أجلت المحكمة النطق بالحكم في ذلك " الشقي" الذي " تطاول" على الجناب النبوي الشريف إلى الشهر القادم. وكانت جموع ضخمة جدا من المواطنين قد تدفقت باتجاه المحكمة في اليوم الذي كانت ستنطق فيه المحكمة الحكم، إلا أن هذه الجموع صدمت بتأجيله.
وتشهد النخبة الموريتانية انقساما حول مبدأ التظاهر أمام المحكمة. فبينما تعتبره نخب ليبرالية ويسارية شكلا من أشكال الضغط على القضاء مما يؤثر على نزاهة القاضي ، وبالتالي توجيه الأحكام بما يتناقض مع حياد القضاء المطلوب، فإن الجماهير الشعبية والنخب القومية و المشايخ والإسلاميين تعتبر المساس بالمقدسات الدينية أمرا فوق هذه الاعتبارات.
ومع أن ولد امخيطير ليس أول من يتجاسر في موريتانيا على النبي محمد (ص) ولن يكون الأخير، إلا أن قضيته اتخذت أبعادا خطيرة. ويرى محللون أن وراء هذا التضخيم أكثر من عامل: العامل الأول ، بحسب قراءات سياسية معارضة، أن النظام الحاكم يواجه تصعيدا كبيرا في علاقاته مع المغرب على إثر احتضان هذا الأخير لرجل الأعمال ( ولد بو عماتو) الذي يعد كابوسا لا يفارق رجال النظام؛ وهذا الاحتضان رد عليه النظام الموريتاني بانزياح غير مسبوق في علاقاته الخارجية لصالح الجزائر وسياساتها الإقليمية المناوئة للمغرب.
وقد بلغ هذا التصعيد أعلى نقطة فيه بعد تصريحات الأمين العام لحزب الاستقلال المغربي الذي طالب فيها باستعادة موريتانيا كجزء من الحوزة الترابية التاريخية المغربية؛ وهو أمر أثار حفيظة الموريتانيين ، وخصوصا النخب الموالية للنظام التي بدت كمن تلقف هذه الهفوة المغربية لتبرير تنصل النظام من الحياد في قضية الصحراء المستعصية، الذي حافظت عليه موريتانيا خلال الفترة الماضية ؛ فبدا ( النظام ) بحاجة لشيء مقنع يعبئ به الرأي العام في توجهه الجديد. هذا فضلا عن ضغط الوضعيات السياسية و الاقتصادية والاجتماعية .
ويرى هؤلاء المحللون أن النظام ، إذن، وراء تأجيج مشاعر المواطنين العاديين لنسيان أوضاعهم ولعدم متابعة الحملات القوية التي تشنها أوساط إعلامية مغربية عليه. هناك محللون آخرون يبررون أن النظام يعمل من خلال إعطاء حجم مبالغ فيه لقضية ولد امخيطير للتغطية على طبخة تطبخها المؤسسة العسكرية على نار هادئة فيما يتعلق بتصور ما بعد نهاية الأمورية الأخيرة للرئيس الحالي قبل أن تزف ساعتها .
وهذه القضية تثير لغطا سياسيا وإعلاميا في موريتانيا برغم تأكيد الرئيس نفسه بعدم تغيير الدستور فيما يخص مواد المأموريات في مناسبات إعلامية دولية عديدة، وأمام الرأي العام الوطني والدولي في ختام الحوار المنظم أخيرا مع جزء من أحزاب المعارضة. إلا أن مسئولين كبار من الحكومة لا يفوتون الفرصة في ترديد إمكانية تغيير هذه المواد ، وهو ما يفسر أنه بتخويل من الرئيس نفسه.
وهناك قراءة ثالثة تعتبر أن قضية ولد امخيطير تأتي في سياق ترهيب الغرب من موجة تطرف ديني متنامية في موريتانية؛ وأن الرئيس الحالي يريد تسويق نظامه للغرب، وضرورة استمراره، سواء به هو أو بدعم أحد رجالاته.
وهذا ما يفسر امتناع جل القوى السياسية والحزبية الموريتانية عن ردود أفعال على ما تعرض له جموع المواطنين الغاضبين من قمع على أيدي قوات الشغب، خشية التقاطع مع القوى الغربية، وحتى تسوق هي نفسها كبديل مقبول ومعتدل في أعين هذه القوى.
أيا تكن مصداقية هذه القراءات من عدمها، يبقى النظام الحاكم في حرج شديد جراء هذه القضية ؛ فهو اليوم يواجه ضغطا شعبيا هائلا لإعدام ولد اخيطير .
فإما أن يستجيب لهذا الضغط الممارس من كتل بشرية غير سياسية فيغضب الغرب، وإما أن يصدر فيه حكم دون ذلك فستنهار شرعيته الدينية عند أتباع الطرق الصوفية والعلماء التقليديين و المحاظر ( الكتاتيب) القرآنية والمواطنين العاديين، ومن ثم يصبح صيدا سهلا للدعاية الدينية التي ستفيد منها حركات الإسلام السياسي.
وقد بدأت فعلا خطواتها الأولى في هذا الاتجاه. فهل ينجح النظام في تجاوز التداعيات الشعبية والغربية لهذا التصعيد الذي تسبب في ما لم يكن مخططا له، أصلا.. وبأية آلية...؟ ، هذا ما ستجيب عليه الأيام القادمة، علما أن الموريتانيين معروفون بقصر النفس وسرعة النسيان، خصوصا إذا طرأت أمور قابلة للتسويق الدعائي ، كالانتخابات، أو مواجهة إعلامية مع جهة خارجية....
الصدر:
جريدة الدرب العربي العدد 33