أكثر المشاكل المطروحة لغامبا بعد رحيل جامى

عاد الرئيس الغامبي الجديد أداما بارو، في 26 يناير، إلى بلاده في خضم احتفالات واسعة النطاق. وكانت العودة تطلبت عملية طويلة ومتوترة تنطوي على وساطة من عدة رؤساء المنطقة وتدخل عسكري وشيك لإقناع سلفه يحيى جامع على التنحي. غير أن الخبر السارّ أنه بعد 23 عاما في منصبه وما يقرب من شهرين منذ أن خسر انتخابات ديسمبر 2016، استقلّ الرئيس السابق أخيرا طائرة لجوء إلى المنفى.. إلى غينيا الاستوائية.

لقد كُتب الكثير حول الأسباب وما أدى إلى وصول الأمور إلى هذه النقطة. وجادل البعض فيما بينهم انتقادا وتأييدا عن دور “المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا” وقواتها. بل تساءل البعض – على سبيل المثال: لماذا غيّر جامع رأيه بشأن قبول نتائج الانتخابات في ديسمبر؟ هل تدخل ايكواس قانونيّ بمعنى الكلمة؟ ما هي الدروس المستفادة من نجاح المعارضة والناشطين في الشتات في إحداث التغيير؟

ولكن في الوقت الحالي، قد يكون ما نحتاجه التعرف على التحديات الكبيرة التي تواجه أول حكومة جديدة بغامبيا منذ عام 1994 بينما هي تشكّل نفسها.

جامع وحلفائه.. هل ستتم محاكمتهم؟

إن أول خطوة من أعمال الحكومة الجديدة بعد تشكيل مجلس الوزراء، هي معرفة ما الذي يجب تفكيكه من نظام جامع, وإن وجد فما هي تدابير العدالة الانتقالية التي سيتم اعتمادها. وهذا يعتمد أيضا على ما يحدث في الأسابيع القليلة المقبلة. إذ هناك تقارير مختلفة عن العنف بين الجولا – أقلية إثنية ينتمي إليها جامع، والمجموعات العرقية الأخرى. وعلى تلك التقارير, ربما يمكن القول بأن هناك حاجة إلى عملية العدالة الانتقالية.

كما أن الشروط المحددة التي تم الاتفاق عليها لتنازل جامع غير معروفة. وقد تفاقمت هذه الشكوك من قبل تقارير متضاربة في وسائل الإعلام الاجتماعية، وحسابات تويتر مزورة منسوبة للرئيس الجديد. وعلى ما يبدو في وقت سابق أن جامع رفض مسودة الاتفاق الذي نشر على موقع الاتحاد الأفريقي.

تشير التقارير الأولية إلى أن الصفقة تحتوي على بعض الضمانات وهي أن جامع سيكون قادرا على الحفاظ على ثروته والعودة إلى غامبيا بعد فترة من الزمن. ولا تشمل أي حصانة سوى تلك التي يتم توفيرها للرؤساء السابقين في دستور غامبيا. فمادة 69(3) من الدستور تنص على أنه يمكن أن تكون هناك دعوى مدنية ضد الرئيس السابق “فيما يتعلق بأي فعل بصفته الرسمية كالرئيس”، وأنه لا يمكن أن يكون هناك قضية جنائية ضد الرئيس السابق إلا إذا أقرتها الجمعية الوطنية بنسبة 2/3 لهذا الغرض.

وهذا أبعد من أن يكون حصانة شاملة. إذ يمكن – على سبيل المثال – تقديم دعوى مدنية، إذا كانت الأفعال التي ينظر فيها لا تعتبر جزءا من الصفة الرسمية لجامع كالرئيس.

من جانبه، فقد أشار الرئيس الجديد بارو إلى دعمه للجنة الحقيقة والمصالحة، ولكن من غير الواضح ما ستترتب عليه اللجنة، وإذا ما كان سيتم إرفاقها بعملية العفو كما كان الحال في جنوب أفريقيا. لكن بارو قال إنه “سينتظر لتوصيات اللجنة قبل اتخاذ أي إجراء”. ومن غير الواضح أيضا ما سيكون اختصاص اللجنة – وهل من شأنه أن يشمل النشاطات التي تعود إلى عام 1994، العام الذي استولى جامع وشركاءه في الانقلاب على السلطة؟

على الصعيد الدولي، فقد كانت هناك بعض المناقشات في الشتات لتحقيق المحكمة الجنائية الدولية (ICC)، ولكن المحكمة لم تصدر أي بيانات في هذا الشأن، ومن غير الواضح إذا كانت انتهاكات جامع “المروعة” – كما توصف – تندرج تحت ولاية المحكمة القضائية.

