في أدغال مونكل، التقطت السيدة كمب با أولى صور الحياة، سنة 1970ربما لو أن الدهر لم يبستم لها باكرا، لكانت جزء من لوحة خالدة ترسمها الفلانيات في تلك "الكصور" في آفطوط الشرقي.. يحلبن البقرات البيضاء ذوات القرون الخنجرية، وتحمل قناني الزيت والزبدة، قبل أن تؤوب في المساء لتحكي لأطفالها الرعاة قصصا عن الحلم البولاري الموؤود.
دخلت السيدة با الحياة من بابها الواسع، وتلقت معارفها الدراسية الأولى بين تجكجة وروصو بسبب ظروف عمل والدها الذي كان مسؤولا رفيعا، ذا علاقة واسعة مع شخصيات كبيرة في الأنظمة المتعاقبة، أبرزها الرئيس السابق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله.
في نهاية العام 1990، حصلت السيدة با على الباكلوريا العلمية، وبعيدا في النيجر ،درست سنتين في كلية الطب في النيجر، لتنتقل بعد ذلك إلى كلية الطب في ساحل العاج، حيث حصلت على الدكتوراه في طب الأسنان، في العام 1997، حيث عملت لاحقا في العيادة المجمعة بنواكشوط، وفي مستشفى الميناء، قبل أن تصل إلى منصب المنسق المساعد لبرنامج علاج الأسنان في موريتانيا.
من بوابة القصر الرئاسي..
في 2005 تغيرت خارطة القوى في القصر الرئاسي لم يعد العقيد – حينئذ- محمد ولد عبد العزيز مجرد قائد للحرس بل أصبح " المحروس "الأساسي في القصر، وكانت السيدة با قد وصلت القصر الرئاسي ضمن حقيبة صهرتها الوزيرة السابقة دي با، كانت كمبا زوجا لأخ دي با.
كان لمعاوية "كوريته" ذات المكانة والحضور الأساسي ويتعلق الأمر بدي با، وعلى نفس المسار اتخذ ولد عبد العزيز كورية أخرى وكانت هذه المرة، معالي الدكتور كمب با، ولا "كورية" بعدها الآن.
قبل الانقلاب بسبعة أشهر كانت السيدة با قد نالت منصب مستشار في الرئاسة مكلفة بالشباب والرياضة والترقية النسوية.
وفي العام 2007 إلى 2009 عينت السيدة با مكلفة بمهمة في رئاسة الجمهورية، لم تعلن الرئاسة عن طبيعة المهمة حينئذ، ضمن مهام أخرى لا تزال تثير جدلا واسعا في الساحة السياسية،
مع 2009 بدأت السيدة با تأخذ نصيبها من التشكلة الحكومية، وزيرة منتدبة للشؤون الإفريقية، بعد ذلك وزيرة للوظيفة العمومية، ولاحقا وزيرة منتدبة لدى رئاسة الجمهورية مكلفة بالشؤون الإفريقية.
إفريقيا السر الغامض!
السيدة كمب با امرأة إفريقية، ولا ضير أن ترعى الشؤون الإفريقية في بلد كان ترنح كثيرا خلال سنواته الأولى من حكم الرئيس محمد ولد عبد العزيز بسبب أزمة الشرعية، كما أن طبيبة الأسنان التي درست 7 سنوات في الجامعات الإفريقية تتمتع بعلاقات وطيدة مع قطاعات واسعة في إفريقيا السمراء.
خلال إدارتها لوزارة الوظيفة العمومية، أشرفت الوزيرة با على البدء في تسوية وضعية العمال العائدين من رحلة التهجير القسري، خارج البلاد ضمن أحداث 1989 الأليمة، غير أن الملف تعطل لفترة بعد مغادرتها للقطاع.
لكن السيدة با أثارت أزمة أخرى من خلال تعليق رواتب المئات من الموظفين أياما قليلة قبل عيد الأضحى بسبب إحصاء الموظفين.
غادرت السيدة با الوظيفة العمومية إلى الملف الإفريقي ورافقت الرئيس محمد ولد عبد العزيز.
في 17 ديسمبر 2010 أقيلت السيدة با من منصبها بعد رحلة مثيرة إلى بوركينافاسو، في بوركينا لم يتلق الرئيس محمد ولد عبد العزيز أي استقبال لافت، وكان عليه الانتقال بسيارة صغيرة أوفدتها السفارة الموريتانية لاستقبال صاحب الفخامة، فيما نقل الوفد المرافق له في باص تم تأجيره لهذا الغرض.
كانت السيدة با قد وصلت إلى بوركينا فاسو قبل الرئيس بأيام ويبدو أنها لم تنجح في تحضير الاستقبال الرسمي، أو لعلها انشغلت بأشياء أخرى.
في طريق العودة، غادر الوفد الرسمي المنصة الساعة الثالثة مساء، لكن الطائرة " الرئاسية" كانت في واغادوغو، ورفض المطار السماح لها بالإقلاع قبل الساعة الرابعة مساء،
غادر الرئيس المنصة، وقضى ساعتي انتظار في فندق صغير على طريق المطار في العاصمة البوركينابية، من سوء حظ الوفد المرافق كانت هنالك غرفتان لا أكثر، تمدد الرئيس في إحداها، وفي الأخرى تمدد شياخ ولد اعل وبعض الحرس الرئاسي، وغادر بقية الوفد إلى المطار لانتظار الطائرة والرئيس، وبعد الخامسة مساء وصلت الطائرة، ووصلت الحقائب أيضا.
