نه لمن الصعب جدا أن نقدم قراءة جدية وذات مصداقية لهذه التعديلات والترقيعات التي تشهدها الحكومة من حين لآخر، وذلك لسبب بسيط جدا، وهو أن هذه التعديلات والترقيعات لا تخضع في العادة لأي قاعدة، ولا يحكمها أي منطق، وإنما تخضع فقط لتقلبات مزاج الرئيس، ومن المعلوم بأن هناك صعوبة بالغة في قراءة دلالات تقلب "المزاج السامي" لسيادته، تلك هي قناعتي، ولكن وعلى الرغم من ذلك، فإني سأحاول أن أقدم لكم من خلال هذا المقال قراءة لدلالات التعديل الوزاري الأخير.
خيبة أمل
شكل هذا التعديل الجزئي خيبة أمل كبيرة لكل متابعي الشأن العام ولكل الطامحين للتعيين وكذلك لكل المواطنين، خاصة وأنه قد جاء بعد عطلة طويلة خلا فيها الرئيس بنفسه، ولا شك أنه خلال خلوته تلك قد فكر وقدر وتأمل في أحوال المواطنين، وفي حال حكومته، وفي حال نظامه بشكل عام. المصيبة أن كل هذا التفكير لم يقد ـ حتى الآن ـ إلا لهذا التعديل الجزئي الذي لم يمس أي وزارة من الوزارات ذات الصلة المباشرة بحياة المواطنين، فلم يمس هذا التعديل وزارة التعليم ولا الصحة ولا الاقتصاد ولا العدل ولا الزراعة ولا الصيد ولا التشغيل والتكوين المهني، وهو ما يعني، وهذا مما يدعو إلى القلق، بأن الرئيس راض عن حكومة ولد حدمين، وأنه لا يرى أي ضرورة لأي تعديل وزاري في هذه الحكومة، وإذا كان لابد من تعديل فليكن محدودا، وليقتصر على وزارة أو وزارتين من الوزارات التي لا ترتبط بشكل مباشر بحياة الناس.
توازن حسابي
يمكن القول بأن هذا التعديل الوزاري الجزئي كان دقيقا من الناحية الحسابية، فقد تمت إقالة وزير ووزيرة، وتم تعويضهما بوزير ووزيرة. هذا التوازن الحسابي قد يغيب إذا ما نظرنا للوزراء المعينين والمقالين بنظرة أخرى لا تتوقف فقط مع الأعداد.
المتأمل في هذا التعديل سيلاحظ بأن الوزيرين اللذين أقيلا يمكن تصنيفهما بأنهما "تكنوقراط"، وأن الوزيرين اللذين عينا هما من أهل السياسة، فالوزيرة المعينة نائب وقيادية في الحزب الحاكم، والوزير المعين ناشط في "شباب أنتم الأمل"، ويعني ذلك بأنه من الناحية العددية فقد زاد عدد السياسيين في الحكومة بوزيرين، ونقص عدد التكنوقراط بوزيرين، وربما تكون في ذلك إشارة إلى أن السياسة ستكون أكثر حضورا في الفترة القادمة. يمكن أن نلاحظ أيضا بأن وزير النقل المقال كان قد تم تعيينه في فترة كان فيها أهل ولاية لعصابة يشكون من الإقصاء، وأن وزيرة المرأة المعينة حاليا قد تم تعيينها في هذه الفترة التي يشكو فيها أهل الترارزة من الإقصاء.
دمعة بعد عشرين عاما من الهناء
يشترك الوزيران المعينان بأن كل واحد منهما قد فاضت عيناه بالدمع علنا لا خفية، وأمام الكاميرا، فالوزير المعين قد بكى ذات مهرجان من مهرجانات شرح خطاب الرئيس في النعمة، والوزيرة قد بكت ذات نقاش في الجمعية الوطنية. فهل سيكون البكاء هو الطريق الأسرع إلى التعيين في العام 2017؟ وهل سنشاهد في المستقبل بكائيات جديدة؟ ما يمكن قوله هنا هو أن بكاء الوزير والوزيرة سيصعب كثيرا على كل أولئك الذين سيسعون في عامنا هذا إلى التعيين كوزراء.
يبقى أن أشير إلى أن الوزيرة التي بكت في البرلمان دفاعا عن نظام ولد عبد العزيز كانت قد كتبت مقالا تمدح فيه ولد الطايع في آخر أيامه، وكان عنوان المقال : "عشرون سنة من الهناء". وإليكم فقرة من المقال : "إن الذي طور موريتانيا، وكرس الديمقراطية، وحارب الرشوة بقوة، وطور اقتصاد البلد، وخلق مناخا يسمح للموريتانيين بالعمل، وكسب الثروة، وأقام حملات محو الأمية لصالح المواطنين هو الرئيس الذي في ظل حكمه تم اكتشاف النفط لكي تتغير حياة الموريتانيين بشكل إيجابي، إنه حظ سعيد بعد سنوات من البناء".
