من مصائبنا في هذه البلاد أنه كل ما جاءت أمة لعنت الأمة التي سبقتها، وكلما جاء حاكم جديد لعن من سبقه من الحكام، ولذلك فلم يكن غريبا أن تتجاهل الأنظمة التي جاءت من بعد “ولد الطايع” داء الأمية الذي ما يزال يعاني منه ـ وإلى يوم الناس هذا ـ نصف الشعب الموريتاني، ولذلك فلم يكن غريبا أيضا أن يستحدث الرئيس الحالي قطاعا أمنيا جديدا، وأن يهمش قطاعا أمنيا آخر وهو قطاع الشرطة، ولأسباب مزاجية تتعلق بالأساس بخلافه مع رئيس سابق كان قد تولى إدارة هذا القطاع لفترة طويلة من الزمن.
همش الرئيس ولد عبد العزيز في بداية وصوله إلى الحكم قطاع الشرطة والذي لم يكن هناك أي خلاف على أنه كان يعاني من فساد كبير، همشه بشكل مرتجل وغير مدروس، واستحدث قطاعا أمنيا آخر بشكل مرتجل وغير مدروس، ولكن، ومن بعد فترة من الزمن، ومن بعدما عرفت البلاد انفلاتا أمنيا خطيرا، بدأ الرئيس ولد عبد العزيز يعيد لقطاع الشرطة شيئا من الاعتبار، وبدأ في تهميش قطاع أمن الطرق، وذلك من قبل أن يقرر في خطوة أشد ارتباكا وأكثر ارتجالا أن يجمع عند ملتقيات الطرق في العاصمة عناصر من كل القطاعات الأمنية: الدرك؛ الشرطة؛ أمن الطرق.
بهذا المنطق المزاجي والارتجالي قرر الرئيس أن يلغي مجلس الشيوخ، والذي لا خلاف أيضا على أنه من المجالس غير الضرورية، وأن يستبدله بمجالس جهوية ستعمق من النعرات القبلية والجهوية والشرائحية، وربما تكون أكثر ضررا من مجلس الشيوخ، وقد يأتي وقت لاحق يقرر فيه الرئيس ـ وبقرار ارتجالي آخر ـ أن يخلط بين المجلسين تماما مثلما خلط بين عناصر القطاعات الأمنية في ملتقيات طرق العاصمة.
مصيبتنا في هذه البلاد أن أول ما يفكر فيه الرئيس الجديد عند وصوله إلى السلطة هو إلغاء “ميراث” الرئيس الذي سبقه، وبما في ذلك الميراث من سلبيات وإيجابيات، وذلك بدلا من التفكير في الاستفادة من الإيجابيات، والعمل في نفس الوقت على إصلاح وتصحيح ما تم ارتكابه من أخطاء في العهد السابق.
هذا النوع من الإلغاء والاجتثاث يتكرر دائما مع كل رئيس جديد، وهو من أسباب تخلفنا، ولكن، وعلى الرغم من نتائجه الكارثية على البلاد، إلا أنه يبقى في حدود الكوارث والمصائب المقبولة. إن المصيبة التي لا يمكن لنا أن نتحمل آثارها هو أن تصل عملية الاجتثاث إلى رموز الوطن، وإلى العبث بالدستور لأسباب مزاجية، فهنا يكون من واجب الجميع أن يتحرك بسرعة وبفعالية للوقوف ضد هذا العبث الذي سيدخل البلاد في مرحلة من عدم الاستقرار لم تعرفها من قبل.
علينا أن نعلم بأنه إذا تمكن الرئيس الحالي من أن يفرض على الموريتانيين تغيير علمهم الوطني في ظل غياب إجماع وطني، ودون أن يكون هناك أي استفتاء شعبي، فإن ذلك سيجعل الرئيس القادم وفي إطار سياسة الاجتثاث التي يبدو أنها ستصل إلى رموزنا الوطنية يأتي بعلم جديد ولن يعجزه ذلك، ما دام تغيير العلم الوطني يمكن أن يتم في غياب الإجماع، ودون أن يكون هناك أي استفتاء شعبي.
