ملف خاص / أسرار تكشف لأول مرة عن مقتل الرئيس “ولد بوسيف” / ملف خاص

أخذت تهديدات البوليزاريو تجاه حكومة نواكشوط نمطا جديدا بعد توجيه رسالة واضحة لرئيس الحكومة تحذره من مغبة عدم التوقيع على بروتوكول طرابلس “السري”،

وهو الاتفاق الذي وقع عليه جناح من العسكر دون علم رئيس الحكومة الذي نفى الامر جملة وتفصيلا في مطار شار ديكول، وهو ما جعله يشرع في مساعي حثيثة لتعيين أحمد ولد أب ولد عبد القادر “كادير” قائدا لأركان الجيش حتى يتمكن من تطبيق سياسته على أرض الواقع، الشيء الذي جعله يصطدم بتعنت بعض الضباط النافذين، وهو مايؤكده الجناح المناوئ لولد بوسيف حسب ما جاء في مذكرات الرئيس هيدالة حيث يقول في كتابه من القصر إلى الأسر الصفحة 89:”..كنا على اقتناع أنه إن عاد من سفره –يقصد ولد بوسيف- فسيسعى للتخلص منا، وقد سمعت بعد ذلك أنه كان سيعين العقيد كادير على الأركان بدل أحمدو ولد عبد الله”.

في ليلة 27 مايو وصل اتصال هاتفي مفاجئ للأمين الدائم للجنة العسكرية للخلاص الوطني الكولونيل عبد القادر، لقد فاجئه وزير الداخلية الموريتانية تيام الحاج بمهاتفة في وقت متأخر من الليل، وطلب منه إبلاغ رئيس الحكومة عدم المغادرة للقمة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا بداكار! فما الذي جعل وزير الداخلية -الذي تقع المخابرات العامة والأمن تحت إمرته وتصله جميع المراسلات- أن يحذر بوسيف من السفر في ذلك اليوم، إن لم تكن قد وصلته معلومات مريبة؟ وما الذي جعله يهاتف العقيد عبد القادر دون سواه؟ خاصة أنه قدم استقالته أسبوعين قبل سفر رئيس الوزراء، محتجا على عدم تعيينه في قيادة الأركان وهو ما وعد به بوسيف بعد عودته من السفر حسب مذكرات الرجل.

كما أن هناك عاملا آخر تمثل في تراجع أحمدو ولد عبد الله وزير الخارجية عن السفر في تلك الطائرة رغم أنه كان مقررا أن يسافر مع رئيس الحكومة، وكان ولد عبد الله قد أقر بتلك المعلومة خلال برنامج اذيع عن الراحل ولد بوسيف وارجع ذلك إلى استقبال وفد إسباني سيحضر لنوكشوط لكن السؤال هل حضر ذلك الوفد؟ مع العلم أن احمدو ولد عبد الله رافق ولد بوسيف في جميع رحلاته الخارجية باستثناء تلك الرحلة التي لم يعد فيها ولد بوسيف للوطن!

لقد كانت فكرة إزاحة ولد بوسيف من السلطة حاضرة لدى هيدالة وجماعته باعترافه هو نفسه في مذكراته.

العقيد عبد القادر مع الصحافة العقيد عبد القادر مع احد الصحفيين صراع الأجنحة ..1979 لم يستطع رئيس اللجنة العسكرية المصطفى ولد محمد السالك، ولا رئيس الوزراء أحمد ولد بوسيف تمرير سياستهما بسبب معضل حقيقي يتمثل في عدم وجود قبضة قوية على قيادة أركان الجيش، أو سيطرة جماعة الكولونيل هيدالة على المنصب الحساس. وبرغم وجود الرائد الجسور جدو ولد السالك إلى جانب المصطفى ولد السالك، إلا أنه انتهى دوره بشكل شبه كامل بعد قيادته لفرقة محاصرة القصر والقبض على الرئيس المختار ولد داداه، حيث أٌقيل إبان حقبة ولد السالك، وتوفي في ظروف غامضة بعد لقاء جمعه بالعقيد كادير في العاصمة السنغالية دكار.

