أعتقد أن اليوم هو 12 فبراير، أي أنه يفصلنا يوم واحد عن "عيد الحب"، لذلك ربما تتوقعون أنني سأقدم لكم سيدي الوزير باقة من "الورد"، وربما أكون رومانسيا، فأرسم لكم قلبا على بالون فارغ ومنتفخ، وأكتب بداخله "ميزانية 2017" وأطلقه لكي تحمله الرياح بعيدا في الهواء!
لكنك تعلم يا سيدي الوزير، أن الورود لا تنمو في شوارعنا الغريبة الأطوار، وحده النعناع ينمو هنا، وأنا لا أشرب "الشاي بالنعناع" من تلقاء نفسي، لأن حزمته قد تقلص حجمها وثبت ثمنها، ولأن نكهته أيضا قد توقظ في حشاشة قلبي أصوات الحنين لزمن لن يعود أدراجه، والمزج بين لوعة القلب والجيوب ستنهك بدني وروحي، ولا أريد أن يرهق الكمد أسارير وجهي، فالحياة يجب أن تظل جميلة ومهما تعاظمت فيها ضرائب المحن.
سيادة الوزير:
كما أسلفت، فاليوم هو 122 فبراير، أي أن ثقل السنة الدراسية بدأ ينزاح جهة الغروب، وأجراس ختامها بدأت تقرع ويسمع صوتها القادم من شوطئ يونيو/حزيران..
ومع ذلك، بجانبي أستاذ عقدوي مسالم لم تدخل جيوبه حتى الآن قطعة نقدية واحدة، وذلك من بعد مرور ثلاثة أشهر تنقص قليلا من التدريس على "امباله"، بالإضافة إلى التربص في دوامة من الصبر، وهذا حالهم جميعا..
الخريجين من الأساتذة الرسميين منذ أربعة أشهر وهم يحضرون دروسهم داخل دفتر "الديون"، ينتظرون بلهفة تحرير رواتبهم المقيدة في أروقة وزارة المالية..
مسابقة الأساتذة والمعلمين أجريت في يناير، وعادة ما تجرى أواخر سبتمبر وأوائل أكتوبر، هل كانت النية من وراء ذلك تكمن في التخلص من نفقات التكوين لنصف سنة كاملة، والأمر المقلق هنا سيادة الوزير؛ أن بعض الناجحين كانوا من المتعاقدين، وهذا شيء متوقع، مما يعني أن حصصهم في تلك المؤسسات التي قدموا منها ستصبح خاوية، ولا بوادر لسدها في الوقت الحالي، لأن النقص مؤلم وكبير ومن أمثلته "الطريفة":
أستاذ يدرس الرياضيات والتربية الإسلامية معا..
أستاذ إنكليزية يدرس التربية الإسلامية، وأستاذ فيزياء يدرس التاريخ والجغرافيا، والحديث ذو شجون كثيرة.
العلاوات هي الأخرى مسها الضر، علاوة البعد ابتعدت وأختفي شبحها في ضباب المماطلة، والتحقت بها علاوة التجهيز كما يبدو والمتحولة زمنيا، فإن هي دخلت، فإن علاوة "الترحيل" تناسبها أكثر، لأننا ابتعدنا عن الافتتاح.
أما علاوات الترقيات بكل أطيافها، فقد أكلها الذئب كما يبدو، بعضها تجاوز سنة كاملة من الغياب..
أما التقدمات، فقد أسرها "Indicee" والذي قد قمتم بتعديل قياسه أثر خلبطة رياضية لم ينقشع غبارها بعد.
في دهاليز قطاع التعليم الكثير من الجدب، ومعظم أهله يعانون من جفاف البشرة وتشقق الشفاه للأسف، دون أن ننسى طبعا الحديث عن ضمور المناهج وقلة مرونتها وقدمها، بحيث أنها أصبحت سجنا كبيرا للمواهب..
إن الحديث عن أي بحبوحة إقتصادية ما، لم تصل ظلالها لقطاع التعليم بكل تشعباته ستبقى مريبة جدا.
فالتعليم هو التلسكوب الذي سيجعلنا نرى مستقبلنا بكل وضوح، ودونه ستظل الغشاوة على عيون موريتانيا..
كنا متعودين على قصف وزارة التعليم، بيد أننا قصفناكم هذه المرة، لذلك أعتبروها مجرد نيران صديقة، فجميع النفقات تخرج من مشكاة وزارتكم التي تفيض السيولة والانتعاش من أروقتها وجنباتها..
كتبت هذه التدوينة على أنغام أغنية يونانية رائعة غنتها الفنانة هاريس أليكسيو، تقول بعض كلماتها:
"صقور محلقة هبت من الأوكار
كي تقف على صورة من حياتنا المروعة
مثل إمرأة مذنبة، آثم ماضيها
لا تجد من يعانقها، ولا من يحميها"..
لم أجد تفسيرا منطقيا لحبي للأغاني اليونانية؟ ربما لأن الموسيقى لغة موحدة يفهمها جميع البشر..
هنا تامشكط، والمساء يسدل أستاره على الأحد، وهو يوم ممل رغم أنه "عطلة"، كأن الأيام هنا تقوم بإعادة تدوير "الروتين"، لتنتج منه طاقة هائلة من الملل، فرغم نعمة الهدوء والأمن وراحة البال هنا، إلا أنني أشعر برغبة جامحة لسماع الكثير من الصخب، ولركوب سيارة تسير بسرعة 140 كلم في الساعة، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...
خالد الفاظل ( Khaled Elvadhel )