«استوصوا بالنساء خيرا».. قاعدة سنها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يكن بمنأى عنها، بل كان أول من تعامل مع المرأة بشكل لم تعهده من قبل، فحملها على كتفه وهو يصلي، حيث حمل أمامة بنت السيدة زينب، وأصبح يضاحكها ويسابقها جريا كما فعل مع السيدة عائشة، وأصبح يصلي عليها ويقدسها بعد موتها، كما فعل مع من كانت تنظف المسجد، والسيدة خديجة.
كان النبي أول المدافعين عن المرأة، ودليل ذلك قوله “إنما النساء شقائق الرجال”، وسنعرض عددا من المواقف التي تدعم ذلك؛ فعندما كان عائدا من غزوة، طلب من السيدة عائشة أن يتسابقا، فسبقته، وبعد فترة تسابقا مرة أخرى، وكان النبي نشيطا لحركته الدائمة، أما السيدة عائشة فتقول: أرهقني اللحم فسبقني، فأخذ يلاطفها ضاحكا ويقول: “هذه بتلك يا عائشة”.
الرسول الكريم كان شديد الاهتمام بزوجاته، وكان يعرف إن كانت غاضبة أم لا من أبسط الألفاظ فيقول لها: “أنى لأعلم إذا كنت عني راضية وإذا كنت عنى غضبى، أما إذا كنت عنى راضية فإنك تقولين لا ورب محمد، وإذا كنت عني غضبى قلت: لا ورب إبراهيم”، وهذا على أقل تقدير يبين لنا مدى إنصات النبي الجيد لحديث زوجته، وكذلك ما ترويه السيدة عائشه عن شرب النبي مما تشرب من السيدة عائشة ويضع فمه موضع فمها، وهذا من عظم أخلاقه صلى الله عليه وسلم.
أما عن معاملة النبي للسيدة عائشة عندما تغضب، فمن جميل مواقفه وتصرفه عندما جاء أبو بكر ورأى السيدة عائشة ترفع صوتها على صوت النبي، فقال لها أبو بكر يا ابنة فلانة باسم أمها، وهذا يعد سبا عندهم، أترفعين صوتك على رسول الله وقرب منها وهَمَّ بضربها لولا أن النبي أبعده عنها، وبعد أن خرج أبو بكر، بدأ النبي يرضي عائشته ويلاطفها قائلا: ألم تريني حلت بين الرجل وبينك – يستشفع بالموقف الدفاعي الذي وقفه صلى الله عليه وسلم – ثم استأذن أبوبكر مرة أخرى فسمع تضاحكهما – النبي صلى الله عليه وسلم وعائشة رضي الله عنها ـ قد أزال النبي صلى الله عليه وسلم بحسن معاملته هذا الأمر الذي كان سبب الغضب ـ فقال أبو بكر : أشركاني في سلمكما كما أشركتماني في حربكما”.
وعن صبره صلى الله عليه وسلم وحسن معاشرته واستماعه لزوجته، موقفه مع السيدة عائشة أيضا عندما بدأت تحدث النبي عن أبي زرع وأم زرع وهو حديث طويل يحكي عن حسن العشرة بين الزوج والزوجة، فما كان من النبي إلا أن قال بعد انتهاء السيدة عائشة من حديثها: “كنت لك كأبي زرع لأم زرع” أي أنا لك كأبي زرع في الوفاء والمحبة فقالت عائشة: “بأبي وأمي لأنت خير لي من أبي زرع لأم زرع”.
لم يكن النبي سمحا مع السيدة عائشة فقط، فلم تنسه الحرب ملاطفة السيدة صفية أيضا وإظهار حبه لها، فعن أنس قال: “خرجنا إلى المدينة – قادمين من خيبر- فرأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يجلس عند بعيره، فيضع ركبته وتضع صفية رجلها على ركبتيه حتى تركب البعير”، فلم يخجل الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم من أن يرى جنوده هذا المشهد وهو يظهر الحب والمودة لزوجته السيدة صفيه.
وكان يطيب خاطرها إذا حزنت، فكانت السيدة صفية مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سفر، وكان ذلك يومها، فأبطأت في المسير، فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهى تبكي، وتقول: حملتني على بعير بطيء، فجعل رسول الله يمسح بيديه عينيها ودموعها، ويسكتها.
ومن عظيم قوله وفعله أنه كان يظهر حبه لزوجاته فيقول عن السيدة خديجة رضي الله عنها: “رزقت حبها”، وعندما سأله سيدنا عمرو بن العاص: أي الناس أحب إليك يا رسول الله؟ قال: عائشة.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخشى على نسائه من كل شيء حتى من إسراع الإبل وظهر هذا عندما قال لغلام اسمه أنجشة وقد أسرع قليلا بالإبل: “رويدك يا أنجشة سوقك بالقوارير”.
ومن مواقفه التربوية أيضا التي تُظهر عظم الأنثى عند النبي أنه كان يحمل أمامة بنت زينب ـ حفيدته ـ وهو يصلى فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها، ولم تتوقف رحمة النبي وحسن معاملته على أهل بيته فقط، فقد كانت هناك امرأة سوداء تنظف المسجد وتلتقط العيدان والقش الذي به وعندما غابت هذه المرأة قال النبي: “أين فلانة؟، قالوا: ماتت، قال: أفلا آذنتموني؟، قالوا: ماتت مِن الليل ودُفنتْ؛ فكرِهنا أن نوقظك، فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قبرها، فصلى عليها وقال: إذا مات أحد من المسلمين، فلا تدَعُوا أن تُؤذِنوني”.
ومن أهم الدروس التي يجب تعلمها والسير عليها ما أشار له النبي استنكاره للرجال الذين يسيطر عليهم هاجس الشك في زوجاتهم، فقد نهى النبي أصحابه أن يتعمد أحدهم مفاجأة أهله بالدخول من السفر بحثًا عما يدل على خيانة أو عثرة، فنهى أن يطرق الرجل زوجته ليلاً يتخونها، أو يطلب عثراتها.
ليس هناك منهج أفضل من منهج النبي صلى الله عليه وسلم في معاملاته عامة ومع النساء خاصة، فهو الذي ما غفل قط عن حق زوجه وكان كثيرا ما يلاطفهن، ويتحمل غيرتهن ويستمع إليهن ويطرب لذلك.