع الاختفاء التدريجي لخلية افرانس افريك من المشهد غير ان هذه المحاولات أصدمت هي الاخري بعدة عراقيل لعل أهمها رفض نواكشوط لدخول الحرب في شمال مالي و هو الرفض الذي ابلغه الرئيس محمد ولد عبد العزيز مباشرة للرئيس الفرنسي افرانسوا هولاند الذي زاره علي هامش قمة منعقدة في ابوظبي قبيل الحرب لمحاولة الضغط عليه من اجل مشاركة موريتانيا في تلك الحرب لكن عزيز رفض الطلب .

هذا الرفض جعل الحكومة الفرنسية تضع موريتانيا في درجة حليف من الدرجة الثانية خاصة أنها وجدت ضالتها في الرئيس ادريس دبي و الجيش التشادي علي أنهما هما الشريك الفعال ضد الإرهاب غير أن هذا التحول لم يؤثر بشكل كبير جدا علي الحفاظ علي علاقات بين موريتانيا و فرنسا من خلال توجيه فرنسا لعدة دعوات للرئيس الموريتاني للمشاركة في عدة احتفالات في فرنسا دون ان يتم الاحتفاء به بشكل كبير مثل ما يحدث ذلك للحلفاء الحقيقين مثل ادريس دبي و غيره و مما زاد من اقتناع فرنسا بعدم جدوائية العلاقة مع موريتانيا هو رفض الرئيس الموريتاني المشاركة في المسيرة المنددة بأحداث شارلي ابدو مع ان الدعوة وجهت له حسب معلومات الطواري المؤكدة .

و علي الصعيد المحلي بدأت هذه العلاقة تأخذ منحي غير اعتيادي بوصول السفير الفرنسي الجديد المتأثر بحيثيات العلاقات العليا بين البلدين و بما يحدث في البلد من تنامي لمظاهر تخليد المقاومة خاصة مع قرار السلطات الموريتانية تسمية مطار نواكشوط الجديد بتسمية ام التونسي و هي معركة قتل فيها فرنسيون و هو ما اغضب باريس و سفارتها في نواكشوط و زاد هذا الغضب بإنتزاع بعض الميزات عن هيئة المختار ولد داداه بعد انتقاد حرم أب الأمة لتسمية المطار الجديد و هو الإجراء الذي عبر السفير الفرنسي في نواكشوط عن امتعاضه منه خلال اجتماع في الوزارة الأولي حضره الوزير الأول و العديد من أعضاء الحكومة و السفراء الغربيون في نواكشوط هذا الامتعاض رد عليه الوزير الاول بحدة و هي حدة لم ترغ للسفير الفرنسي و السفراء الآخرون .

مظاهر امتعاض التمثيلية الدبلوماسية الفرنسية في نواكشوط ظهر بعد ذلك في عدم إجراء أي لقاء بين السفير الفرنسي و اي سلطة عليا (رئيس الجمهورية - الوزير الاول) بعدم رغبة من الطرفين كما ظهر الرد الفرنسي علي تسمية المطار بتسمية آم التونسي بزيارة قام بها السفير الفرنسي الي بتلميت للخليفة العام لآسرة أهل الشيخ سيديا و لأحد الوجهاء الآخرين من القبيلة التي كان أعلب ضحايا معركة ام التونسي ينتمون لها .

و يعتبر البعض أن من عوامل كذلك المهمة المؤثرة علي علاقة فرنسا بنواكشوط هو تلك العلاقة القوية التي يرتبط بها رجل الأعمال الموريتاني المعارض محمد ولد بوعماتو بدوائر صنع القرار في باريس و هي العلاقة التي مكنت رئيس الجمهورية في الماضي من تمرير انقلاب 2008 غير أن رجل الأعمال الذي يوصف بالذكي لم يسلم لنواكشوط مفاتيح تلك العلاقة حيث انه بقي هو من يتحكم بها و هذا ما يفسر الي حد كبير تدهورها مباشرة بعد مغادرته البلاد حسب هذا الرأي الوجيه .

كل هذا بالإضافة الي أن المحيط الإقليمي الذي تعتبر علاقته الآن بموريتانيا في أسوء فتراتها قد تكون له يد في تعميق هذا التوتر .

رسائل باريس الأخيرة تعتبر غير ودية من وجهة نظر نواكشوط ليس فقط بخصوص بيان السفارة و هو الظاهر في الموضوع لكن الذي يوجد تحت السطح أعمق من بيان السفارة و لعل ابسطه استقبال رئيس منظمة ايرا من طرف مسؤولة الشؤون السياسية في خلية إفريقيا بالاليزيه و كذلك الجوائز الممنوحة للرئيس الأسبق اعل ولد محمد فال و فتح وسائل الإعلام القريبة من الدولة الفرنسية له و كذلك اللقاءات التي آجراها الأخير في باريس قبل أيام و تجاهل إذاعة فرنسا الدولية و قناة فرنس 24 للحوار و اهتمامهما بمسيرة المعارضة الأخيرة .

كل هذا يجعلنا نتوقع ان يكون الشتاء هذه السنة ساخنا بين باريس و نواكشوط.