عاد الرئيس محمد ولد عبد العزيز من القمة الإفريقية الفرنسية التي انعقدت قبل يومين دون أن يصافح الرئيس الفرنسي هولاند و بالتأكيد من دون لقاءه .. حيث قيل إن الرئيس عزيز حضر القمة بناء على دعوة من الرئيس المالي إبراهيم بوبكر كيتا
و قبل القمة بيوم و الرئيس في الطريق إلي مطار نواكشوط الجديد ـ الذي يحمل اسم إحدى المعارك التي هزم فيها الفرنسيون ـ أصدر الجيش الموريتاني ـ الذي يمثل قادته الجناح العسكري للنظام ـ بيانا واضحا يكذب فيه الناطق الرسمي لوزارة الدفاع الفرنسية
حيث تضمن البيان تكذيبا و إظهارا للقوة و اعتداد باستقلال القرار و تم ذكر فرنسا في نهاية القائمة بفقرة المجاملة الأخيرة المتعلقة بأن موريتانيا تحافظ في إطار محاربة الإرهاب و الجريمة المنظمة على علاقات تعاون ممتازة مع الدول الشقيقة و الصديقة و خاصة دول الساحل و الولايات المتحدة الأمريكية و فرنسا
التوتر الحالي ليس إلا عودة لمربع التوتر الذي كنا تعرضنا له في قراءات سابقة و الذي تراجع فيه السفير الفرنسي في نواكشوط مانويل جويل عن بعض التصريحات و أوضح بعض البيانات و في هذا الصدد نذكر :
ـ ببيان السفارة الذي يعتبر نواكشوط منطقة غير آمنة
ـ بيان من منظمي أحد السباقات الفرنسية اعتبر الشواطئ الموريتانية غير آمنة
ـ خروج رئيس الاستخبارات الموريتانية ـ مدير أمن الدولة ـ لتشكيكه في قصة فرنسية قيل إنه تم التحرش بها في أحد شوارع نواكشوط و هي الخرجة التي اعتذر عنها السفير في بيان لاحق ، كما كانت لغته ناعمة في مقابلة مع صحيفة لا تربين
و تقول المعلومات المتوفرة إن فرنسا تأخذ على نواكشوط رفضها المشاركة في عملياتها الأخيرة بمالي حيث كانت باريس تعول على 3000 عسكري موريتاني يساهمون في هذه العملية ، و تم ـ حينها ـ نقل تصريحات لمسؤولين كبار في موريتانيا تعتبر أن فرنسا بخيلة و طلباتها كثيرة !
ـ كما لم يرق لباريس أيضا المبادرة الموريتانية بإنشاء مجموعة الساحل G5 سنة 2014 حيث اعتبرت أن مبادرة موريتانيا في جمع اتشاد و مالي و النيجر و بوركينافاسو في نواكشوط دون رعايتها هو محاولة لتغييب الدور الفرنسي كراعي للمنطقة
ـ تأخذ موريتانيا على فرنسا اللغة السلطوية في علاقاتها و تدخلها في الأمور السياسية خاصة مع قدوم السفير الحالي و قد ترجمت ذلك الاعتراض في غياب الرئيس عن عديد القمم الفرنسية التي تهم موريتانيا مثل قمم داكار ، آبدجاه ، و مدغشقر ..
و عبرت موريتانيا عن امتعاضها عن المواقف الفرنسية التي تعتبر المغرب و السينغال نقاط ارتكاز مهمة في المنطقة بتجاوز لموريتانيا إلي تقليل التعاون و إرسال إشارات الجفاء ـ طرد المتعاونين العسكريين من أطار و عدم التجديد لمهامهم
و بالرسائل الجديدة شبه الواضحة بيان الجيش و عدم مصافحة الرئيسين نكون قد تجاوزنا مؤشرات أخرى كنا نعتبرها مظاهر لفتور العلاقة و هي :
أنه منذ لقائه الأول برئيس االجمهورية لتقديم أوراق اعتماده 03/11/2014 لم يلتق جويل منفردا بالرئيس عزيز في العلن على الأقل وإنما اقتصرت اللقاءات به مع وفود فرنسية تزور موريتانيا زيارات روتنية لا تتمتع بكبير أهمية.
ـ التقى السفير الفرنسي 5 مرات خلال العام 2015 بالوزير الأول خلال أشهر يناير وفبراير ومايو ومرتين خلال شهر أكتوبر يومي 14 و27 بينما لم يلتق به خلال العام الماضي 2016 كاملا.
ـ فتور في التعاون الاقتصادي والمالي حيث لا يوجد في أرشيف الوكالة الرسمية سفرات مهمة أو ذات فائدة لموريتانيا لوزير الاقتصاد إلى فرنسا، وهو أمر غير مألوف حيث كان نادي باريس في وقت سابق من أهم الداعمين الاقتصاديين.
ـ إصرار فرنسا على الإبقاء على موريتانيا في الدائرة الحمراء على الرغم من استباب الأمن وعدم حدوث عمليات إرهابية خلال السنوات الخمسة الماضية، حتى علق بعض النشطاء السياحيين أن شنقيط ووادان كانت أكثر أمنا من باريس خلال السنتين الماضيتين!
ـ نقد الرئيس عزيز خلال خطابه في النعمة لتبعية السياسين الموريتانيين ـ المعارضين ـ لفرنسا بأنهم يسافرون إلي باريس معتبرين أن ما تقولوه "وحي" حيث اعتبر مراقبون أن هذه الكلمة لا تخرج من فراغ.
ـ تسمية مطار نواكشوط الدولي بمطار "أم التونسي" وهو أمر من المؤكد أنه لا يروق للفرنسيين، حيث قتل في تلك المعركة جنود وضباط من الجيش الاستعماري.
ـ إصرار القوى الداعمة للرئيس على طرح موضوع إضافة الشريطين الأحمرين للعلم، وهما يرمزان لدم الشهداء الذين كانوا يقارعون المستعمر الفرنسي.
ـ حملة شطب على اللافتات المكتوبة فقط باللغة الفرنسية في مدينة نواكشوط.
ـ اللقاءات المتكررة بين السفير الفرنسي وزعامات المعارضة والتي لا يوازيها دائما لقاءات مماثلة مع قادة الأحزاب الموالية الحزب الحاكم مثلا.
ـ يرى مراقبون أن فرنسا لديها القدرة على جر من أرادت من القوى السياسية الموريتانية المعارضة إلى الحوار، لكن السؤال: ما الذي منعها من ذلك؟
و يعتقد مراقبون أن محاولة فرنسا عودة التوتر إلي الواجهة من خلال تصريحات الناطق باسم وزارة الدفاع هو إذكاء للأزمة على أمل أن تجد حلا ـ على الطريقة المغربية ـ و كانت فرنسا تأمل أن يظهر الموريتانيون جانب اللين و المودة و تبقى موريتانيا كما كانت تلميذ فرنسا بالمنطقة تحارب بها أعداءها المجهولين .. و هو أمر يبدو أنه لا يروق لسلطات نواكشوط ، و يرى البعض في موريتانيا أن التوتر ليس مع فرنسا كدولة مهمة في العالم و ذات أهمية بالغة في المنطقة و إنما مع الرئيس الفرنسي الحالي الذي يظهر لأصدقاء الموريتانيين لغة سلطوية غير مبررة لا يمكن التعامل معها إلا بالرفض ..