لم استطع بعد أن استوعب قصة هروب والد الشاب ولد لمخيطير صاحب المقال المسيء إلى فرنسا وخروجه متخفيا إلى الحدود السنغالية بعد أن حصل على حق اللجوء كما أوردت معظم المصادر المحلية، لقد كان الرجل في كل تلك الفترة التي مضت على قصة ابنه وسجنه خارج الموضوع ولم يدخل فيه
أبدا ،كما أنه لم يتهمه أحد بالفسوق ولا باتهامات قد تثير الشكوك من ناحية أو أخرى على ما هو شائع ، اللهم إذا كانت هناك استثناءات لم تصلنا ولا نعلمها نحن معشر البسطاء .
أحببتُ أن أسجل ملاحظات حول قصة هروب الحاكم السابق والد المسيء أحاول من خلالها التساؤل عن مختلف جوانب القضية ، ولا أدعى الإحاطة الكاملة بالموضوع ولا أقول أن ما سأتعرض له من ملاحظات قد يكون هو الحقيقة المطلقة ، بل هي مجرد أفكار متناثرة مرت على تفكيري في لحظة ما من لحظات الذهل والدهشة التي أصابتني عند ما سمعتُ بهروب الأخ أو السيد الحاكم .
1- أولا هروب الرجل كان مفاجئا لي ، على اعتبار كل ما ذكرتُ ، واضيف أنه ليس من المنطق أن يخشى احد على نفسه ويهربُ وهو بريء خشية أن يؤخذ بذنب رجل آخر، ففي حدود علمي لا يوجد قانون يعاقب بالغا بذنب بالغ آخر ، اللهم إن كانت في المجتمعات البدائية التي ينعدم فيها القانون ويحكمها العرف ومنطق القوة والغلبة.
وكأن الرجل يريد ان يقول أن موريتانيا ينعدم فيها القانون وفيها يؤخذ البريء بذنب المجرم ، وهذا ما لن يقبله أي عاقل هنا ، صحيح هناك شوائب عدة ومشكلات جسيمة تعاني منها العدالة في بلدنا وصحيح أن للنفوذ عدالة خاصة وحكم قضائي خاص، لكن أن تصل الأمور إلا هذا الحد فهذا شيء غريب ...!
لقد كانت قصة هربه ملحمة سينمائية محبوكة ومدققة ، فأن يتسلل حاكم ، أو مواطن إلى الحدود مع دولة مجاورة تستقبله أجهزة استخبارات دولة أخرى ، فهذا شيء خطير ، إما أن يكون الهارب قد فعل ما يخشى على نفسه منه بالفعل ، أو تكون تلك الجهة التي استقبلته على اتصال مسبق به وخططت معه لكل ذلك مقابل أمر ما ، وإن كان واضح معلوم فإن طبيعته لم يعلن عنها بعد ، وعيب على إطار في وزارة الداخلية واللامركزية هذا ، أهذا يعني أن فرنسا يمكن أن تؤثر على مل مسؤول فينا؟ أم ماذا؟
2- النقطة الثانية التي تذكرتها وأنا أتابع بحيرة هذه القضية ، هي نقطة جاءت في مقابلة الرئيس الموريتاني مع جريدة لموند الفرنسية ، في سؤال يتعلق بولد امخطير ، قال الرئيس أنه لم يدعم التطرف ، ولم يدعوا إلا إعدام المسيء ولم يطالب بذلك ، وأنه استقبل فقط مظاهرات مطالبة بتطبيق الشريعة ، قالها بأسلوب يفهمُ القارئ من خلاله أن الأمر بسيطا عنده ، وهذا شيء غريب ، كيف يكون رئيس دولة على موقف وسط في قضية تعتبر أنها فسق ومست من مقدسات مجتمع ؟ ، ليس على موقف المسيء ولا أتهمه ما عاذ الله بذلك ، لكن أشم في الأمر راحة ضغوط غربية أو فرنسية بالتأكيد من أجل تخفيف الحكم وإطلاق سراح المسيء .
وهذا أمر يبدو بين إذا نظر أحد إلى مختلف التطورات الأخيرة التي صاحبت القضية من قصة البيانات الفرنسية التي تحذر فيها رعياها من موريتانيا معتبرة أنها دولة غير آمنة مرورا بالمحاكمة وبرنامج قناة الوطنية التي استضافت محامي المسيء ، ذلك البرنامج الذي توقف بثه بسبب احتجاجات شعبية عفوية ، وانتهاء بهروب والد المسيء واستقبال الاستخبارات الفرنسية له ومنحه حق اللجوء إلى فرنسا ...
لقد تم الحوار الذي شمل أحزابا معارضة ومختلف تشكيلات الموالاة دون استشارة فرنسا وخلص إلى تغير العلم والنشيد الموريتانيين ، ومع أن هناك من يرى أن فرنسا تتحرك من أجل البقاء إلى النشيد والعلم ، إلا أني أميل إلى ضعف تلك الرواية وأرى أن غياب دبلوماسي فرنسا وأطرها عن الحوار أو تغيبهم كان وراء كل تلك المشاكل التي ظهرت مؤخرا ، فما هي الحاجة التي تدفع فرنسا إلى المحافظة على علم لم ترسم تفاصيل دلالاته وليس نسخة من علمها ولا يشاببه ، ولم يذكر أي مصدر تاريخي حضورها بشكل أو بآخر في اعتماده ، ونشيد لا تفهمُ في كلماته ، فإذا كان الأمر يعود إلا صاحب النشيد وعلاقته الحسنة مع فرنسا ، فلفرنسا علاقات حسنة مع أشخاص هنا مازالوا أحياءا ربما تكون أقوى من علاقتها مع العلامة باب ولد الشيخ سيديا نفسه ، يمكن أن تجعل الدولة تعتمد على أيهم لذلك ، وباغة أخرى المصالح الاقتصادية واستمرار السيطرة الاستخباراتية أهم عند فرنسا من أمور كهذه .
وعلى العموم باستثناء الإسم "اسم موريتانيا" التي له قصة معروف وله دلائل وشواهد تاريخية لم أسمع بدولة مستعمرة غادرت مستعمرتها وفرضت عليها نشيدا وطنيا معينا أو علما .
وخلاصة القول أن هناك أزمة سيئة بين النظام الحالي وفرنسا لا نعرف بالضبط حجم عمقها أدت إلى سكوت النظام عن مخرجات الحوار والاستفتاء الذي تعهد به الرئيس نهاية هذه السنة التي لم يبقى منها إلا أياما ، كما أدت إلى سعي موريتانيا بكل الطرق لإيجاد حجة كي تطلق سراح السجين الذي أساء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وليس هروب هذا الرجل إلا وجها آخر من أوجه تلك الأزمة التي يبدو أنها تشعبت وتعددت باسم الحرية والحقوق ، وقد يكون في الأيام المقبلة ما هو أشد وأعظم علينا