ومن الممكن أيضا أن نرى أوضاعا مماثلة لحسين حبري، الرئيس السابق لتشاد الذي واجه المحاكمة في السنغال. كما أنه لا يمكن استبعاد احتمال مطالبة بعض الدول لممارسة مبدأ “الولاية القضائية العالمية” وأن يوجهوا الاتهام إلى جامع أو مساعديه. وفي الواقع، كانت الأنباء المتداولة في يناير 26 من هذا العام، تفيد بأن سويسرا قد قامت بذلك تماما, حيث اعتقلت عثمان سونكو – وزير الداخلية سيئ السمعة (في حكومة جامع).

الإصلاح السياسي والقانوني:

أشار خليفة صلاح، المتحدث باسم التحالف، إلى أنه سيكون هناك إصلاحات قانونية قبل الانتخابات المقبلة. ومن غير الواضح ما هي هذه الإصلاحات، ولكن من المرجح أن تكون القواعد التي تحكم تسجيل الأحزاب السياسية أقل إرهاقا. ومن الممكن أيضا إنهاء ممارسة ترشيح أعضاء الجمعية الوطنية – في الوقت الراهن كان رئيس الجمهورية هو الذي يعين 5 أعضاء من عدد 53 عضو.

كما أن هناك مناقشة مستفيضة حول وضع دستور جديد. ولكن من السهل أن نتوقع أن عدة قوانين من عهد جامع التي سعى بها للحد من المعارضة سيتم إلغاؤها أو تعديلها. وعلى سبيل المثال, فإن تعديل 2013 الدستوري الذي يقضي بالسجن لمدة 15 عاما لمن اتهم بنشر أخبار كاذبة أو التحريض على عدم الرضا، لقي انتقادات واسعة النطاق. كما أن إعطاء وسائل الإعلام حرية كافية من جانب القانون من أولويات الحكومة الجديدة.

ولا يزال هناك غموض حول ما إذا كان حزب جامع، (APRC) سيظل قوة سياسية قابلة للحياة. حيث لم تكن هناك مناقشة كبيرة من حظر أو منع أعضائه الكبار من دخول المعترك السياسي. ولكن من الصعب رؤيته قويا بدون جامع الذي يتولى رعايته. ومن المرجح أن نرى انتقال بعض أعضاء حزب APRC إلى أحزاب أخرى مثل حزب الرئيس بارو (UDP) أو حزب صلاح (PDOIS)، في حين أن البعض الآخر قد يتقاعد ببساطة عن السياسة.

وتجدر الإشارة إلى أن الائتلاف الذي فاز في الانتخابات سيبقى متناغما حيث لا توجد حاليا أي معارضة. مما تجعل الدائرة الداخلية الملتفة حول الرئيس بارو توجّهها أطراف متعددة، وسيكون من المثير للاهتمام أن نرى ما إذا كان سيتم تهميش بعض أو عودة البعض إلى المعارضة.

الأجهزة الأمنية وتحديثها:

حتى الدقائق القليلة من إعلان جامع تنحيه من السلطة, كان ولاء الجيش يثير أسئلة متعددة، وخصوصا بسببالمواقف المتقلبة لرئيس قوات الدفاع عثمان بادجي. وحتى بعد أن غادر جامع البلاد، كان هناك مواجهة متوترة بين جنود غامبيا وجنود ايكواس في العاصمة بانجول. وردّا على هذه الشكوك، فإن قوات ايكواس ستبقى في غامبيا – على ما يبدو – لبعض الوقت، وكانت ستة أشهر هي الفترة الأكثر مناقشة بين أعضاء ايكواس.

من الأسلم أيضا أن نفترض أنه ستكون هناك محاولة لإعادة تشكيل الأجهزة الأمنية، بما في ذلك إمكانية حل تلك الخدمات المتورطة في انتهاكات حقوق الإنسان إبان عهد جامع. وكانت وكالة الاستخبارات الوطنية في أعلى هذه القائمة حيث تبدو وكأنها أُسِّستْ لغرض واحد فقط – القمع. ومن الممكن أيضا أن نجد محاولات لتسريح أفراد الأجهزة الأمنية الذين يشتبه في وجود ولاءات عالقة بينهم وبين الرئيس السابق جامع.

وإلى الآن, لا يوجد أي تصريح في هذا الشأن، ومن المرجح أن تعيد حكومة بارو تقييم طبيعة ونطاق وحجم القوات المسلحة الغامبية الصغيرة. ومن غير الواضح ما إذا كان هذا أيضا سينطبق على قوات الشرطة الغامبية (GPF). في حين أن أبرزها, وحدة تدخل الشرطة، قد اُتهمت في الماضي بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، إضافة إلى مشاكلها حول الفساد اليومي، ونقص الموارد، وضعف معرفة اللوائح.