إن الرئيس القادم لن يعجزه أن يأتي هو أيضا بأغلبية برلمانية تلغي له علم الرئيس السابق، وتأتي بعلم جديد، وذلك في انتظار قدوم رئيس جديد يأتي هو أيضا بعلم جديد.
لو كان في تغيير العلم الوطني أي مصلحة للوطن لكان بالإمكان أن نتفهم الأمر، ولكن لا مصلحة تنتظر من هذا التغيير، ويبدو أن الأمر كله يتعلق بتقلبات مزاج الرئيس الحالي، والذي كان قد حاول مع بداية وصوله إلى الحكم أن يختزل تاريخ البلاد في شخصه وفي شخص الرئيس المختار ولد داداه، ولذلك فقد “زُينت” شوارع العاصمة بلافتات كبيرة حملت صورة الرئيسين، وحاول الإعلام الرسمي أن يختزل تاريخ موريتانيا الحديث في عهدين : عهد الرئيس المختار ولد داداه وعهد الرئيس ولد عبد العزيز.
هكذا ظلت الأمور تسير إلى أن حدث انقلاب مفاجئ في مزاج الرئيس ولد عبد العزيز ، وكان من مؤشرات ذلك الانقلاب هو أنه بدأ يفكر في إلغاء كل ما يرمز لعهد المختار ولد داداه، ومن هنا جاءت فكرة تغيير العلم والنشيد الوطنيين، ومن هنا جاءت فكرة إعادة كتابة التاريخ مرة أخرى، مع الشطب هذه المرة على عهد المختار ولد داداه الذي أصبح يتهم اليوم بمعاداته للمقاومة.
إن أخطر ما في هذه التعديلات الدستورية هو أنها ستفتح الباب واسعا للعبث برموز الوطن، وأن هذه الرموز ستظل في تغيير مستمر وفقا لتغير الأنظمة ووفقا لتغير أهواء وأمزجة من سيقود تلك الأنظمة، ومن هنا تبرز أهمية التحرك الشعبي العاجل لإفشال هذه التعديلات.
إنه على الغالبية العظمى من الشعب الموريتاني، وهي الغالبية الرافضة للعبث بالدستور أن تزحف صبيحة يوم السابع من مارس في اتجاه الجمعية الوطنية لإفشال التعديلات الدستورية، وعليها من بعد ذلك أن تزحف إلى مجلس الشيوخ في اليوم الذي سيقرر فيه أن تعرض تلك التعديلات على مجلس الشيوخ.
على الشعب الموريتاني أن يزحف إلى الجمعية الوطنية مبكرا يوم السابع من مارس، وذلك من قبل أن تبدأ جلسة العبث بالدستور، والتي من المقرر لها أن نبدأ عند الساعة الحادية عشر من نفس اليوم.
وإذا ما قررت الجماهير أن تزحف إلى الجمعية الوطنية في يوم السابع من مارس، فإننا سنكون أمام واحد من احتمالين:
أولهما : أن تقوم السلطة باستنفار أمني كبير، وأن تقرر تطويق الجمعية الوطنية برجال الأمن، وأن تمنع الجماهير من الاحتجاج السلمي أمام الجمعية الوطنية. والسلطة إن فعلت ذلك فإنها ستكون قد أثبتت للجميع بأن التعديلات الدستورية لم يكن بالإمكان تمريرها إلا من بعد تطويق البرلمان بقوات الأمن، وهنا تكون التعديلات الدستورية قد فقدت آخر ذرة من المشروعية ومن المصداقية.
ثانيهما : أن تسمح السلطة بالاحتجاج الشعبي أمام الجمعية الوطنية، وهنا يكون على رافضي التعديلات الدستورية أن يستخدموا كل وسائل الضغط المشروعة لإيقاف الجلسة ولإفشال التعديلات الدستورية.
يبقى أن أقول بأن قضية العبث بالدستور هي من اخطر القضايا السياسية التي عرفتها البلاد في السنوات الأخيرة، ولذلك فإنه على كل واحد منا أن يتحمل مسؤوليته كاملة غير منقوصة في التصدي لهذا العبث بالدستور.
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل