رسالة في صندوق بريد الجمعية الوطنية
تقول هذه الرسالة بلغة شعبية فصيحة وصريحة جدا بأن “النوائب” في واد وأن الشعب الموريتاني في واد آخر، وأن الفجوة بينهما قد اتسعت كثيرا. فأن يصوت 121 من أصل 147 نائبا لصالح التعديلات الدستورية، وأن تخرج من بعد يومين فقط على ذلك التصويت جماهير غفيرة بحجم جماهير مسيرة الحشد الأكبر لتعبر عن رفضها للتعديلات الدستورية، فإن ذلك ليعني بأن النوائب في واد أن الشعب في واد آخر.
إن 121 التي صوتت للتعديلات الدستورية لا تمثل الشعب، وإنما تمثل السلطة، ولذلك فلم يكن غريبا أن تسمعوا بأن نائبا يرفع شعار المعارضة قد وكل نائبا من الموالاة للتصويت نيابة عنه. فلو أن هذا النائب كان يحترم منتخبيه الذين صوتوا له بوصفه مرشحا معارضا لما وكَّل نائبا من الموالاة للتصويت عنه في قضية تعتبر من أخطر وأهم القضايا التي عرضت على البرلمان الموريتاني منذ تأسيسه. الكارثة الأكبر أن النائب كان قريبا من الجمعية الوطنية لحظة التصويت نيابة عنه !! نائب آخر لم نسمع باسمه، ولم نسمعه خلال السنوات الماضية يتحدث ولو بشطر كلمة عن مشاكل مقاطعته أو عن مشاكل موريتانيا بصفة عامة، وكانت المرة الأولى التي سمعنا فيها صوته، هي تلك المرة التي سمعناه فيها وهو يطالب بتأسيس مملكة في هذه البلاد، وتنصيب الرئيس ملكا !!
نائب آخر سمعناه منذ أقل من شهرين يقول ومن تحت قبة البرلمان وبالحرف الواحد : “سأتحدث بالفرنسية لأن هذا المشكل يمسني في القلب” ، وكأن لغاتنا ولهجاتنا الوطنية أصبحت كلها عاجزة عن التعبير عن كل ما يمس قلب النائب. هذا النائب الذي أساء إلى لغاتنا الوطنية ورفع من مكانة لغة المستعمر هو نفسه النائب الذي سيطالب بتغيير العلم، وسيقول وبالحرف الواحد : “إن المستعمر هو من أعطانا هذا العلم ولم نستشر في اختياره” !! . فعن أي مُستعمر يتحدث السيد النائب، فهل يعني به ذلك الذي تملكت لغته القلب والوجدان؟ وهل يعتقد النائب بأننا سنصدقه عندما يقول بأنه يريد تغيير العلم لأن المستعمر هو الذي اختاره لنا؟ نائب آخر يسيء إلى اللغة العربية، ويهين المادة السادسة من الدستور الموريتاني، وبعد ذلك يصوت لتغيير العلم الوطني حتى يكون أكثر تعبيرا عن روح المقاومة !
شيءٌ آخر هل سمعتم عن نائب واحد من نوائب الجمعية الوطنية عاد إلى مقاطعته واستشار ناخبيه في هذه القضية الجلل التي تتعلق بتغيير بعض ثوابت ورموز الوطن؟ بالتأكيد لم تسمعوا بشيء من ذلك، ولكنكم في المقابل سمعتم عن نواب ترددوا فرادى وجماعات على القصر الرئاسي، وسمعتم عن لقاءات فردية وعن قطع أرضية وعن تعيينات وعن أشياء أخرى. من هنا يمكن القول بأن 121 “نائبة” ( من نوائب الدهر) التي صوتت على التعديلات الدستورية لم تعبر عن رأي الشعب، وإنما عبرت عن رأي السلطة التي توزع القطع الأرضية، وتجود بالأموال، وتتكرم بالتعيينات.
ومن قبل أن أختم هذه الجزئية يبقى أن أقول بأن القضايا التي تتعلق بتغيير الثوابت ورموز الوطن لا يجوز عرضها على البرلمان الحالي، حتى وإن افترضنا جدلا بأن البرلمانيين سيعبرون عن رأي ناخبيهم. إن القضايا التي تتعلق برموز الوطن يجب أن لا تعرض إلا على برلمان يمثل كل أطياف المجتمع كالبرلمان السابق. أما البرلمان الحالي فلا يمثل كل الشعب الموريتاني، وقد غابت عنه أحزاب وازنة، ولذلك فإنه ليس في الأصل مؤهلا لمناقشة قضايا قد يترتب عليها المساس برموز الوطن وبثوابته.
محمد الأمين ولد الفاضل