حاول عزيزي القارئ أن تبحث في هاتفك عن إسمي ” محمد أفو ”
ولتختصر البحث في هاتفك الذكي ستكتب ” أفو ” ليأتيك إسمي علما دون غيره من ” المحمدين ”
قد تقع في خطأ بسيط وتكتب بدل الفاء قافا ” أقو ” حينها لن يظهر لك أي اسم
في هذه الحالة أنا موجود في هاتفك ـ عكس ما يخيل إليك ـ لكنك أخطأت في طريقة البحث .
ذلك ما يحدث تحديدا عند الكثير من الباحثين في التاريخ استقصادا لنصرة موقف أو قضية .
كنت ممن قرأ بتمعن مقال ول مخيطير المثير للجدل ، وكان المقال مكونا مقدمة طوعت لها شواهد من التاريخ مختومة بأسئلة ساخرة .
لم تكن تلك الاسئلة الساخرة فاضحة لجهل الكاتب بأدوات ومناهج التحليل التاريخي فحسب بل فضحت وعرت وكشفت عن جهل أمة بكاملها بما يجهله .
كشفت تساؤلات ول مخيطير عن جهل العلماء وسطحية المفكرين وكسل الباحثين .
اليوم سأكتب عن قضية ول مخيطير
وقبل ان أتناول الإجابة عن اسئلته السطحية سأهتم بدمغنا ببعض الحقيقة ، فهناك إشكالات يلزم مناقشتها قبل مناقشة مصير كاتب فرد.
استند ول مخيطير في استدلاله لمصادر لا زالت تكتظ بها المكتبات الاسلامية في أنحاء الأرض .
كتب السيرة والسير والمغازي والتاريخ عموما .
سرد توثيقي للأحداث ، لم تتناوله غير عقول الفقهاء بغية استنباط الأحكام إعتمادا أو قياسا .
( فقه السنة )
فظل هذا التاريخ بعيدا عن أعين الباحثين في تخصصات العلوم الانسانية الأخرى ،عناية بمكنون ومبررات وبواعث الأحدث وملابسات المواقف ودوافعها ، حتى لم يجد جيل الانترنت غير مادة جافة غامضة المضامين ، سيئة النقل موبوءة بالأكاذيب والأساطير .
كان هذا ما قبل ول مخيطير
ماذا يعد ول مخيطير ؟
ليمت ول مخيطير أو يهاجر ( تلك قضية من اختصاص القضاء )
لكن بماذا اجبنا تساؤلاته التي بقيت وستبقى في كنف هذا الفضاء يتعاطاها غيره ممن ردعهم مصيره من إشهار موقفهم من ذات الأسئلة واسئلة أخرى مطروحة منه ومن غيره ؟
وماذا ستغير إعدامات هؤلاء من فهمنا وفهم جيل تعبث به ذكاءات السائلين وغباء المعنيين بالاجابات ؟
طبعا لن يتغير شيء بموت هذا أو ذاك سواء بحبل مشنقة أوموت مثل موت زهير بن ابى سلمى .
اليوم سأكتب نيابة عن أمة بلغ بها الضعف أن أفعل ذلك نيابة عن عقولها وباحثيها وعلمائها ومثقفيها .
سأفعل ذلك لسبب بسيط : هو أن الأسئلة لا ترحل مع الرؤوس المقطوعة .
إنه مني وإنه بسم الله الرحمن الرحيم
استشهد ول مخيطير في مقاله بثلاث شواهد ( مقرونة بثلاث تساؤلات ) من التاريخ كانت كافية لإقتناع البعض بعقلانية الكاتب وشجاعته ، ولإثارة مكنون الغضب والغيرة العفويين لدى عامة الناس .
بينما ورطت المختصين في تهمة قديمة حديثة ، وهي استقالة العقل العربي وزيف قلاعه الرملية الشاهقة .
