بالإضافة إلى تلك الخطوة أعتقد أن حادثة وقعت لي مع مجموعة من الجلادين خلال اليوم الأول للمؤتمر جعلتهم يعجلون بخلاصي من دون قصد ذلك أنه بعد أن أكملت اللجنة عملها كانت تضم في عضويتها وزير الإعلام في حكومة ما بعد الأمة عبد القادر الطالب عمر فطلب مني رفقة كل من أحمد الشيعة ومحمد بزيد (مزين) أن نعد لحساب وزارته عددا خاصا من جريدة " الصحراء الحرة " عن فعاليات المؤتمر وزودنا بمعدات للتسجيل وخلال إلقاء زعيم البوليساريو محمد عبد العزيز للبيان الأدبي للمؤتمر كنت جالسا إلى جانب المنصة أسجل كلمته وفجأة همس شخص في أذني وكأنه جني بأن الجلاد أحمد سلامة يريدني في الخارج وكان يومها قد أصبح مديرا عاما للشرطة ، خرجت مع ذلك الجني الذي يدعى أميليد لحسن وأمام القاعة تحلق حولي مجموعة من الجلادين كأنهم سرب من النسور ينتظر ضنيا حتى يموت كي يمزقه بمناقيره عرفت منهم ثالثا يدعى عبد الودود الفريري وبدؤوا يسألونني عن رسائل وصور زعموا أني سلمتها في القاعة لنصرانية تضع قرطا كبيرا ، وأنا إلى حد تلك اللحظة لم أتعرف عليه من النصرانيات سوى السيدة سوربي أستاذتي (Madame Sorby) التي زوجتها بالسيد سوربي (Mr.Sorby) وادعيت خلال مرحلة الاستنطاق قبل سنوات أنهما درباني على الجوسسة والتخريب ، لذلك نفيت نفيا قاطعا أن أكون قد سلمت أحدا أي شيء أو تكلمت مع أي كان ، وبينما كان ذلك المجرم أحمد سلامة يذكرني بأن باب سجني مازال مفتوحا خرج عليه أحد كلابه من القاعة ليخبره بأن المعني شخص آخر تتشابه ملابسه مع ملابسي ومن حقارتهم أن دخلوا دون كلمة اعتذار تصون لهم ماء أقنعة الكلاب التي يحملونها مكان الوجوه البشرية ، وفي تلك اللحظة خرج محمد بوزيد (مزين) يبحث عني ليعرف لماذا أوقفت التسجيل فوجدني متسمرا في المكان الذي تركني فيه سرب النسور ولما أخبرته بالسبب وبأني سأصعد إلى المنصة وأشكوهم للزعيم أمام الملأ منعني قائلا بأن ذلك لن يكون في صالحي بل سيعطيهم الفرصة لاتهامي بمحاولة التشويش على المؤتمرين أمام الوفود الأجنبية وبأنه بدلا من ذلك سينتظر معي خروج المدير العام للأمن أمحمد خداد وسيشرح له هو قصتي ، وبالفعل فقد أنجز ما وعد فطلب مني المدير بأن أكتب له سيرتي الذاتية على أنه سيستقبلني بعد أسبوع في إدارة الأمن ليستلها مني ، وحين حضرت في الموعد وجدت كاتبه الخاص في انتظاري وكان شابا يتمتع بأخلاق عالية سبق لي التعرف عليه قبل ذلك بعدة سنوات حيث كان يعمل معنا كمدرس ويدعى الكنتي مومو فاستلم مني الملف الذي أعددته واصطحبني إلى غرفة مجاورة لمكتب المدير في انتظار أن يستدعيني هذا الأخير ولم يمض وقت قصير حتى نادى علي وهو يهم بصعود سيارته وعند بابها قال لي كلمات مختصرة لم أسمع على مدى أحد عشر عاما كلاما صادقا أكثر اقترانا منها بالفعل ، إذ قال لي بالحرف بأن اليد غير الدسمة لا يعلق بها الغبار وأني منذ تلك الحظة أنا من يختار المكان الذي يروق لي العمل فيه ولن يضايقني أحد بعد اليوم وإلا فإن مكتبه مفتوح لي في أي وقت ثم ودعني وركب سيارته .
في ذلك اليوم كان علي أن ألتحق بمدرسة 12 أكتوبر التي أعمل فيها كمدير للدروس ليس لديه من العمل سوى طرطقة الأصابع والتي لا أكره أي مكان على وجه الأرض مثل كرهي لها لكثرة ما تعذبت وعذبت فيها فقررت أن أجرب ما قاله لي مدير الأمن من أنني أستطيع أن أختار مكان العمل الذي أرتاح فيه ، وبعد أن تناولت الغداء مع مضيفي توجهت إلى وزارة التعليم التي كانت قريبة من ذلك المكان وكان أمينها العام الجلاد البائس إبراهيم كردلاس فطلبت منه رسالة تحويل إلى معهد للمعلمات يتبع لمدرسة 27 فبراير يعمل فيه أصدقاء أثق في أخلاقهم وظروف عملهم جيدة بالمقارنة مع جهنم التي أحسب عليها ، وحين سمع طلبي نظر إلي باستغراب وهو يقول بأنه ليس أمامي من خيار سوى مكان واحد هو مدرسة 12 أكتوبر فقلت له بأني أرفض ذلك الخيار وكانت تلك أول مرة أرفض فيها أي أمر ، وخلال حديثنا يبدو أن الوزير محمد سالم السالك سمعنا فخرج ووجه كلامه لذلك البائس بأن يكتب لي رسالة تحويل إلى المكان الذي أختاره فنفذ الأمر مجبرا لتنتهي بذلك سنوات من العذاب عشتها أنتظر المجهول في كل يوم ولكي يبدأ البحث عن طريق للعودة ليس أقل مشقة من طريق الذهاب وإن كان الفرق بينهما أصبح بالنسبة لي كالفرق بين الحياة والموت .
يتواصل ......