من هنا بدأ الانقلاب (ضيف وقضية (20)) / مع الأستاذ محمدٌ ولد إشدو

لحسن: نحن دائما نصر على أن تحاولوا كشف ما استطعتم من الحقائق؛ خاصة ما يتعلق بهذه الفئة التي تسمونها باليمين.

ذ. إشدو: لدي موضوعان أود إضافتهما: أنه انقلاب مدني، وانقلاب رجعي، وذو طابع جهوي أيضا. قلَّ من شارك فيه من ضباط بعض الجهات، وقل من شارك فيه من مدنيي بعض الجهات، وأغلبية منفذيه وقادته كانوا من جهات بعينها دون باقي الجهات.

لحسن: أي أن أغلبيتهم كانت من جهة معينة؟

ذ. إشدو: نعم. كان انقلاب أقلية ضد الأغلبية وهذا ما أوضحته؛ فأقلية الجيش هي من شارك فيه، والكثير من قادة الجيش - وخاصة الذين أبلوا بلاء حسنا في الحرب- لم يشاركوا فيه.

أنت مصر على أن أذكر لك الأسماء، ولكن "الناس متعارفة" ويمكنني أن أحيلك إلى إداري فاضل هو سالم ولد ببوط أطال الله بقاءه، فقد كان حاكم وادي الناقة، وأنا أرى أن التخطيط للانقلاب جرى أساسا بتوجنين، ولم تكن معمورة آن ذاك، ولكن هناك مجموعة من السياسيين بعضهم لا علاقة لهم بالانقلاب والبعض من مخططيه، اتفقوا على "الگزره".. أن يستولوا على الأرض دون منح من الدولة، وطبقوا فكرتهم في توجنين، وكانت الدولة وقتها ضد "الگزره" تماما، وأنا أرى أن "گزرة" الأرض مهدت لگزرة السياسة والسلطة.

في تلك الفترة كان سالم ولد ببوط حاكم توجنين لأنها تابعة لوادي الناقة، فوقف ضد "الگزره" وتعرفون مشاكسات البيضان؛ وخاصة في مجال المساجلات الأدبية. قالوا له:

"سالم عاد ألا يُـــلاگَ ** بيه الِّ سالم عاد أثنين
سالم حاكم واد الناگَ
** واملي حاكم توجنــين". 

لكن ابن أحمد سالم ولد ببوط لن يهزم في هذا الميدان! فقد أجابهم بالقول:

"گاف الخلطه ماهي گرظه ** رفع الواقع محال امتين
يبني في الليل ألا لــرظه ** وافتوجنين البــطارين
!"

لحسن: إذن فقد كان واضحا معهم.

ذ. إشدو: كان واضحا معهم، وهم أيضا كانوا واضحين معه! هو يدافع عن الدولة.
لحسن: ولديه شعور بما اعتزموه؟

ذ. إشدو: كلا، وإنما يتعلق الأمر بـ"گزرة" الأرض.

"يبني في الليل ألا لرظه ** وافتوجنين البطارين!"

ولربما كان لديه علم بالانقلاب، فقد كان هذا قبله بحوالي العام.

أعتقد أن بعض عناصر حزب العدالة الذين كانوا بتوجنين هم من خطط الانقلاب. وسبق أن قلت إني لا ألومهم لعلمي أن الكثير من القادة العسكريين الذين قاموا بالانقلاب كانوا يظنون في هذا حلا للأزمة التي تعيشها موريتانيا، لكن الطريق إلى جهنم مفروش بالنيات الحسنة كما أسلفت.

لا بد أن نذكر هنا أيضا جانبا آخر؛ فقد تحدثت عن المرحوم جدو وآخرين، وقد عين رئيس الوزراء الأسبق سيد أحمد ولد ابنيجاره وزيرا للمالية آنذاك، وكان قبل ذلك محافظا للبنك المركزي.

كان لدى هذه الجماعة تخطيط لانقلاب، ومعها في ذلك عناصر أخرى ذات ميول بعثية وربما ذات ميول يسارية التحقت بالانقلاب ظنا منها أنه سيضيف جديدا أو يأتي بحل أو نحو ذلك، والتحق به آخرون انتهازية ورغبة في القضاء على نظام لا محل لهم فيه.

 

"لكنه دركي"!

ثمة أيضا عناصر أخرى موالية للبوليزاريو في الجيش على أساس انتماء قبلي أو جهوي.

لحسن: كانت في الجيش؟

ذ. إشدو: نعم.. كانت في الجيش!

 لحسن: حتى أثناء الحرب؟

ذ. إشدو: نعم.  

لحسن: أي أن النظام السابق لم ينتبه لها؟

ذ. إشدو: سأحدثك بحكاية عن الرئيس المختار، حدثني ثقة أنه في بداية العاصمة هنا (وكانت وقتها عشر دور تقريبا) كان يأتيه قريب له نائب في البرلمان وشخص عز نظيره هو المرحوم سليمان ولد الشيخ سيديا. كان إذا انتهى اجتماع النواب (قبل وجود فندق بالعاصمة) جاء إلى غرفة مخصصة له من منزل الرئيس لينام فيها، وذات ليلة جاء لينام كعادته فوجد الحارس المعني بأمن الرئيس في تلك الليلة ضابطا من الدرك الوطني من إحدى قبائل المذرذره، وفي تلك الفترة كان أفاضل من رجال تلك القبيلة معتقلين.

لحسن: بتهمة الاختلاس؟

ذ. إشدو: لا، لا، لا.. لأسباب سياسية! فقد كان هذا إثر اعتقال أمير الترارزه محمد فال ولد عمير إثر عودته من المغرب. لم يطمئن سليمان إلى هذا فطرق الباب على الرئيس المختار – وكان رجلا بسيطا- فخرج إليه مستفسرا عن مرامه، فقال له: يا أخي أتصل بك السذاجة إلى أن تعتقل أمير الترارزة منذ يوم أو يومين ثم تكل أمنك إلى ابن عمه وتنام في حمايته؟! فابتسم المختار وقال: ولكنه دركي!

 لحسن: أي أنه لم يكن يتعامل مع الناس على أساس المفاهيم القبلية.  

ذ. إشدو: كلا.. وإنما بروح الدولة. وهؤلاء الضباط السالف ذكرهم كانوا ضباطا في جيش جمهوري ولا تخفى روابطهم الاجتماعية وتعرف ميولهم، لكنهم ضباط في الجيش.

لحسن: الدولة قبل كل شيء.

ذ. إشدو: نعم. هو كذلك.

لحسن: إذن هذا ما يتعلق بأسباب وطبيعة انقلاب العاشر من يوليو 1978.

ذ. إشدو: حسب وجهة نظري.