مراد علمدار هو بطل المسلسل التركي الشهير "وادي الذئاب"، ولكن بطولة الممثل التركي لم تتوقف عند الخيال التلفزيوني، ليكون سبباً في أكبر حادثة هروب من سجون موريتانيا، نفذها أكثر من أربعين سجيناً من ضمنهم محكومون بالإعدام ومدانون في عمليات قتل واغتصاب بشعة.
كان مساء الجمعة الماضي يوماً عادياً في سجن دار النعيم، أكبر سجن في موريتانيا، لا شيء يلفت انتباه الحراس، نفس الإجراءات الروتينية التي يدار بها السجن الذي يتكدس في أجنحته أكثر من تسعمائة سجين موزعين على عنابر بينها حواجز وتفصلها أبواب حديدية.
في خضم الإجراءات الروتينية المعهودة في السجن تبادلت فرقتان من الحرس المهام عند حلول صلاة المغرب (حوالي السادسة والنصف مساءً)، غادرت فرقة النهار أسوار السجن فيما بدأت الفرقة الليلية مهامها كما يجري في أي يوم عادي.
دخل أحد الحراس إلى العنابر ليتفقدها تاركاً رفاقه في إحدى الغرف الأمامية يتابعون حلقة جديدة من المسلسل التركي "وادي الذئاب"، ربما كان المشهد بوليسياً وتغلب عليه "الأكشن" ليستحوذ على انتباه كتيبة أنهكتها رتابة السجن القاتلة.
كان الحرسي الذي يتفقد العنابر لا يدرك المصير الذي ينتظره عندما انتبه أحد السجناء إلى أن رفاقه منشغلين بالمسلسل التركي، فأشار إلى بقية السجناء الذين تجمهروا حول الحرسي وأشبعوه ضرباً حتى أغمي عليه، دون أن ينتبه رفاقه الذين تركوا البوابات الأمامية للسجن مفتوحة في انتظار عودة رفيقهم.
أكثر من مائة سجين اقتحموا بوابة السجن ولاذوا بالفرار، فيما لجأ عناصر الحرس بعد أن تجاوزوا هول الصدمة إلى إطلاق النار في الهواء لينجحوا في إيقاف أغلبية الفارين قبل أن يتجاوزوا الساحة المحيطة بالسجن، إلا أن عشرات السجناء اختفوا تحت جنح الظلام.
حالة استنفار
تحول ليل السجن إلى نهار وسادت حالة من الارتباك في إدارة السجن، فيما بدأت وحدات من الحرس والدرك عملية تمشيط واسعة في المناطق المحاذية للسجن الواقع في أقصى شمال شرقي العاصمة نواكشوط، شملت بعض الأحياء التي تبعد عدة كيلومترات عن السجن.
بدأ الخبر يتسرب للإعلام مثيراً معه حالة من الذعر في المقاطعات القريبة من السجن، خاصة بعد مشاهدة عناصر الأمن وهم يفتشون المنازل ويحذرون من سجناء خطرين قد يتسللون بحثاً عن مأوى للاختباء.
بدأت عملية أمنية واسعة تحت إشراف مباشر من قائد كتيبة الحرس الوطني ووكيل الجمهورية في منطقة نواكشوط الشمالية، وبدعم ومساندة قويين من مختلف الأجهزة الأمنية.
كانت بداية العملية بإحصاء شامل للسجناء من أجل معرفة هويات وعدد السجناء الفارين، ليؤكد الإحصاء فرار 43 سجيناً من ضمنهم مدانون بالقتل العمد وآخرون بخطف واغتصاب فتاة قاصر، فيما كانت أغلبيتهم من اللصوص المدانين في تكوين جمعية أشرار بهدف السرقة.
العملية التي ما تزال مستمرة أسفرت بعد أربع وعشرين ساعة عن اعتقال 11 سجيناً، من ضمنهم مجرمون صغار سلمتهم أسرهم إلى السلطات الأمنية خوفاً من تهمة التستر على فارين من العدالة، إلا أن الأمن ما يزال يلاحق 32 سجيناً من بينهم العصابة الشهيرة التي اقتحمت عدة محلات في سوق العاصمة.
قلق شعبي
الشارع الموريتاني الذي تابع باهتمام كبير حادثة فرار السجناء، أبدى مخاوفه من فشل الأجهزة الأمنية في إعادة هؤلاء السجناء إلى زنزاناتهم، وبالتالي ارتفاع مستوى الجريمة التي شهدت تزايداً في الآونة الأخيرة.
الحادثة أعادت إلى الأذهان حالة "الانفلات الأمني" التي عاشتها العاصمة خلال السنوات الأخيرة، في ظل انتشار عمليات الاغتصاب والقتل والسرقة تحت تهديد السلاح، رغم الجهود التي تبذلها السلطات من أجل تفكيك عصابات الجريمة.
في غضون ذلك أشعلت الحادثة الصفحات الموريتانية على مواقع التواصل الاجتماعي، فكتبت تعليقات ساخرة حين وصفها بعض المدونين بأنها "عملية تخرج دفعة جديدة من المجرمين"، فيما وصف آخرون سجن دار النعيم بأنه "غربال دار النعيم".
في السياق ذاته دعا بعض المدونين إلى ضرورة تشديد الإجراءات الأمنية من أجل إعادة اعتقال السجناء الفارين، بينما ذهب آخرون إلى القول إنها "فشل كبير" للأجهزة الأمنية مطالبين باستقالة المسؤولين.
انزعاج الرئيس
رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز الذي يعد توفير الأمن أحد الأركان القوية في برنامجه الانتخابي، أبدى انزعاجاً قوياً من الحادثة التي تكشف عن تهاون كبير من طرف القائمين على أكبر سجن في البلاد من المعروف أنه يضم أعتى المجرمين.
لم تتأخر أوامر الرئيس الموجهة إلى المسؤولين في الحادثة، حيث أمر باتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة اعتقال السجناء الفارين، ولكن في نفس الوقت طالب بفتح تحقيق عاجل لمعرفة المسؤولين.
بعد الأوامر الصادرة عن رئاسة الجمهورية بدأت المرحلة الثانية من العملية الأمنية، حيث أوكلت مهمة ملاحقة كل سجين إلى المفوضية التي قامت باعتقاله أصلاً، وذلك للاستفادة من خبرة الشرطة في ملاحقة أصحاب السوابق.
المؤكد هو أن هؤلاء السجناء إن نجح الأمن في اعتقالهم سيعودون إلى "دار النعيم" في ثوب الأبطال بعد أن كسروا رتابة السجن في نسخة موريتانية من مسلسل "Prison Break"، بينما سيكسر الحراس تلفازهم العتيق ولن يستمتعوا بمشاهدة حلقات مسلسل "وادي الذئاب" بعد اليوم.