"المفتي" ابراهيم ولد يوسف ولد الشيخ سيديا : فهيهات هيهات أن ينبهم وجه اللعبة على العقلاء؟

فيما يلي رسالة كتبها "المفتي" ابراهيم ولد يوسف ولد الشيخ سيديا بعد اجتماعه مع أعيان و رجالات أسرته؛ وقد اجتمعوا على ما يلي:

"بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله.

الكَرَّة الأولى: 

 إنّ أوْلَى الأولويات عند المسلمين هو تحكيم الشريعة، بدءا بالتوحيد الخالص، ومتابعة السنة، وإنكار المنكرات والبدع والضلالات، إلى إيصال الحقوق إلى أصحابها، والحكم بين الناس بالعدل، ووأد الجريمة، وتطهير المجتمع من الرذيلة واللَّصَص والظلم والنهب والسلب وسفك الدماء...إلخ.

وإن النشيد الحالىّ:

(كن للإله ناصرا/ وأنكر المناكـــــــرا

وكن مع الحق الذى/ يرضاه منك دائــــرا

ولا تعدّ نافعــــــــــا/ سَواءَه أو ضائــــــرا

واسلك سبيل المصطفى/ ومُت عليه سائرا

فما كفى أوّلَنـــــــــــــــا / أليس يكفِى الْآخِرا؟

إلخ...)

لهو أدق تعبيرعن كل هذه المعالم العظيمة الواضحة، والمعانى الجليلة اللائحة.

فهو دستور للمسلمين فى كل زمان ومكان. كيف لا وهو قائم على نصر منهج الله وشريعته، والدينونة لحكمه، ورفض مخالفته، والدوران مع الحق الذى يرضاه من خلقه، ونسبة الأمر إليه وحده، وسلوك سبيل نبيه حتى الموت، وهجران أهل البدع والأهواء الذين أضلوا العباد، وأفسدوا البلاد؟

إنه التعبير الحق عن هُويّتنا التى لا نُعرف بدونها،

عن الإسلام الصافى من شوائب المحدثات والخرافات، وخَبث المعاصى والمنكرات،

عن مصدر عزتنا وكرامتنا، عن مجدنا وحضارتنا وماضينا وتاريخنا وتراثنا.

والعجَب ممن يتهمه بالقصور عن استيعاب هذه المعانى.

ولكن ذلك شأن من لا يمعن النظر فى الدلالات العميقة للنصوص.

فلذلك نعلن، من باب التشبث بالدين والهُوية والأصالة، رفضَنا الحاسم لإلغاء هذا النشيد، أو حذف حرف واحد منه، أو زيادته بما ليس منه.

ونعدّ أى مساس به، زيادة أو نقصا، جناية على تراث خاص، وتعَديا على نص محدد صاغه مؤلفه كما شاء، وضمّنه من المعانى ما شاء.

لقد احتدّ الجدل، واحتدم النقاش، منذ أيام خلت، فى جلسات ما يسمى بالحوار، وفى المواقع، حول النشيد والعلَم وقضايا أخرى لا تمُتّ بصلة إلى اهتمامات المواطنين العاديينّ الذين هم السواد الأعظم من المجتمع، بل لا يخطر ببالهم ـ أصلا ـ التفكيرُ فيها، فضلا عن أن يشغلهم، أو يأخذ حيّزا من وقتهم، وسال فى هذه المواضيع حبر كثير لا داعى له، وزعم زاعمون أن كلمات هذا النشيد موجهة ضدّ طريقة معينة، وأنها نصيحة لشخص معين تحذيرا له منها...وقد أسلفنا تفنيد تلك المزاعم.

وصاحب البيت أعلم بما فيه، وأهل مكة أدرى بشعابها...

إلى هراء كثير ، وحذلقة فيما لا يفيد، وتهور عريض.

إن السواد الأعظم الذى يئنّ تحت وطأة الجوع والخوف، والجهل والمرض، وتكاد تهوِى به السفينة فى لجَج الفتن والحروب الأهلية، كان مشرئبا إلى إثارة القضايا والمشكلات المتصلة بحياته اليومية، من معيشة وغذاء، وصحة ودواء، وأمن وتعليم وإسكان...

فكان على النظام الذى لم يلتفت إلى آكد الأولويات، وأشدها إلحاحا، أن يعرج على قضايا هذا الشعب المسكين، وأوضاعه المتردية، فينظر فى تحسين ظروفه، وإصلاح أوضاعه.

فلقد تعاقب على قهره الطغاة المستبدون، وتباروا فى إهانته، ونهب خيراته، وتشويه سمعته، ومحاولة طبعه بمِيسم الجهل والكذب والملق والجشع والخيانة والإجرام، وأصبح اليوم فى وضع لا يحسد عليه.

كان عليه أن يكرس الحوار لتخفيف المعاناة من حدة الأسعار، وللنظر فى توفير فرص العمل للأطر والشباب، ولمساعدة الفقراء، وبناء دُورٍ للزَّمْنى والضعَفة الذين لا مأوى لهم إلا الأرصفة، وإشاراتُ المرور، وأبواب المساجد يسألون الناس إلحافا.

كان على النظام أن يدرس السبل الكفيلة بتوفير الأمن، ففى كل آن نقرأ ونشاهد فظائع القتل والاغتصاب، والجريمة المنظمة فى وضح النهار.

ثم يُفلِت اللصوص والمجرمون، وإذا قبِض عليهم لم يلبثوا فى السجن إلا ساعة من نهار.

ثم يبقى أهل الضحايا فى عار وشنار وويل وثبور. فإنا لله وإنا إليه راجعون.

كان من الحكمة انتهاج سياسة الإصلاح والتصالح بين أبناء الشعب، لا تأجيج نار الفتن، وإيقاظ حروب الجاهلية بين القبائل والمجموعات، والتذكير بعهود السيبة والفوضى الطحون، تحت ستار المقاومة، ومحاربة الاستعمار، و"تمجيد الجهاد، والاستشهاد فى سبيل الله"!

فهيهات هيهات أن ينبهم وجه اللعبة على العقلاء؟

...

كان...وكان...وكان...والله المستعان."

 

من صفحة المفتي و العلامة إبراهيم بن يوسف بن الشيخ سيدى