لقد بات من الواضح أن بوصلة الصراع تدور –حينها- حول العقيد الطيار محمد ولد أب ولد عبد القادر، الذي سعى الرئيسان بوسيف وولد السالك إلى تعيينه قائدا للأركان العامة للجيش وظلت تلك المحاولات تبوء بالفشل نتيجة رفض جناح ولد هيدالة للفكرة. رغم أن الرئيس هيدالة أكد بأن الراحل المصطفى ولد السالك قال بأنه في حال رفض كادير الإطاحة بالرئيس المختار ولد داداه فستتم تصفيته جسديا، إلا أن الموازين انقلبت بسبب سياسات مجموعة هيدالة التي بدأت تتكشف لاحقا. وكان الرئيس هيدالة قد امتنع عن تقلد منصب وزير الدفاع خوفا من تسمية كادير قائدا للأركان وقال حرفيا لولد السالك عندما اقترح عليه منصب وزير الدفاع بدل قائد الأركان، بأن كادير اعلى منه رتبة ولا يمكن له أن يسيره!.

ويتناقض هيدالة في مقابلة صحفية حيث يقول بأن وصول بوسيف للحكم تم تأويله من قبل البوليزاريو بأنه عودة للحرب لذلك قاموا بالإغارة على “تشله”، إلا أن العقيد خانته الذاكرة حيث أن هجوم “تشله” وقع بعد سيطرة هيدالة على الحكم ورأى فيه كثيرون تبادلا للأدوار حيث تهاجم البوليزاريو منطقة موريتانية حتى تظهر الصورة وكأن نواكشوط تدخل المفاوضات مرغمة بسبب ضربات البوليزاريو، فكيف يعقل أن تخرق الجبهة اتفاق وقف إطلاق النار في ظل وصول حليفها إلى الحكم، وفي اكثر مراحل اطمئنانها للسلطة بنواكشوط؟ محاولة ولد السالك الثانية لتقريب كادير من قيادة الاركان اصطدمت بتعنت هيدالة عندما طلب منه تعيين كادير مساعدا له بدل أحمدو ولد عبد الله إلا أنه رفض.

في 06 أبريل 1979 انتزعت جميع صلاحيات العقيد ولد السالك واصبح رئيسا شرفيا لا سلطة له، وبات ولد بوسيف رئيسا للوزراء واصدر مرسوما بتعيين العقيد هيدالة وزيرا للدفاع وهو أحد أكبر رموز الجناح المناوئ للمصطفى ولد السالك وقبل هيدالة المنصب بشرط أن يخلفه ولد عبد الله في قيادة الأركان.

الأكيد أن القضايا الاقتصادية والاجتماعية لم تكن مطروحة في حينه لأنه لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، لكنها كانت هامة بالنسبة لبوسيف، حيث بادر إلى إدخال تحسينات على الاقتصاد البحري وطور أداء الطيران المدني والعسكري، إلا أن قضية الصحراء كانت بوصلة الإهتمام وسببا رئيسيا في كل الانقلابات والقلاقل التي وقعت منذ الإطاحة بالرئيس المؤسس المختار ولد داداه. وهو ما افرز محوران يتصارعان علنا وخفية في لعبة القط والفأر تدور رحاها حول من يستطيع السيطرة على قيادة أركان الجيش حتى يتمكن من تطبيق سياسته باعتبارها المؤسسة الوحيدة المتنفذة والتي تمتلك “الشرعية” في حينه.

وبعد وصولهم للسلطة ظهر جليا أنهم كانوا يترقبون مغادرته بسرعة، حيث تمت إزاحة أصدقاءه من مراكز القرار، وتغيير سياسته بخصوص النزاع في الصحراء الغربية بشكل جذري.

لقد دخل رئيس الوزراء الموريتاني -حينها- صراعا مريرا مع الموالين للحركة التي تم إنشائها تحت رعايته إبان كان حاكما لتيرس في منتصف السبعينات حسب ما تقول الوثائق الأمريكية، حيث ساهم بوسيف في رعاية قادة الحركة التي كانت تواجه رحى المغرب وعدم اكتراث الجزائر حينها بالقضية ولم تكن تجد من ملجئ سوى موريتانيا وهو مايؤكده حديث الزعيم الجزائري هواري بومدين عندما قال بالحرف أن الجزائر  ليست معنية بما يجري في الصحراء الغربية، والأمر يتعلق بالتفاهم بين موريتانيا والمغرب، وقد كان ذلك قبل ميلاد حركة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب بعام واحد.

هكذا دفع رجل موريتانيا القوي ثمن تمسكه بحل شامل في تيرس الغربية، ووقوفه حجر عثرة أمام التنازل عن الأرض بالسهولة التي تمت، ودون تقرير المصير الذي كان أساسيا بالنسبة لولد بوسيف لأنه يضمن حلا مشرفا وشاملا، مشرفا بدون استسلام، وشاملا لأنه يراعي مقتضيات القانون الدولي بخصوص النزاع في الصحراء الغربية.

المامي ولد جدو