راهن المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة على هبة شعبية، قال إنها ستكون غير مسبوقة لرفض التعديلات الدستورية، وإسقاطها على الأقل شعبيا، وإن كان إسقاطها عمليا أمرا متعذرا، وكانت الأنظار منصبة على السابع من مارس 2017 حيث وعد معارضو التعديلات الدستورية بمظاهرات عارمة
تكتسح الجمعية الوطنية، وتشكل ضغطا على النواب، أو حتى تمنعهم من التصويت، لكن بضع عشرات فقط حضروا تلك الوقفة، ومثلهم – أو أكثر- حضر من أنصار النظام، وداعمي التعديلات، وشكلت تلك الوقفة مؤشرا أوليا على أن الشعب مـل، وكـل من مسيرات المنتدى، ووقفاته التي لا تضيف جديدا، ولا تقدم، ولا تؤخر، تنتهي كما بدأت، بعد تبادل الخطب، وتكرار العنتريات المعهودة.
استمر المنتدى في التوعد بمسيرة لا سابق لها يوم السبت 11 مارس 2017 ضد التعديلات الدستورية، لكن سكان انواكشوط خذلوا معارضي الدستور، وكانت تلك المسيرة من أقل مسيرات المنتدى من حيث الحشد الجماهيري، وقد بدا الإحباط واضحا على منظميها، وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون عن أسباب ضعف الحضور الجماهيري، فبعضهم يعزوه لحرارة الطقص، وآخرون بروا عزوف الجمهور عن دعوة المنتدى بما أسموه الخوف من قمع النظام، وكانت مسيرة 11 مارس مرتبكة من حيث التنظيم، حيث انفض الجمهور –على قلته- دون أن يلقي قادة المنتدى كلمات، رغم حضور بعضهم للمنصة، والأهم من ذلك انتهت المسيرة دون الإعلان عن الخطوة المقبلة، وغياب الرؤية، وانعدام الاستراتيجية الواضحة المعالم هو أسوأ شيء في السياسة.
وبات داعمو المنتدى حائرين لا يدرون زمان، ومكان المسيرة المقبلة، مع إحباطهم أصلا من هذا الأسلوب الذي جربوه على مدى سنين عديدة ولم يؤت أكله، وكان قادة المنتدى قد أكدوا في مؤتمرات صحفية مؤخرا أنهم أقروا خطة متكاملة لإسقاط التعديلات الدستورية، لكن هذه الخطة اتضح أن أبرز معالمها جولة سياحية في بعض أسواق العاصمة، ووقفات ينظمها مراهقون يحملون ملصقات، ويتجولون قبل منتصف النهار بين بعض المؤسسات الدستورية، والتشريعية، والسلام..!.
المعضلة التي تواجه المنتدى في رفضه للتعديلات الدستورية تكمن أساسا في عدة نقاط، من أبرزها عدم استعداد قادته للنزول من أبراجهم العاجية، وسياراتهم الفارهة لمخاطبة المواطنين البسطاء، في مدن الداخل، والقرى، والأرياف، كما أن الرئيس ولد عبد العزيز أسقط أهم ورقة راهن عليها المنتدى لاستقطاب الشعب وهي ورقة المأمورية الثالثة، وهناك عامل آخر لا يقل أهمية، وهو غياب الانسجام بين مكونات، وقيادات المنتدى، فهم لا يكادون يتفقون على شيء، تحسبهم جميعا، وقلوبهم شتى، وعداء بعضهم لبعض أشد من عدائه لولد عبد العزيز، وإن حاولوا التظاهر بعكس ذلك.
وقد بدا تشرذم المنتدى جليا من خلال انشقاق عميد أحزاب المعارضة "تكتل القوى الديمقراطية" وعدم حضور رئيسه أحمد ولد داداه لفعاليات المنتدى المختلفة، كما أن الرئيس السابق للمنتدى الشيخ سيد احمد ولد باب مين توارى عن الأنظار، ودخل مـُعتكفا سياسيا، دون تنصيب رئيس بديل عنه بشكل رسمي، وهو ما جعل المنتدى يخوض معركة الدستور جسما مترهلا بدون رأس.
هذه العوامل – وغيرها- جعلت المراقبين يتساءلون .. ما الذي بقي من خطة المنتدى لمنع إقرار تعديل الدستور..؟ وما رهانات المنتدى بعد أن تجاوز قطار التعديل أهم محطاته، وبات الإقرار النهائي لهذه التعديلات مسألة وقت فحسب، سواء بمؤتمر برلماني، أو استفتاء شعبي..؟.