السؤال الأول ( الشاهد الأول ) : برأيكم ما هذا الاستثناء…..؟
كان من حادثة بدر حين استقر القرار على رأي ابي بكر الصديق رضي الله عنه القائل : “يا رسول الله، هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان، وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية، فيكون ما أخذناه قوة لنا على الكفار، وعسى أن يهديهم الله فيكونوا لنا عضدًا”.
وهو ما اعتبره الكاتب استثناء ” نفسية ” خصت به القبيلة وأبناء العمومة .
وهو عبارة عن اقتباس خارج السياق وهو بذلك خروج غير مبرر عن منهجية الاستدلال ، فللقصة بقية .
سأل النبي صلى الله عليه وسلم أهل بدر عن رأيهم في مصير الأسرى ، وحين يسأل النبي صلى الله عليه وسلم فهو بذلك كأي قائد عسكري يتبين رأي مستشاريه في الحرب .
ودعونا نفترض أن القرار استقر على رأي عمر رضي الله عنه ” أضرب أعناقهم ” ، ونستحضر تبعات العرف الاجتماعي لعرب الجزيرة فيما يتعلق بقدسية ثأر القبائل والبطون لقتلاها .
كانت الحمية لتدب دبيب النار نارا وسيتحول الصراع من صراع من أجل المبدأ إلى حرب أخرى ما أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم لخوضها ولا بذل دماء أتباعه وقودا لها .
وسيمتد عمر الجاهلية عقودا ، وستخرج الرسالة عن مسارها لتكون مجرد فتيل اشعل وأذكى ما جاء لإخماده ووأده .
فكان رأي ابي بكر أسلم الحلول واذكاها ، وقد تبينت حكمتة و “قظوفيتو باط ” فقد اسلمت قريش برمتها بعد أن غلبت الحكمة السيف و سقت الرحمة هوس الدم بردا .
وكانت الآية واضحة في هذا السياق ( الذي نزلت فيه )
في قوله تعالى :” لولا كتاب من الله سبق .. ” ( في أنه لا يعذب قوما حتى يبين لهم ما يتقون ) التفسير بين القوسين للقرطبي .
السؤال الثاني ( الشاهد الثاني ) : لماذا لا يتم استقبال وحشي و يأخذ مثلا لقب “حربة الله التي لا تخطئ الهدف”…..؟.
كانت مقارنة وحشي بن حرب ( قاتل حمزة ) بخالد بن الوليد رضي الله عنه .
وهي مقارنة لفظية لم تتسع للفارق بين الرجلين .
فخالد بن الوليد قائد عزيز النفس قاتل بشجاعة وصبر من أجل المبدأ ، ظهرت شجاعته في الجاهلية حين كان كفارا بالاسلام وبنبيه صلى الله عليه وسلم .
بينما كان وحشي مجرد قاتل مأجور .
كما عرف خالد بأنفة النفس وحنكة الرأي وحسن المشورة وألمعية المقاتل وشجاعته في الحرب .
وهوما شهد به النبي صلى الله عليه وسلم قبل إسلام خالد .
وقد أتى للإسلام قانعا قويا مهابا هيابا لا من خوف ، فقال مما قال للنبي صلى الله عليه وسلم يوم إسلامه : ” يا رسول الله، إنّي قد رأيت ما كنت أشهد من تلك المواطن عليك معاندا للحق، فادع الله أن يغفرها لي ”
فكيف كان إسلام وحشي ؟
دعونا نسمع الحديث منه ، يقول عن إسلامه : ” فلما خرج وفد الطائف ليسلموا ضاقت علي الأرض بما رحبت وقلت ألحق بالشام أو اليمن أو بعض البلاد فوالله إني لفي ذلك من همي إذ قال رجل : ويحك ! إنه والله ما يقتل أحداً من الناس دخل في دينه.
فلما قال لي ذلك خرجت حتى قدمت على رسول الله المدينة”
كان ذلك بعد أن هرب من مكة إلى الطائف بعد عتقه .
