يخبط الرئيس الموريتاني محمد عليون خبطَ عشواء في سياساته الداخلية و الخارجية.. و يزداد ارتباكه كلما أشرف على هضبة رحيله عن الحكم.. و أكاد أجزم أن دوران عقارب ساعته ينغص من سعادته، حيث أن كل ثانية تمضي تنقص من عمر سلطته الاستبدادية، التي يستعجل كل مواطن نهايتها..
الأمور بخواتيمها.. و الخاتمة التي تنتظر الجنرال الأرعن قد تكون أسوأ من خاتمة العقيد القذافي و الملازم جامى و رقيب الشرطة صمويل دو.. إنها خاتمة من يغتصب السلطة و يسرق قوت الشعب و يستهتر بكرامته.. خاتمة أولئك المتسللين من باب مدينة التاريخ إلى قلبه، ليسرقوا من العيش رغده و بلهنيته قبل أن يمسح بهم التاريخ سوأته، و ترجمهم الأيام بصروفها.
لو كان هذا الرجل متعظاً لاستخلص عبرته من نهاية القذافي، الذي دارت به الدوائر إلى أن أمسك به “الجرذان” فارّاً كفار مذعور.. فما بكت عليه أرض و لا سماء.
و لو لم يكن قلب هذا الرجل مقدوداً من صخر، لاستعبر بمشهد حسني مبارك خلف القضبان، لا يخاطب قاضيه بغير “بيه” و “افندم”.. و لاتعظ بزين العابدين و لوران غباغبو و بليز كامبورى.. و بالعجوز عبد الله واد الذي رمته الأيام بقوس هو من براه و راشه، فسجن ابنه و مرّغ مارن أنفه في الوحل.. فكان منظره في مؤتمره الصحفي الشهير يشتم ابوي ماكي صال و يصفهم بمصاصي الدماء مما تدمى له قلوب الصفواء.
و لو كان هذا الرجل متعظا لكفاه موت ابنه، الشاب الحدث، الذي كان يمد كفه للتقبيل فيستقلّ الثريا أن تكون فماً.. و الذي علق عليه أملا كبيراً بأن يكون سنده و ظهره و عيبة سره.. فاختطفته يد الحدَثان.. تغمده الله برحمته.
و لو كان متعظا لكفاه واعظاً ما تجشمه من عناء رصاصته الصديقة:
رئيس دولة.. جلد، ضَرْب من الرجال.. تمنّيه نفسه الأمّارة أن يسرقها ليلةً “حمراء” من ريب الزمان.. تماما كما يسرق قوت شعبه و قوّته، فيعود بطعنة نجلاء في خاصرته من ذات عيون نجلاء، “تشق القلوب قبل الجلود”.. فتتدافعه أسرة المستشفيات العسكرية من لكصر إلى ضاحية كالامار.
إن في كل التفاصيل اليومية لحياة هذا الأرعن ما يدفعه لأن يتعظ، فيتقي الله في شعبه.. و لعل منظر يحي جامي الذي كان يطمح لأن “يحكم بلاده مليار عام” و هو يستجديه الوساطة، كيما يضمن له رحيلا آمنا، خير عبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع.
إنها ءايات في الآفاق و في الأنفس، تحتاج لبصيرة كيما يوفّق المرء في استخلاص عبرتها.. فليحاسب الأرعن نفسه قبل أن يحاسبه شعبه و التاريخ، ثم يحاسبه الله، و حسبنا الحسيب.!
إرحل يا مغتصب السلطة، و ناهب الثروة، و سارق الحلم و مصادر استدارة شمس الغد المؤجل..
إرحل، لقد مللنا رعونتك.!