خلال السنوات الخمس الماضية، دأبتُ على الإقامة فى فندق الريتز كارلتون، المطل على حديقة (سنترال بارك) الرائعة فى نيويورك، حيث تنعقد أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة.
كان لي موعد يومي مع اثنين – على الأقل- من الرؤساء الأفارقة: الرئيس الغابوني (علي بونغو) المواظب على الرياضة باكرا فى حديقة (سنترال بارك)، حيث يلاطف النسيم العليل رذاذ المطر، وتختلط زقزقة العصافير بحفيف أوراق تعدو عليها سناجب أفزعتها أقدام المهرولين وعجلات الدراجات الهوائية.
أما الرئيس الغامبي (يحي جامي) فهو نزيل دائم فى الطابق الثاني عشر من الفندق حيث أقيم، وكثيرا ما تقابلنا عند المصعد أو فى البهو ، وقد عرَّفه عليَّ – للمرة الأولى- أحد مستشاريه وهو صديق لي منذ العام 2005.
يُعلن (الحاج الدكتور يحي جامي) كثيرا من المودة للموريتانيين، و لم أكُنْ أفوت فرصة للحديث معه فى الشأن الإفريقي عموما وشؤون منطقتنا على وجه الخصوص.
يوم الثلاثاء (24 سبتمبر 2013)، وعلى هامش الدورة 68 للجمعية العامة للأمم المتحدة، كان لي حديث مطول مع الرجل، لن أرويَ منه إلا المقطع التالي : (( بعض الرؤساء الأفارقة عنيدون “STUBBORN” ، فقد رفض الرئيس النيجيري السابق “أولسيجون أوباسانجو” نصيحتي بالقضاء على تنظيم بوكو حرام فى المهد، وها هي المنطقة برمتها تجني ثمار تساهُله مع هذا التنظيم الكافر…ورئيسك السابق “معاوية ولد الطايع” رفض نصيحتي بالتفاوض مع تنظيم فرسان التغيير،يوم أخبرته باستعدادي لتمهيد الأرضية أمامه لهذا الغرض، فأوشك أن يقطع علاقاته معنا…)).
كان من أبرز شهود هذا الحديث مستشار الرئيس الغامبي الآنف الذكر، ووزيرة إعلامه المقربة ” نيني ماكدوال غي”، التي ستصبح لاحقا وزيرة خارجيته.
تذكرت هذا الحديث أول مرة وأنا أستمع إلى الرئيس الغامبي وهو يهنئ منافسه “آداما بارو” بالفوز فى الإنتخابات الرئاسية، ويعلن أنه – أي يحي جامي- سينصرف إلى حياة جديدة يشغل فيها جل وقته بزراعة حقله فى مسقط رأسه.
وتذكرت حديث نيويورك من جديد عندما قرر الرئيس الغامبي تسجيل اسمه فى قائمة الرؤساء العنيدين، وتراجع عن الإعتراف بالهزيمة، وأصر على التمسك بالسلطة.
متلازمة الإنفصام الرئاسي ظاهرة إفريقية، وأبرز أعراضها الحديث عن الزهد فى السلطة ثم التمسك بها حتى آخر رمق.
باباه سيدي عبدالله