عودة الاقتصاد إلى المسار الصحيح:

ستكون من أولويات الحكومة الجديدة إيجاد حل للاقتصاد الراكد، وخاصة بعدما أفادت التقارير بأن جامع نزف البلاد بشكل جاف قبل ذهابه إلى المنفى, وهي تهمة تم نفيها في وقت لاحق. ولكن حتى مع عدم ثبوت شيء من هذا القبيل, فإن اقتصاد غامبيا في حالة يرثى لها مع عدم وجود تصنيع كبير أو موارد, والديون الرسمية تصل أكثر من 100٪ من الناتج المحلي الإجمالي.

تعتمد غامبيا على السياحة الدولية، مع كونها قبلة سياحية مفضلة لدى المملكة المتحدة، هولندا، ألمانيا، والسويد. وهذه توفر ما يقرب من 20٪ من ناتجها المحلي الإجمالي، كما أنها مصدر رئيسي للعملة الأجنبية. خلال الأزمة الأخيرة، تدنت السياحة وأُجلِي السُّياح. وهذا يؤكد أهمية الحاجة لإعادة تشغيل العملية السياحة وبحث طرق الازدياد من السائحين من أجل تعزيز الاقتصاد الغامبي الضعيف.

وخفض أن الاتحاد الأوروبي مساعدات التنمية المخصصة لغامبيا وألغت الحكومة الأمريكية اتفاقها التجارية مع البلاد, كل ذلك بسبب دعوى انتهاكات حكومة جامع لحقوق الإنسان. ومن المفترض أن يستأنف الاتحاد الأوروبي مساعداته إلى غامبيا في ظل الحكومة الجديدة، على الرغم من أن مستقبل مساعدات الاتحاد لأفريقيا بشكل عام يبدو غير مؤكد في عصر انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأفريقي (Brexit).

وعليه، فإن الأحمال تقع على عاتق الحكومة الجديدة لإصدار التغييرات التي من شأنها تجذب النمو الاقتصادي والاستثمار, دون إهمال السياسة الخارجية الحكيمة، والاهتمام بمزيد من الشفافية وتعزيز الالتزام بسيادة القانون.

جدير بالذكر أن الظروف الاقتصادية الصعبة وقمع أصوات المعارضين في غامبيا جعلتها واحدة من أعلى مصادر للمهاجرين المتجهين إلى أوروبا. وقد ركز عدد من شخصيات المعارضة – بما فيهم بارو – على ذلك في تصريحاتهم، وجعلوا وقف الهجرة موضوعا مركزيا في حملاتهم الانتخابية. وقال بارو إنه يريد “إصلاح” النظام الاقتصادي وخلق فرص عمل لمنع المزيد من الهجرة.

الحكومة الجديدة وصداقتها مع السنغال:

في أعقاب انتهاء عهد الرئيس السابق يحيى جامع، صارت غامبيا دولة منعزلة دوليا. وقد أعطت الإدارة القادمة حينها إشارة خضراء أنها ستعاكس العديد من تلك القرارات المثيرة للجدل التي اتخذها جامع. مما يعني أن غامبيا قد تعود إلى “المحكمة الجنائية الدولية” و “رابطة الشعوب البريطانية” (الكومنولث), ومن المحتمل أيضا أن تعود العلاقات الغامبية مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

وبالرغم مما سبق, إلا أن هناك علاقة تستحق اهتماما إضافيا – وهي مع السنغال. لقد اصطدمت علاقات جامع مع جار غامبيا الوحيد في عدد من المرات المتوترة. إذ يُشاع أنه – أي جامع – منذ فترة طويلة يقدّم الدعم لمتمردي المنطقة الجنوبية في السنغال – كازامانس, وأنه شارك في حرب تجارية مع السنغال. وعلى سبيل المثال، في عام 2016، فرضت حكومته من طرف واحد زيادة هائلة في الرسوم التي يدفعها سائقو الشاحنات السنغالية أثناء عبورهم إلى غامبيا.

وفي الحقيقة، علينا الاعتراف أوّلا بأن مساهمة القوات السنغالية (بأمر ومشاركة ايكواس والأمم المتحدة) أدت إلى وصول بارو إلى بانجول، ويبدو أن الحكومة الجديدة ستعتمد حاليا على السنغال لأمنها.

وهناك أدلة لفظية تفيد بأن بعض السنغاليين يرون أن على بلادهم اغتنام هذه الفرصة للضغط من أجل إحياء “الاتحاد السنغامبي”، الذي أنشئ في الثمانينات بعد أزمة سياسية وقتذاك، لكن حكومة غامبيا الحالية لم تعطِ بعدُ أي شيء من شأنه أن يوحي بإمكانية حدوث الاتحاد, أو ما إذا كان ذلك في جدول أعمالها.

المصدر: أفريكا عربي