فمن نص كلام الرجل عن نفسه أنه هرب إلى الإسلام بعد أن ضاقت عليه الأرض بما رحبت خوفا .
وكان محدد قناعته بالخروج للمدينة هو حقن دمه وليس الاسلام ” فوالله إني لفي ذلك من همي إذ قال رجل : ويحك ! إنه والله ما يقتل أحداً من الناس دخل في دينه.”
فكان جزاء النبي له أن أعطاه مبتغاه من الخروج للمدينة ( حقن دمه ) ولم يقبل منه نفاقه .
وكاله إلى رد الله تعالى : ” قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ” .
لكن الكاتب لم يتساءل في المقابل ولم يبحث ولم يوثق اسماء من أمر النبي صلى الله عليه وسلم من أبناء عمومته يوم الفتح .
ومن قتل اصحابه بعد قيام الدولة من السادة ليس أقلهم شأنا النضر بن الحارث الذي قتله علي رضي الله عنه صبرا وكان سيدا وجيها ومهابا من سادة قريش وهو حامل لواء المشركين في بدر .
فهل كان أوضع نسبا من خالد ؟
وهل شفعت له عند أصحاب النبي قرشيته وهو الذي مات على أيديهم ؟
القضية إذا غير قابلة للحشر في السياق منتوفة الريش ، مبتورة السياق.
السؤال الثالث وهو حكم ـ على خلاف التساؤلين أعلاه ( الشاهد الثالث ) : الأخوة و علاقة الدم و القربى تمنح حق الرحمة لقريش في الفتح و تحرم بني قريظة من ذلك الحق
فات الكاتب هنا أن يحدد الفرق بين خيانة العهود وإعلان الحرب من داخل الدولة ( الخيانة العظمى ) وبين الحرب المعلنة بين دولتين .
وسأشرح ذلك
عندما يقول رئيس حزب مغربي اليوم أن موريتانيا أرض مغربية يلزم أن تستعاد ، فهو بذلك يتحدث من منطلق مغربيته التي تكفل له حرية رأيه ، بينما لو قال قائل بقوله وهو موريتاني لجثم تحت عقوبة الخيانة التي تطاله بصفته موريتانيا .
يحدد ذلك تمهيدا للفرق بين بني قريظة وقريش في الحادثتين
فقد كان عقاب بني قريظة مبنيا على أساس معاهدة جاء فيها :
– وأنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم.
– وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.
– وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم أو أثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته.
– وأن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم، وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وأن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم.
– وأن لا تجار قريش ولا من نصرها.
– وأن بينهم النصر على من دهم يثرب.
– وأنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله وإلى محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
كانت تلك هي البنود الموثقة لعلاقات الحرب والسلم بين النبي والمسلمين من جهة وبين يهود المدينة كلا .
وهنا سأكتفي بطرح ثلاثة اسئلة أعتقد أنها ستفسر الفرق بين قريش وبني قريظة وتنفي تشابه الحدثين الذين قارن بينهما الكاتب .
السؤال الأول : هل كانت بين قريش مكة مواثيق والتزامات مع المسلمين قبل الفتح ( لأن العقوبة تطال من يطاله قانون الدولة ومواثيقها )
الإجابة بلا طبعا.
السؤال الثاني : هل قام بنو قريظة بنكث العهد الذي ابرمه أهل المدينة ووقعوه ؟
الإجابة بنعم
فقد هاجم بنو قريظة نساء المسلمين وديارهم ومهدو لفتح ثغرة للأحزاب في غزوة الخندق .
السؤال الثالث :
هل كان النبي صلى الله عليه وسلم هو المعني بتطبيق قانون العقوبات على من يخالف وثيقة المدينة ( دستور الدولة ) ؟
الإجابة بنعم
وذلك مايحدده البند سالف الذكر ” وأنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله وإلى محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ”
أنتهى الرد
محمد أفو