يقول مرافقون للرئيس في تلك الرحلة، إن السيدة با جلبت معها حقائب كثيرة، وكبيرة جدا، مما أثار شجارا بين الصحفيين المرافقين للرئيس وبعض الحرس المكلفين بنقل هذه الحقائب.
بعد يومين من عودتها من بوركينا، أقيلت السيدة با من وظيفتها وألغيت كتابة الدولة للشؤون الإفريقية، حينها اعتبر الإعلاميون أن تقاريرهم ضد "حقائب " كمب كان السبب في إقالتها.
ولكن "ما في الرب تعرفه كمبا"..
ترتبط السيدة كمب با بتاريخ عمل وطيد مع الرئيس محمد ولد عبد العزيز، حيث ظلت خلال السنوات الخمس الماضية ركنا أساسيا في منظومة الحكم الظاهر والخفي التي يديرها ولد عبد العزيز، وتؤكد مصادر خاصة للسراج أن السيدة با خلال فترة عملها مستشارة في الرئاسة ظلت ترتبط إداريا بقائد الحرس محمد ولد عبد العزيز بشكل تام، الأمر الذي دعاها إلى رفض منصب سفير موريتاني في باريس، بعد أن عرضها عليها، واستعانت بوسطاء لتبلغه رفضها لهذا المنصب لدواع "خاصة وفق تعبيرها"حينئذ.
أراد ولد الشيخ عبد الله، تقديم رسالة متميزة من خلال تعيين ابنة صديقه السيدة كمب با في منصب سام يتعلق بتمثيل موريتانيا في فرنسا، مستثمرا في ذلك كونها امرأة شابة مثقفة وتحمل شهادة عليا، إضافة إلى أن ولد الشيخ عبد الله كان ينظر للسيدة با باعتبارها " ابنته الثانية".
كمبا وأكرا..
عادت كمبا إلى الواجهة من جديد بعد اتهامات لاذعة لعسكري مالي سابق للرئيس محمد ولد عبد العزيز ومستشارته السيدة با بالتورط في تبييض الأموال، وعاد العميل من جديد ليقول إن السيدة با اتصلت به لاحقا وعرضت عليه تسوية القضية بشكل ودي وطبيعي ولكنه رفض.
السيدة با لا تزال بعيدة عن الأضواء منذ غادرت المناصب الحكومية المعلنة، ربما لم تجد الوقت لممارسة مهنتها الأساسية، وهي جراحة الإسنان، فقد انتقلت المرأة "الحقائبية" إلى قلب المشهد السياسي من جديد، وبقوة حركت "نبض" الشارع وسارعت وتيرة دقات القلب.
كمب أيقونة في عالم الأمثال الموريتانية، ويبدو أن المشهد السياسي أخذته" كمب " بقوة، وتركته في غموض لا أحد يعرف نهايته.
إلى المشهد من جديد
بعد فترة نقاهة فى الرئاسة ظلت فيها السيدة كمب با فى قلت الحدث السياسي والجدل الساخن عن صناديق أكرا عادت للحكومة والوظائق الوزارية حيث عينت على وزارة الرياضة
اتهمت الوزيرة خلال تربعها على الرياضة باتهامات كبيرة وهي تعيين الأقارب والأصهار فى وظائف كبيرة بالوزارة المذكورة
دخلت ذات يوم لافتتاح مبارات بين فرق موريتانيا ومعها الأمين العام للوزارة والذي أعجب بطريقة تعاملها مع الكرة على النجيلة فى مشهد لم يفت على الصحفيين فحفر فى ذاكرة التميز الكروي القليل فى وطننا
مع بداية 2017 غادرت با وزارة الرياضة ولكن هذه المرة إلى مكان تعرفه وخبرته من قبل وهو الوظيفة العمومية حيث بدأت عملها فى تلك الوزارة ولا تزال تتربع عليها حتى اللحظة
نفوذ وحضور
يقول العارفون بخبايا السياسة فى موريتانيا إن المرأة لها نفوذ كبير استمدته من علاقاتها بالقصر وأدوارها المتعددة فيه فضلا عن تدخلها فى عدة أمور استطاعت حلها سواء كانت عرقية فى الداخل أو تجارية فى الخارج
كما أن اطلاعهاعلى بعض خفايا الرئاسة وانفرادها بتكاليف لا يسمح للإعلام بتناولها جعل ثقتها تزداد وعلاقتها تتوطد برأس النظام الموريتاني
وتعتبر كمب با من القليلا فى الوزارات اللواتي يستطعن الاعتراض أمام الرئيس وتنفيذ أمور لم يستشيروه فيها من قبل حيث يؤثر عنها امتناعها عن بعض القرارات رغم محاولات الرئيس لذلك فى مجلس الوزراء ليخضع أخيرا لما تريد
وتخطو الشابة الموريتانية ذات العراقة فى الوظيفة وهي على أبواب عقدها السادس بخطى وئيدة لرسم مستقبل قد لا تجد فيه أكثر من وزيرة لكنها تتقلب بين كل تلك الوزارات بمؤهلات علمية وتجارب كبيرة تجعل من مستقبلها مضمونا مع الحكام الحاليين وربما مع القادمين إن ظلت وفية لقدراتها الخارقة فى رسم العلاقاة وتثبيت أركانها وعمل المستحيل فى العلن وبعيدا عن أعين الساسة والسياسيين