هذه الفقرة أوردتها هنا لألفت انتباه من يتنافسون اليوم على التطبيل والتصفيق للنظام القائم بأنه سيأتي يوم سيتمنون فيه لو أنهم استطاعوا أن يدمروا أرشيفهم التطبيلي. وتبقى المشكلة الأكبر تكمن في أن هؤلاء يطبلون اليوم في زمن مواقع التواصل الاجتماعي، وفي زمن يتم فيه توثيق تطبيلهم بالصوت وبالصورة وهو ما يعني بأن الحرج سيكون أكبر وأن المهمة ستكون أصعب عندما يحاولون غدا أن يتخلصوا من أرشيفهم التطبيلي. ومن قبل أن أختم هذه الجزئية، وحتى لا أظلم الوزيرة، فإن لابد من القول بأنها تمتلك من الكفاءة ما يؤهلها للتعيين وزيرة، فهي تتحدث بشكل جيد، وهي لم تكن بعيدة من ملفات الوزارة التي عينت عليها.
ما في الوزارة تعرفه كمبا
لم تغب السيدة كمبا با عن المناصب السامية خلال العقد الأخير، وظلت تتنقل خلال هذا العقد من مستشارة إلى مكلفة بمهمة إلى وزيرة. كما أن اسمها لم يغب عن بعض الملفات التي أثارت جدلا كبيرا في السنوات الأخيرة، وما في صناديق أكرا تعرفه كمبا. ما يهمنا هنا هو أن هذه الوزيرة عادت إلى وزارة كانت قد أقيلت منها منذ ما يقترب من سبع سنوات، فلماذا تمت إعادة الوزيرة إلى وزارة لم تكن قد تركت فيها أثرا طيبا خلال فترة المرور الأولى والتي امتدت من أغسطس 2009 إلى مارس 2010؟
لا يمكننا تقديم إجابة على هذا السؤال، كما أنه لا يمكننا تفسير السر وراء التنقلات المتكررة للوزراء بين الوزارات، فإذا كان الوزير المقال قد فشل في تسيير وزارته فلماذا يعين على وزارة أخرى؟ وإذا كان قد نجح في إدارة تلك الوزارة فلماذا يحول عنها، ولماذا لا يترك فيها حتى يواصل نجاحاته خاصة وأنه قد بدأ يتعرف جيدا على ملفات الوزارة؟
وإذا كانت السيدة كمبا با قد نجحت في الشباب والرياضة فلماذا لا تترك هناك لمواصلة نجاحاتها، وإذا كانت قد فشلت فلماذا يتم تعيينها وزيرة للوظيفة العمومية، فهل كان ذلك من أجل تعميم الفشل على أكبر قدر ممكن من الوزارات؟
آخر من يأتي هو أول من يغادر
حقيقة لا أعرف لماذا تم تعيين وزير النقل المقال، ولا أعرف من أين جيء به إلى هذه الوزارة، ولا على أي أساس تم اختياره دون غيره. كما أني لا أعرف على أي أساس تمت إقالته بشكل مبكر. إن ما يمكن قوله هنا هو أن هذا الوزير لم يكن من بين الوزراء الذين كانت أسماؤهم أكثر تداولا في الفترة الأخيرة، ولم يكن هو الوزير الذي حصل على أكثر نصيب من استياء الناس في الفترة الأخيرة، فلا هو كان الوزير الناطق باسم الحكومة الذي كلما عقد مؤتمرا صحفيا تسبب في إحراج الحكومة، ولا هو بوزير التعليم العالي الذي تم تداول اسمه في الفترة الأخيرة في العديد من الملفات التي ظلم فيها الطلاب، ولا هو بوزير العدل الذي أثار هرجا ومرجا منذ قدومه إلى الوزارة، ولا هو بوزير الاقتصاد والمالية الذي ضيق على الناس في أرزاقهم. فلماذا يقال هذا الوزير ويترك أولئك؟ هذا سؤال لا أستطيع أن أجيب عليه، كما أني لا أستطيع أن أجيب على سؤال آخر لا يقل أهمية، وهو السؤال الذي يقول لماذا تم أصلا تعيين الوزير المقال؟
حقيقة إننا لا نعرف لماذا يتم تعيين الوزراء ولماذا يقالون؟ ولا نعرف لماذا يعمر هذا الوزير لسنوات ولماذا لا يكمل ذلك الوزير عدة أشهر في الوزارة؟
ولعل الطرفة التي يمكن تقديمها هنا هي أن الوزير الذي حطم الرقم القياسي في البقاء أطول مدة على وزارة واحدة (ست سنوات) هو السيد أمادي كامرا وزير البيئة والتنمية المستدامة، هذا الوزير يمتاز عن غيره من الوزراء بأنه هو الوزير الوحيد الذين انتقده الرئيس في ملأ. يقال بأن "رئيس الأجيال القادمة" ينتقد وزراءه ويوبخهم في كل حين، ولكن جرت العادة أن يكون ذلك سرا. ومن الحالات النادرة التي تم الانتقاد فيها جهرا وأمام الكاميرا، يمكن أن نذكر انتقاد الرئيس لوزارة البيئة التي قال بأنها قد نهبت الأموال المخصصة لغرس مليون شجرة، وكان ذلك بمناسبة إطلاق المرحلة الثانية من ذلك المشروع.
الوزير الذي اتهمه الرئيس بنهب المال وبالفساد في سبتمبر 2012، وأمام الصحافة، يعد الآن هو الوزير صاحب الرقم القياسي في البقاء لأطول فترة في وزارة واحدة. فهل عرفتم الآن لماذا يقال هذا الوزير ولماذا يحتفظ بذلك؟
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل
elvadel@gmail